مع خروج الرئيس الاميركي دونالد ترامب من ادارة البيت الابيض، حمل معه مشروعه الشرق أوسطي الذي أعده صقور الجمهوريين بالتنسيق مع بعض الفاعلين في المنطقة لمواجهة التمدد الايراني. صوَّبت الادارة الاميركية الجديدة على الصين ووضعت خطتها لوقف تمدد التنين الآسيوي الغازي للثقافة الاميركية في العالم، في حين وُضِعَت منطقتنا وتعقيداتها داخل السيارة المتجهة شرقاً وعلى متنها دول المحور الممانع، ومنها لبنان الذي دخل فصلاً جديداً من المواجهة "الناعمة" لتغيير النمط الحياتي واستبداله بكل ما هو مرتبط بثقافة الطوابير والنظريات المناهضة للرأسمالية وأخواتها.

يتحدث أحد المشاركين في مجموعات ثورية، التقت في الفترة الاخيرة مسؤولين من الادارة الاميركية في احدى الدول الاوروبية، عن توجه مفاجئ لهذه الادارة بالنسبة للوضع في لبنان، ويشير الى أن الولايات المتحدة بدت أكثر ليونة مع الوضع في لبنان بوجود حزب الله، فهي لا تستبعد تطبيق سيناريو طالبان في كابل على لبنان من خلال ادارة حزب الله للحكم بشكل مباشر مع حلفائه، بعد تعثر المعارضة بتقديم نفسها كقوة تجييرية على الارض. وعزّز الاعتقاد الاميركي التقارير التي وصلت الى السفارة في عوكر عن ادارة الحزب وحلفائه لمجموعات في ثورة 17 تشرين في أكثر من منطقة وتمدده الى مناطق ذات طابع مستقبلي في الشمال، وتقديم عروض مالية كبيرة لمجموعات تصب في خانة المصالح التي يديرها الحزب، لا سيما في سورية عبر ادارة تهريب المحروقات

وغيرها من الامور التي تذهب الى دول الجوار بالشراكة مع رجال اعمال مقربين من الحزب.

تجربة كابل في بيروت يسعى الى ضبطها اللاعب الأميركي، عبر قنوات تواصل مفتوحة مع الضاحية تكتسب بُعداً اوروبياً في بعض الأحيان، وآخر عربياً، حيث يتم البحث في ملفات مرتبطة بحركة حماس والصراع مع إسرائيل، لا سيما وأن قيادات في الحزب تبلغت موقفاً اسرائيلياً نقلته قنوات تواصل مشتركة يشير الى أن تل أبيب تتمسك بالهدنة على حدودها الشمالية شرط أن يبقى حزب الله محافظاً على القرار 1701.

خيبة الامل التي يُعبر عنها بعض المجموعات في الثورة، تشير الى أن الحزب وحلفاءه جاهزون لعقد تسوية سياسية طويلة الامد تعيد اعادة هيكلة الدولة اللبنانية عبر خلق منظومة اقتصادية ومالية جديدة تنسف ما قبلها، وربما تأتي مداهمات وزير الصحة على مستودعات الدواء في قلب بيئة الحزب ضمن هذا المشروع، اذ تكمن اهمية الخطوة وابعادها بالهدف الكبير المرسوم وهو الاطاحة بالوكالات التي فتحت للشخص المحسوب على بيئة الحزب بتخزين الكميات في المستودع، وهنا نتحدث عن الوكالات الاجنبية التي يريد الحزب نسفها، ويعمل لسنوات على ذلك لصالح وكالات تخصه من ايران تتعلق بالدواء والسلع، وهو قادر على التضحية بمتمولين ورؤوس كبيرة وتقديم هؤلاء كأضاحي امام الرأي العام شرط الإبقاء على قوة المنظومة لتستطيع فرض أجندتها على الغرب.

من حاور الاميركي اليوم خرج بالانطباع البراغماتي الذي يسلم بواقعية حزب الله وباستبعاد الصدام المباشر معه، لأنه سيكون مكلفاً ككلفة الحرب على طالبان في افغانستان، وبالتالي فان الافضل بالنسبة لواشنطن هو التأقلم مع هذا الواقع الى حين انضاج قوة تغيير جدية تواجه الحزب، وهنا يظهر الاميركيون خيبتهم من قوى ومجموعات الثورة التي تم دعمها طوال سنوات، ويؤكد المسؤولون الذين التقوا شخصيات معارضة للحزب، أن

التقارير التي وصلتهم عبر جمعياتهم ومخبريهم على الارض واضحة من ناحية التماسك الكبير للقوى الحزبية وقدرتها على تجيير الشارع وتنظيمه، لا سيما حزب الله الذي يعد الاكبر من حيث العدد والنوعية والقدرة على استنفار الشارع وتمدده في مناطق كانت تابعة لجهات مناهضة له، في المقابل لم تستطع القوى الثورية التي تريد "رأس حزب الله" اظهار جدية على مستوى المواجهة، رغم انفاق الادارة الاميركية ملايين الدولارات عليها من دون أن تقدم اي مشروع جدي ينافس قوة الاحزاب.