hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - رجاء الخطيب - الديار

التخطيط بين الضرورة والتطبيق:استحداث وزارة جديدة بات ملّحاً

الإثنين ١٠ أيار ٢٠٢١ - 07:36

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عن تجربة مجلس الإنماء والاعمار يتحدث المهندس راشد سركيس من نقابة المهندسين في بيروت عن ثلاث تجارب في مفهوم التخطيط السليم، نجحت واحدة منها فقط.

في المثال الأول هناك الطرقات التي نفذت ضمن برامج مختلفة ومشاريع البنى التحتية التي تشوبها أخطاء لا تعد ولا تحصى على مستوى انعدام السلامة في الكثير من التصاميم وفي التنفيذ أيضا (جودة المواد وطريقة العمل) كما هو الحال في نفق بحمدون، مدخل بعبدا ومخرجها، الأوتوستراد العربي وانزلاقات الأرض به واللائحة تطول من الآمثلة المخفقة، ولكن في كلتا الحالتين هناك من هو مسؤول عن الخسارة. فقدان التخطيط السليم في المجلس، يبدأ من تحجر في الوجهة الواحدة دون فتح باب النقاش العام في المشاريع التي تتطلب إنضاجاً عبر الطرق الفنية والمهنية اللازمة والتي تعتمدها غالبية الدول المتحضرة، فلا يجوز حصر توجيه مشروع عام بشخص واحد، أو فريق محدود قد يغيب باله عن أمور كثيرة والنتائج على الأرض خير دليل على ذلك. ان إيجاد خلية للنقاش وتوجيه المشاريع إلى مرحلة النقاش المفتوح تحت سقف العلم والخبرة والدراسات المعمقة، يبقى حاجة لا بد منها. حان وقت المراجعة، بل المحاسبة وتوقيف كافة الأعمال التي من شأنها هدر المال العام، ولا سيما المقترض والذي يتراكم ديونا على الشعب الذي لا ناقة له ولا جمل.

وفي المثال الثاني يشير سركيس إلى قضية النفايات التي ليست من شأن ولا إختصاص مجلس الإنماء والإعمار ليقوم بتغطية عملياتها «مسددا المبالغ الطائلة والمنفوخة والمضخمة من صندوق لا رقابة عليه، الصندوق البلدي المستقل، والذي لم يكن يوما مستقلا». التخطيط في مجال معالجة النفايات أبسط بكثير من المتداول، ويمكن لكل بلدية أن تقوم بعملها على حدة دون ان تحتاج إلى نصف المبالغ المسددة من حساباتها في الصندوق «غير المستقل» والاستعاضة عن هدر المال في النفايات لتحقيق تنمية مناطقية.

يعتبر سركيس أن العناوين الرنانة تأتي لتغطي الأفعال الشائنة، فإقرار قانون فيه «الملوث يدفع»، يشكل واجهة وهمية تؤكد العنوان في الشكل وتفرغ المضمون في التطبيق المنحرف. ومن أجل ذلك، صارت الحاجة اليوم ليس فقط إلى وزارة تخطيط او تصميم لها هيكليتها ونظامها وكوادرها، بل نحن بحاجة إلى كيان حقيقي له رؤية وهدف يخطط ولا يهتم بالشكل دون المضمون، وله رسالة لتوفير حياة كريمة للناس دون ان يكون وجوده كمالة عدد.

وفي المثال الثالث والأخير، يروي سركيس تجربة ناجحة تأكيدا لدور التخطيط في تكامل العناصر البنيوية وتحسين النتائج إيجابيا في مشاريع قليلة متميزة، ابرزت تطور نوعي. فمثال تجربة مدينة بعلبك في تنفيذ مشروع الإرث الثقافي لعام 2000، حيث تم تخصيص وسط المدينة بمخطط توجيهي خاص به خارج المخطط الشامل للمدينة نفسها، لاظهار النسيج العمراني والتراثي من ضمن التخطيط الشامل، وكانت هذه التجربة رائدة في مدينة تاريخية أثرية تجتمع فيها ثروة متراكمة من الحضارات المختلفة والتي كان لا بد من ابرازها والحفاظ على خصوصيتها. فالتخطيط يتوزع بين الفكر العام الشامل الذي يشكل العمود الفقري للعمل السوي، وبين هامش مسموح من الحاجات المحلية لكي تلتقي في التخطيط الموضعي مع الحاجات الأكثر قربا من الناس فيكتمل المشهد بكل عناصره، وبذلك لا يكون دور التخطيط في توزيع وظائف الأراضي او توسعة طرقات او شق الجديد منها فحسب، انما هو نمط تفاعلي يعطي كل مكونات الحياة حقها بالتنمية المتوازنة ويوفر العدل بين المواطنين في كل مجال.

