hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - باسكال مزهر - نداء الوطن

التنظيم القانوني لقطاع النفط والغاز: مبادئ وتحدّيات

الجمعة ٢ حزيران ٢٠٢٣ - 07:09

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إستمع للخبر


عندما نتحدّث عن التنظيم القانوني لقطاع النفط والغاز في لبنان، لا بد من الإشارة إلى مجموعة القوانين والمراسيم التي تنظم عمل هذا القطاع في المياه البحرية اللبنانية، وعلى رأسها قانون الموارد البترولية في المياه البحرية رقم 132/2010 الذي أتى تطبيقاً للمادة 89 من الدستور اللبناني التي تنص على أنه: "لا يجوز منح أي إلتزام أو إمتياز لإستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي إحتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود".

يهدف قانون الموارد البترولية إلى تمكين الدولة من إدارة مواردها البترولية المتواجدة في البحر والتي تعود ملكيتها والحق في إدارتها حصراً إلى الدولة. إذاً، فإن المبدأ الأساس الذي بني عليه نظام إستثمار النفط والغاز هو ملكية الدولة اللبنانية الكاملة للموارد البترولية المستثمرة. لماذا الحديث عن هذا الموضوع؟ لأنه في أنظمة الإستثمار التقليدية والقديمة المعروفة بأنظمة الإمتياز، كانت ملكية الموارد البترولية تعود للشركات البترولية صاحبة الإمتياز وليس للدولة.

إن هذا التصريح بملكية الدولة إنما هو ترجمة لمسألة سيادة هذه الأخيرة على مواردها البترولية كجزء من ثرواتها الطبيعية المكرس في القانون الدولي العام، ومدى ما تتمتع به الدولة من سلطان على هذه الموارد وبالتالي ما تمتلكه من حقوق وإمتيازات وحصانات مختلفة في هذا المجال.

لذلك، فإن ممارسة أي نشاط بترولي في لبنان، يجب أن تخضع لترخيص مسبق من قبل الدولة اللبنانية التي تحتفظ بحقها في القيام أو في المشاركة في الأنشطة البترولية. على أن تحدّد حصتها في الرخصة البترولية أو إتفاقية الإستكشاف والإنتاج التي يتم إبرامها بين الدولة من جهة وما لا يقل عن ثلاثة أصحاب حقوق من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، لا بد من الحديث عن فكرتين أساسيّتين:

بالنسبة إلى مسألة الترخيص المسبق

إن منح حقوق الإستكشاف والإنتاج تتم من خلال عقد يتم توقيعه بين الدولة اللبنانية والشركات البترولية. وهذا العقد يُسمّى بـ"إتفاقية الإستكشاف والإنتاج". بحيث يتم منح حق بترولي حصري لثلاث شركات مؤهلة على أن تكون إحداها شركة "مشغلة" (Operator) للإستثمار في رقعة بحرية واحدة. وهذا ما حصل مع إختيار إئتلاف "توتال إنيرجيز" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"قطر إنيرجي" القطرية للإستثمار في البلوكين 4 و9، مع تعيين شركة "توتال" الشركة المشغلة.

لذلك، فقد أوجب القانون على الشركات المتقدمة، المشاركة في دورات للتأهيل المسبق لإستيفاء الشروط الضرورية والخاصة بعملية الإستثمار. من هنا، أجرت وزارة الطاقة والمياه دورتين للتأهيل المسبق للشركات المتقدمة للحصول على حق بترولي، الأولى في العام 2013 والثانية في العام 2017.

بالنسبة إلى مسألة مشاركة الدولة في الأنشطة البترولية

بحسب المادة 6 "يمكن، عند الإقتضاء، وبعد التحقق من وجود فرص تجارية واعدة، إنشاء شركة بترول وطنية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير بالإستناد الى رأي الهيئة"... يُلاحظ بأن القانون 132 لا يسمح في الوقت الراهن بإنشاء شركة نفط وطنية، فهي ضرورية في حال قرّرت الدولة اللبنانية المشاركة في الأنشطة البترولية باعتبارها ذراع الدولة التنفيذي في إدارة هذا القطاع. إذاً، فموضوع تشكيل هذه الشركة الوطنية يطرح إشكاليات متعدّدة وأخذ ورد طويل بين المتابعين للملف البترولي في لبنان الذين ينقسمون بين مؤيد لإنشائها وبين معارض لإنشائها في الوقت الحالي. إلا أن دفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص قد حسم مسألة عدم مشاركة الدولة اللبنانية في دورة التراخيص الأولى التي تمّ بموجبها تلزيم البلوكين 4 و9 نظراً لأسباب ودوافع عديدة.

