hit counter script

ليبانون فايلز - خاص خاص - ليبانون فايلز

انقراض المستقلّين

الثلاثاء ٤ كانون الثاني ٢٠٢٢ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

سيطرت في السنوات الأخيرة حالة من الهيمنة السياسية والطائفية على كل مفاصل الدولة وطالت كل المؤسسات، وكان من أبرز مظاهر هذه الهيمنة ما حصل ويحصل في القضاء من انقسام على أساس الولاء للمرجعيات السياسية الطائفية من قبل القضاة في الملفات الكبيرة، وأهمها ملف تحقيق انفجار المرفأ، وأيضاً ما شهده المجلس الدستوري مؤخراً بشأن الطعن بتعديلات قانون الانتخاب من اصطفاف خلف توجهات المرجعيات التي جاءت بالقضاة أعضاء المجلس الدستوري، وهي ظاهرة لم يشهد لها لبنان مثيلاً. صحيح أنه كانت الولاءات تلعب درواً أساسياً في التعيين بالمناصب الحكومية في السابق، ولكن حافظت هيكلية الدولة على الحد الأدنى من الاستقلالية في العمل ومن الولاء للدولة والمؤسسة وليس للزعيم، كما هو حاصل اليوم.

تعليقاً على هذه الحالة، قال سياسي متقاعد أن التجربة قد أثبتت بأن الطبقة السياسية الحالية بجميع أطيافها حولت المواقع المختلفة في الدولة إلى مواقع نفوذ لها، لأنه لا يمكنها التعايش مع وجود أشخاص مستقلين في الإدارات العامة أو الأجهزة أو في القضاء. وأضاف بأنه على كل شخص في المواقع المهمة أن يكون مرتبطاً بمرجعية سياسية تؤمن له الغطاء والحماية وهو يؤمن لمرجعيته بالمقابل الخدمات التي تطلب منه لصالح المرجعية وأزلامها ومحازبيها، والأهم من ذلك تسهيل المعاملات أو العقود التي تدر على الجهات السياسية والمحسوبين عليها التمويل لنشاطها، هذا في الإدارة وفي القضاء، وتأمين الحماية القانونية للمرجعية ولمحازبيها وتنفيذ ما تطلبه في إطار الصراع السياسي مع المرجعيات الأخرى. وأشار إلى ظاهرة أخرى قد تكون أكثر دلالة وهي انقراض فئة السياسيين المستقلين، ففي السابق كان في مجالس

النواب المتعاقبة عدد كبير من النواب المستقلين عن الأحزاب وفي غالب الأحيان كان هؤلاء النواب من الشخصيات المميزة التي شكلت ضمانة للحياة السياسية في لبنان.

وفي هذا الإطار استذكر السياسي المتقاعد ما حصل في حكومة حسان دياب، التي جاءت على أساس أنها حكومة المستقلين ولكن تبين لاحقاً أنها حكومة الواجهات للأحزاب وقد نفذت أجندة الأحزاب والتيارات الحاكمة بطريقة أكثر إخلاصاً من الأحزاب نفسها وشكلت نكسة كبيرة لفكرة التكنوقراط أو المستقلين. ومن أكثر قرارات تلك الحكومة غرابةً كان أنها سخّرت نفسها أمام رغبة بعض أحزاب السلطة بتغيير محافظ بيروت فتبرع رئيس تلك الحكومة حسان دياب بأداء الدور، ولكنه ظن بأن له الحق بأكثر من حجمه في اللعبة وقام بترشيح مستشارته بترا خوري لمنصب المحافظ، إلا أنه عاد وخضع لقرار من جاؤوا به على رأس الحكومة وبالنهاية تم تعيين مرشح التيار الوطني الحر.

أما الأحزاب الحاكمة فكانت ترغب بالإطاحة بالمحافظ السابق زياد شبيب وإعادته إلى القضاء بسبب عدم تسهيله عدداً من الملفات الدسمة، وقد استخدموا حجة هي عدم التمديد للموظفين بعد انتهاء ولايتهم، وكان الإصرار على استبداله، خاصة من قبل التيار الوطني الحر وتيار المستقبل كبيراً، حيث وصلت الأمور إلى فبركة ملفات بحقه لتسهيل تمرير ذلك، وهذه المهمة تكفل بها فريق وزير الداخلية السابق الذي كان يسعى جاهداً إلى إسترضاء المستقبل لتأمين الاعتراف به سنياً فضلاً عن ولائه للتيار الوطني الحرّ من خلال اعترافاته الشهيرة عن زمن الحرب وعلاقته برئيس الجمهورية.

إن ما حصل مع شبيب كان أكبر دليل على أنه لا يمكن لأحد أن يستمر في وظيفته إذا امتنع عن تأمين مصالح الطبقة السياسية، وهذا ما فعله شبيب عندما رفض صفقة المحرقة في بيروت وملفات أخرى تدر تمويلاً سياسياً

للتيارات السياسية، ولهذا تم استبداله بشخص محسوب على التيار الوطني الحر، وذلك بالطبع تحضيراً لإعادة إحياء المشروع عندما تسنح الظروف.

وفي الخلاصة، إن فئة المستقلين في المواقع الإدارية أو القضائية البارزة قد انقرضت مع الطبقة السياسية الحالية، ومن المستحيل رؤيتها مجدداً لأن كلاً من المرجعيات يزداد تشبثاً بالحصص والجميع يحرص على انتقاء أكثر الناس ولاءً لها، حتى في تشكيل الحكومات نرى توزيع الوزارات على المستشارين حيث لا يهم مطلقاً الكفاءة بل درجة الاستزلام.

  • شارك الخبر