hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - العميد الركن خالد حماده - اساس ميديا

الاستراتيجية الدفاعيّة الوطنيّة: إشكاليّة وطنيّة قابلة للنقاش

السبت ٢ تموز ٢٠٢٢ - 06:25

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نشر الزميل قاسم قصير مقالاً في أساس طرح ما نشره موقع "العهد" من تجديد لرؤية حزب الله لـ"الاستراتيجية الدفاعية الوطنيّة".

العميد الركن خالد حمادة يردّ اليوم على الطرح، في حلقة أولى اليوم، على أن يليها حلقات مكمّلة لها في الأسابيع المقبلة.

لم يسبق للدولة اللبنانية أن استخدمت مصطلح "الاستراتيجية" في أيّ مجال أو ميدان من ميادين الشأن العام (الاقتصاد، الأمن، التربية، الصحة، البيئة... أو العلاقات الدولية). فقد اتّسمت الإدارات السياسية المتعاقبة التي عرفها لبنان منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، والتي أُنتجت على وقع تحوّلات دولية وإقليمية عاشتها المنطقة، باضطراب دائم وبقصور في التأسيس لدور للبنان يستند إلى تقييم واضح لمقوّماته ونقاط قوّته، ويأخذ بواقعية ومسؤولية المقوّمات الجيوسياسية للمنطقة والتّحدّيات والتهديدات المرتقبة.
لم تكن يوماً المصالح الوطنية العليا، التي يستند إليها بناء السياسات العامّة، موضع نقاش حقيقي عبر المؤسسات الدستورية أو عبر منتديات أكاديمية متخصّصة، بل على العكس من ذلك، شكّلت القضايا المصيرية مصدر خلاف وتعارض بين مجموعة حاكمة آثرت الهروب من تحمّل تبعات الاستحقاقات الكبرى وتأجيل المواجهة، وبين قوى سياسية أدّى إقصاؤها عن المشاركة في القرار الوطني إلى البحث عن بدائل من خلال التماهي مع حركات وتيارات إقليمية أعلنت عن نفسها. وفي خضمّ البحث عن الذات الوطنية خارج الحدود تسرّبت المشاريع المذهبية والأفكار المتطرّفة التي أيقظت السرديّات الكامنة في اللاوعي الجماعي وهدّدت الاستقرار الوطني بأبعاده كافّة.

لقد دخل مفهوم الاستراتيجية الدفاعية حيّز التداول السياسي في لبنان بعد خروج الجيش السوري في 26 نيسان 2005 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 1559، وأضحى منذ ذلك الوقت عنواناً لانقسام عمودي وصراع سياسي مفتوح بين رؤيتَيْن متناقضتَيْن للبنان، وإشكالية وطنية يتوقّف عليها تحلّل لبنان أو استمراره دولةً ذات سيادة.

اعتقد الداعون إلى الحوار الوطني في آذار 2006 أنّ خروج الجيش السوري وانقلاب ميزان القوى بعد الانتخابات النيابية التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتفاف العالمَيْن العربي والغربي حول لبنان، هي عوامل كافية لإقناع حزب الله بالتّخلّي عن سلاحه والالتحاق بالوطن على قاعدة الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني، وبما يشكّل فرصة استثنائية لا تُردّ لتجاوز الماضي.