تعلّل هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان (LPA) هذا التوجه بالقول إن عدم مشاركة الدولة في الدورة الأولى للتراخيص إنما يعود إلى مصلحة الدولة بذلك. فالشركات تقوم بالمخاطرة وبدفع الأموال من أجل القيام بعمليات الإستكشاف في المياه البحرية اللبنانية. ففي حال أتت نتائج هذه الإستكشافات سلبية، تنهي الشركات عملها بدون أي تعويض من الدولة فجميع التكاليف تقع على عاتق الشركات. أمّا في حال مشاركة الدولة في دورة التراخيص، فتعتبر عندها بمثابة شريك يخضع لهذه المجازفات ويتحمّل الأعباء والخسائر التي قد تطرأ أو تستجد.

وبالتالي، فمن مصلحة الدولة اللبنانية عدم المشاركة في دورة التراخيص الأولى وذلك بهدف ترك المجازفة والمخاطرة على عاتق الشركات خاصة وأن المياه البحرية اللبنانية لم تستكشف بعد، بحيث لا يمكن التأكد من جدوى الإستثمار فيها. كما يؤدي ذلك إلى تمكين الدولة اللبنانية من المشاركة في دورات التراخيص التي تلي بفعالية أكبر بعدما تكون قد إكتسبت الخبرة اللازمة وتمّ إستكشاف جميع الرقع البحرية.

في المقابل، يرى بعض الخبراء في المجال البترولي أن عدم مشاركة الدولة سوف يرتّب خسائر مالية كبيرة على عاتق الدولة اللبنانية. فكما يتم أخذ الحيطة والحذر من خلال التنبّه لإمكانية أن تأتي نتائج الإستكشافات سلبية، يجب أيضاً عدم إستبعاد أن تأتي نتائج الإستكشافات إيجابية. فهذا الموضوع يحمل مجازفة فضلت الدولة اللبنانية تفاديها.

في المحصلة، يمكن القول بأن نتائج دورة التراخيص الأولى أتت مشجّعة، بحيث إستطاع لبنان إعتماد معايير أدّت إلى جذب شركات عالمية تتمتع بخبرات عالية في الإستكشاف وتطوير حقول الغاز والوصول إلى الأسواق العالمية لتصدير البترول إليها. وهذا الأمر إن كان يدلّ على شيء فهو بالتأكيد يدلّ على وفرة الموارد فضلاً عن حماس تلك الشركات للإستثمار في البحر اللبناني.

من جهة أخرى، فقد حدّد القانون 132 من خلال الفصل السادس منه، الرسوم المتوجبة على صاحب الحق (الشركات البترولية) أثناء ممارسته للأنشطة البترولية بالإضافة إلى كيفية توزيع حصص البترول وفقاً لنظام "تقاسم الإنتاج" المعتمد.

التحديات البيئية

أما لجهة التحديات البيئية التي تواجه عملية إستغلال الثروة البترولية، فقد ألزم القانون 132 والمراسيم التطبيقية الخاصة به، الشركات البترولية بتحقيق الإستغلال الرشيد للموارد البترولية، وفقاً لأبرز المعايير الدولية المطبقة في هذا المجال وبالطرق التي تحافظ على الصحة والسلامة والبيئة، وتتفادى بالتالي حدوث أي تلوث أو ضرر ممكن أن يصيب الممتلكات أو الأفراد أو البيئة. أملاً في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، فضلاً عن إتخاذ الإجراءات اللازمة للتحول نحو الطاقة البديلة والنظيفة.