اما عن الوزارات اليوم التي ليس لها أي تأثير ويجب الغاؤها فيعتبر سركيس ان الحياة تغيرت بسرعة وصار لزاماً علينا مواكبتها بتفكير مختلف، فلا يجوز إبقاء وزارات شاخت في الهيكلية والإداء، ولا يمكن الاحتفاظ بفكر التعطيل الذي يسيطر على كثيرين من الذين لا يمكنهم يوماً التخطيط، بل يجب فتح الأفق واسعاً واستحداث وزارات حقيقية جدية فاعلة، كلها سيادية تدمر الشعارات البالية لملاقاة التحولات الكبيرة على كل الصعد.

ويكمل: «نحن بحاجة إلى رجال «الفعل وليس ردة الفعل»، وهذا يتطلب العودة خطوة إلى الوراء وتأسيس كيان يضبط التخطيط بكل جوانبه وقد يأخذ شكل وزارة تخطيط كاضعف الإيمان، وصولاً إلى مؤسسة مرموقة يمكنها أن تُجاري الكبار من أصحاب الرؤية إن وُجدوا».

التقييم المستمر واجب وبكل جرأة ينبغي إلغاء كل ما يعيق مسيرة التقدم والنمو وإعادة توزيع الوزارات وتسمياتها حسب أولويات حياة المواطن والخدمات التي توفر له هذا النمو والتقدم، وما يتطلبه من استثمار وتطوير.

يعتبر سركيس انه يجب البناء من الأساس لتوفير حاجات المواطن المباشرة وغير المباشرة، من إنسانية الإنسان والأحوال الشخصية والإرث مروراً بالشؤون الإجتماعية وتوفير فرص العمل ومتطلبات التربية والتثقيف والتأهيل والرياضة والصحة، تلاقيها حاجات ذات أهمية فائقة في الغنى التراثي والتاريخي عبر الحفاظ على موارد الوطن الطبيعية من إرث نوعي وآثار، وضخ الحياة في ركني الثقافة والبيئة باعتبارهما الثروة الحقيقية.

يرى سركيس ان وظيفة التخطيط تكمن في رفع المستوى الوطني العام ولو أنه يطال أيضاّ الأمن ومتطلباته المختلفة كما السياسات والتوجهات الاستراتيجية المختلفة التي تعنى بكل قطاعات الحياة وتطويرها من الزراعة إلى الصناعة فالسياحة والخدمات، دون ان ننسى الحاجات اليومية من طاقة كهربائية وحرارية ومواصلات واتصالات ومياه الشرب ومياه الريّ والنظافة ومعالجة النفايات الصلبة والسائلة واستدامة الموارد الطبيعية وتطوير إنتاج كافة القطاعات.

بالتالي دور التخطيط السليم والحقيقي للدولة يأتي في أولوية ضبط إيقاع هذه الخدمات، دون الحاجة بالضرورة للتدخل المباشر فيها، بل تحافظ الدولة القوية بحقّ على دورها الطليعي في الإرشاد والتخطيط والتوجيه وتحسين جودة الإداء نحو الأفضل، مما يساعد في الختام برسم دور السياسة العامة للبلاد وإدارة شؤونها من داخلية وخارجية وعدل الذي يجب ان يُشكل العمود الفقري الأول لتوفير تكافؤ الفرص وتوفير حقوق الناس المتساوية على المستوى الوطني دون أن ننسى ضرورة استحداث وزارات ذات بعد استراتيجي من مثل وزارة التجارة الخارجية.

  • شارك الخبر