على أرضية واقعية يسير رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان في مقاربته لأرقام الخطة الحكومية التي نادى منذ البداية لوضعها على طاولة مجلس النواب، هناك حيث الكتل السياسية تتحمل مسؤولية القرار قبل عرضها على صندوق النقد الدولي.
"إعادة تقييم الخسائر في الخطة الحكومية ضرورية وملحة" قالها كنعان، وذلك انطلاقا من مبدأ التخفيض على أن تتزامن مع اصلاحات بنيوية لاقى فيها مطلب المواطن، من ضبط الحدود الى اجراء حل سريع للكهرباء ومعالجة خدمة الدين، كلها عوامل تبني برأيه ثقة مطلوبة اليوم مع المجتمع الدولي وصندوق النقد.
ينأى نائب المتن وأمين سر تكتل لبنان القوي عن كل الحسابات السياسية، فهمه اليوم حسابات المودع وأرقام الدين وسبل تخفيضها، وأمام اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة لتقصي الحقائق والتي يرأسها، حدد الرجل ثوابت مالية اساسية للانطلاق منها في المفاوضات ابرزها: "اشراك القطاع المصرفي ومصرف لبنان بتحديد نسبة الارقام"، خطوة تمكن كنعان من تخفيض الخسائر المتوقعة التي لحظتها الحكومة بخطتها بحدود الـ 26 الف مليار، وذلك من خلال العودة الى تقدير خسائر تسليفات لجنة الرقابة على المصارف القادرة على التدقيق بهذه الملفات.
يهدف كنعان خلال جلسات اللجنة الى ايجاد نقاط مشتركة يمكن عبرها التزاوج بين أرقام الحكومة وتلك التي يطرحها مصرف لبنان مع جمعية المصارف، انطلاقا من المثل القائل "نريد أكل العنب لا قتل الناطور"، وقد لامست اللجنة في عملها هموم الناس اليومية وسعر الصرف الذي تحول هاجسا يقض مضاجع اللبناني، وبواقعية تعاملت لجنة التقصي مع هذا الاستحقاق اذ أنها قاربت كلفة الهندسات المالية لتثبيت سعر الصرف وسد عجز الموازنات على مدى سنوات انطلاقا من مصداقية لبنان وارقامه كنواة اساسية خصوصا في التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهنا كان لا بد من أن تطالب اللجنة بقرار حاسم حول هذه المسألة لا سيما وأن لغطًا يحصل اليوم في حال تم احتساب سعر الصرف على 1500 بدل 3500 كما هو وارد بالخطة، فينخفض عندها الرقم مع تقييم الذهب والعملات الصعبة الموجودة الى 36 الف مليار، في حين ينخفض المبلغ الى 4000 مليار فقط من اصل 66 الف مليار ليرة اذا اعتمدت سعر الصرف 3500.
وفي ظل تعارض طرح الارقام والتحليلات السوريالية بشأن الودائع المالية، كان لا بد من "مايسترو" لضبط ايقاع المواقف واعادة الامور الى نصابها المالي الصحيح، فبادر كنعان عبر لجنة التقصي الى تقديم اقتراحات عدة لحفظ اموال المودع تزامنا مع حفظ النظام المصرفي ومنعه من الانهيار وذلك عبر اقتراحات عدة للمعالجة قد يكون منها الصندوق السيادي ومعالجة شهادات الايداع التي جرى تصفيرها في الخطة الحكومية".
كنعان برز أيضا كرجل دولة في ملفات متعددة تتعلق بالادارة العامة واصولها المالية ويعكس اصرارا على الاحتفاظ بموجودات الدولة في صندوق سيادي بادارة مستقلة ليشكل اساسا لتأمين استثمارات منتجة للبلد، لأن الفجوة المالية موجودة والاهم برأيه حماية الودائع.
وشكل ابراهيم كنعان عبر لجنة المال والموازنة في هذه المرحلة جسر حوار بين الدولة وخطتها الحكومية من جهة ومصرف لبنان وجمعية المصارف التي سجلت جملة ملاحظات على الارقام، وهنا كان دور لجنة المال والموازنة للمواءمة بين الجهتين من مبدأ دعم الموقف اللبناني لاسيما أمام صندوق النقد الدولي وتحسين شروط التفاوض.
نائب المتن الذي خرق خطوط المناطق عبر عمله داخل لجنة المال والموازنة، تجده في نقابة المستشفيات منقذا للقطاع بعد سعيه لاقرار قانون الاعتماد الإضافي بقيمة ٤٥٠ مليار ليرة للمستشفيات، كجزء من مستحقاتها لحل معضلة كبرى كادت تهدّد القطاع الاستشفائي بكامله، وفي المؤسسة العسكرية جنديا دفعه واجبه الوطني الى اعطاء عناصر المؤسسة حقوقهم عبر الغاء المادة 34 من موازنة 2020 التي كانت تهدف الى تقسيط تعويضات نهاية الخدمة على ثلاث سنوات.
وبعيدا من المتاريس السياسية بين الاطراف احتفظ كنعان بدوره النيابي الوطني وحرص في رئاسته لجنة المال والموازنة على مقاربة الامور بالمنظار الجامع البعيد عن الفئوية، وهذا ما دفع بالرئيس نبيه بري الى شكره حين تمكن من انهاء الموازنة ورفعها الى المجلس لاقرارها.