إستمع للخبر

بعد استنزاف المهلة الزمنية لانعقاد قمة جدة، وما سبقها من محطات انتظار، لم يعد بإمكان احزاب السلطة في لبنان التذرّع بالخارج لبناء مواقفهم فيما خص ملف انتخاب رئيس للجمهورية، وغيرها من امور الدويلة التي يحكمها اقطاب متناحرين سياسيا، بمعنى آخر، فإن القمة العربية لم تطرح مبادرة خاصة من أجل لبنان، بل اكتفت بمناشدة اللبنانيين ليقوموا بتحقيق الأمور ذاتها التي طُلب اليهم القيام بها على مدار الازمة التي تعصف بالبلد منذ العام 2019، ويمكن اختصار بيان جدة لبنانياً بدعوته أطراف الداخل للحوار وضرورة إجراء الإصلاحات الاقتصادية كمخرج لمشكلاتهم المتراكمة.
وعليه، يمكن طرح سؤال جدي امام المسؤولين اللبنانيين بمختلف اطيافهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية: ماذا بعد ليخرجوا من أوهام الحل الخارجي لمشكلاتهم؟
من المفيد ان يقرأ هؤلاء أولاً، الاتجاهات السياسية التي رسمتها دول المنطقة العربية بجدية، وكذلك الحرص على عدم السير عكس التيار الجديد الذي تسري رياحه التغييرية في المنطقة، فالاجواء التي وردت من كواليس القمة العربية الى بيروت، هي بمعظمها معطيات حددت مفاهيم جديدة طبقا للمتغيرات الاقليمية اولا، فقمة جدة تعاطت وفق أولويات مختلفة السقوف، وذلك انطلاقاً من وجود تقويم دقيق لطبيعة التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة والتي ستتعاظم في المرحلتين المنظورة والمتوسطة، منها تداعيات الحرب الاوكرانية، على مجمل الوضع الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط التي يوجد للعرب مصالح وجودية وحيوية فيها.

وفي الواقع ان جميع المؤشرات تصب في خانة تغير نمط التدخل العربي لإسقاط حلول بالمظلة، وتاليا فإن إنقاذ الاقتصاد لن يأتي من جيوب الدول العربية، بل من الإصلاحات التي من دونها سيبقى لبنان في ظلمته. والذي يتوجب على لبنان التنبّه له هو أن العالم تغير، فزمن الهبات انتهى والمطلوب أن يعتمد لبنان على ثرواته وخطة انقاذ ذاتية وهو الأمر الذي يستوجب إصلاح إداراته ووقف الهدر وابعاد الفساد والفاسدين عن القطاعات الإنتاجية، وهو ما يتطلب ايضا ارادة وطنية جامعة، ومبادرة لايجاد قواسم مشتركة تقرب وجهات النظر السياسية للوصول الى حلول مستدامة.