إذاً تضمّن القانون المذكور فصلاً خاصاً يتعلق بالصحة والسلامة والبيئة (الفصل التاسع)، تشدّد نصوصه على وجوب ممارسة الأنشطة البترولية بالطرق التي تؤمّن أعلى مستويات من السلامة والتي تسمح بالإستفادة من التطورات والتقنيات الفنية، ومواجهة الظروف الطارئة والحوادث. إلا أن هذه المبادئ المختلفة تواجه تحديات كبيرة على صعيد التطبيق، خاصة وأن المراسيم التطبيقية المعنية بالإضافة إلى قانون البيئة اللبناني بحاجة لإعادة النظر بمحتواها نظراً للثغرات العديدة التي تحتويها والتي تسمح بالتسلل خلف هذه المبادئ لإحداث إنتهاكات واسعة يجب التنبه من مخاطرها وانعكاساتها. خاصة وأن الصناعة البترولية بما فيها ممارسة الأنشطة البترولية على إختلاف مراحلها، ترتب إنعكاسات بيئية كبيرة.

الممارسة الرشيدة

أخيراً، فقد أشار الفصل العاشر والأخير من القانون 132، إلى أحكام عامة مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال المادة "61" التي تطرقت إلى الممارسة الرشيدة للأنشطة البترولية بطريقة مسؤولة، من خلال مراقبة عمليات إنتاج البترول وتعيين الكميات الواجب إستخراجها. كما لحظت المادة "67" أهمية المكونات المحلية إذ حرصت على أن يعطي صاحب الحق الأولوية للشركات اللبنانية في ما يعود للعقود المتعلقة بالأنشطة البترولية. كما أوجبت إتفاقية الإستكشاف والإنتاج على الشركات البترولية أن تكون نسبة ما لا يقل عن 80% من العمال والموظفين من الجنسية اللبنانية.

القانون جيد

بعد عرضنا لأهم المبادئ القانونية التي تنظم عملية إستغلال الثروة البترولية، يتبين لنا أن قانون الموارد البترولية في المياه البحرية قد عالج أغلب المسائل المتعلقة بالأنشطة البترولية بطريقة منهجية ووفقاً لقواعد ومبادئ تحترم أبرز المعايير الدولية المتبعة في هذا القطاع. فهو يعتبر إنجازاً من حيث المبدأ وذلك على الرغم من بعض الشوائب والثغرات التي يمكن إحتواؤها والتنبّه لها خوفاً من تبديد الثروة.

إذ تكمن الأهمية الإستراتيجة للموارد البترولية بإعتبارها قيمة وطنية للأجيال الحالية والمستقبلية، يعوّل عليها لتحقيق نهضة إقتصادية وتنموية مرجوة تغيّر وجه لبنان الإقتصادي وتنشله من أزماته المالية والإقتصادية والإجتماعية الثقيلة، في حال تمّت إدارتها بالطرق السليمة والرشيدة.

ماذا بعد؟

فموضوع الثروة البترولية في لبنان يرتبط بعدة عوامل سياسية وأمنية وإقتصادية عدّة تطغى على مسار إستغلالها، كما ويخضع لتحديات مختلفة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي. لذلك، لا بد في النهاية من تقديم توصيات تؤدي إلى تحسين إدارة المسار وتوسيع إستراتيجيات العمل، فعلى الرغم من الإنطلاقة الواعدة للقطاع لا بد من التنبه إلى الثغرات المختلفة التي تعرقل مساره.

إذ لا يمكننا أن نحكم على القطاع منذ إنطلاقته بالفشل بخاصة أنه قطاع واعد، فما تمّ إنجازه حتى اليوم يجب أن يترافق مع تطبيق سليم للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء وذلك ضمن إستراتيجية شاملة للطاقة ترعى عملية إدارة القطاع بالشكل المناسب والصحيح. فضرورة وجود إستراتيجية شاملة للطاقة تحتم على الدولة اللبنانية الإسراع في صياغتها تفادياً لضياع الثروة، وأملاً في إعطاء نموذج سليم لجهة إدارة المرافق والقطاعات العامة.

 

  • شارك الخبر