لماذا فشلت جلسات الحوار في 2006؟

باءت جولات الحوار بالفشل لأنّ المقاربة التي اعتُمدت افتقرت إلى الموضوعية، وربّما اتّصفت بالسطحية. فالنقاش نفسه في أمر السلاح لم يكن مقبولاً لدى حزب الله بصرف النظر عن المسوّغات التي ساقها لتبرير تمسّكه بالسلاح. فهو لا يملك أن يناقش مستقبل منظومة عسكرية إقليمية وُضعت في خدمة تصدير الثورة الإيرانية ونظريّة ولاية الفقيه. ولم يكن كافياً أيضاً استخدام عنوان "الاستراتيجية الدفاعية الوطنية" أو "الاستيعاب التدريجي لسلاح حزب الله"، لإضفاء شروط النجاح. فالحوار كان مطلوباً أن يؤدّي إلى استثناء لبنان من هلال شيعي يمتدّ من الخليج العربي حتى المتوسّط، ويُنهي هيمنة متنامية لفريق مسلّح على القرار السياسي والأمن الوطني بأبعاده كافّة. لم يدرك المتحمّسون لفكرة طاولة الحوار أنّ السلاح المطروح للنقاش في عام 2006 هو أحد مكوّنات المشهد الإقليمي المترتّب على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في أيار 2000 من دون قيد أو شرط وفي غياب تامّ للدولة اللبنانية، وأنّ جسامة الحدث ووقعه على اللبنانيين حينذاك حالا دون السعي إلى التحقّق من ظروف وأهداف صفقة التفاوض التي تمّت بين حزب الله وإسرائيل ومحاولة استشراف تداعياتها.

توقّف الحوار مع العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 على لبنان. وصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى عمليّاً الصراع الميداني مع إسرائيل بضمانة نشر أكثر من عشرة آلاف جندي دولي على الحدود الجنوبية، ورفض حزب الله بعد ذلك أيّ حوار يستهدف سلاحه، هذه الوقائع أثبت بما لا يقبل الشكّ ضحالة المقاربة التي اعتُمدت وهشاشة الاعتقاد بأنّ نقاش الاستراتيجية الدفاعية الوطنية في ظلّ ميزان القوى الداخلي القائم حينذاك قد يفضي إلى نتيجة. وليست سلسلة الأحداث والمحطّات التي تلتْ عدوان 2006، من احتلال حزب الله للوسط التجاري وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية، مروراً باختراق الدستور عنوةً لمرّات عديدة، في سياق تشكيل السلطات الدستورية والانتخابات الرئاسية، سوى تعزيز للقناعة بأنّ محاولات التوصّل إلى استراتيجية دفاعية وطنية بالعناصر الداخلية والخارجية المتوافرة حينئذٍ كانت خارج السياقات الإقليمية المواكبة، أو هي لم تلاقِ السياسات الأميركية والأدوار المطلوبة من القوى الإقليمية، ولا سيّما إيران وإسرائيل.

تؤكّد التجربة أنّ الإخفاقات التي رافقت كلّ محاولات البحث عن حلّ لسلاح حزب الله لم تثنِ اللبنانيين عن إبقاء هذا الموضوع في صدارة الإشكاليّات السياسية والوطنية. وبقدر ما يُخيَّل للحزب وحلفائه، وبقدر ما يُروّج له من أنّ ميزان القوى القائم قد أضحى ثابتة إقليمية ولبنانية يُبنى عليها وأنّه غير قابل للتعديل، بقدر ما يؤكّد الحضور الدائم لهذا الموضوع عند كلّ استحقاق دستوري أو مناقشة أيّة خطة نهوض اقتصادي أنّ التطبيع مع سلاح حزب الله هو استحالة لا يمكن تجاوزها.

إنّ مقاربة هذا الموضوع هي شأن دائم ومستمرّ مع كلّ تفصيل سياسي ووطني في لبنان، وهي إمعان في الإصرار على إنتاج استراتيجية دفاعية وطنية، بمفهوم لبناني، تتّسق مع خصائص الاجتماع السياسي اللبناني، وتقيّم بواقعية المخاطر الإقليمية واحتمالات التعايش أو الصدام معها، وتبحث عن الحلول لوقف مسيرة الانتحار أو الذهاب الطوعي نحو المجهول.

إنّ الاستفادة من الدروس الكثيرة المستخلَصة، وأهمّها الحفاظ على عناصر التماسك الوطني والمجتمعي، هي السبيل لتأسيس وعي لبناني حقيقي قادر على مواجهة هذه الإشكالية وإيجاد المخارج لها بما يُفضي إلى تأسيس الدولة الوطنية الحقيقية ذات السيادة بعيداً عن إحداث أيّ تصدّعات جديدة.

  • شارك الخبر