hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

يا زعماء السياسات المستوردة: أيّ لبنان تريدون؟

الإثنين ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢١ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هناك شعور عارم بالمساواة بين الأفرقاء في لبنان. وعندما تلوح المساواة بين الأفراد والجماعات وحتّى بين الدول، تقوى مشاعر التنافر والتغاير وتتراكم الأحقاد عبر اللمح والخطب المشحونة بالكراهية والخروج من المقولة التاريخية " لا غالب ولا مغلوب" إلى رغبة السلطة والسيطرة ومشقّة العبور الى الغلبة. غالباً ما يورث هذا الشعور تبادل التحقير والقهر والإيذاء وحتّى الحروب بقصد القتل والإلغاء، وخصوصاً عندما لا يلمس أحد المتساويين فضائل العدالة والإنصاف في تساويهما. فرضت هذه المقدّمة تداعيات الأحداث الدموية الخطيرة التي أرعبت اللبنانيين بين أحياء الطيونة وعين الرمانة، لتُعيدهم إلى بدايات حرب ال1975 الأهليّة التي انتهت مع اتّفاق الطائف في ال1991.

لا يمكن نسيان ال1991 المدموغ ب 3 غرائب وعجائب:

1- تعيين نواب برلمان ال1972 الباقين يومها على قيد الحياة بعد عودتهم من الطائف، نوّاباً ملأوا المقاعد الشاغرة من دون انتخابات برلمانية في البلد المتشاوف بنظامه الديمقراطي. لقد اتّسمت تصريحاتهم يومذاك بزهو تحقيقهم آليات الشعور بالعدالة والمساواة الإنتقالية بين دستور وآخر، إلى محو مشاعر الغبن والتسلّط والحرمان المُزمنة بين الطوائف والمذاهب في حكم لبنان.

2- إصدار البرلمان الجديد قانون العفو العام في لبنان (رقم 84/91 تاريخ 26/8/1991) عن كلّ الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية معفياً أمراء الميليشيات الذين هم أنفسهم تسلموا مقاليد السلطة في لبنان ، وعاثوا فساداً ونهباً بالدولة ليطلق الرئيس الياس الهراوي آنذاك على الجمهورية تسمية "البقرة الحلوب". اتّخذت الدولة الجديدة العميقة بسرعة سيطرة زعماء الميليشيات الذين بدّلوا ثيابهم العسكرية بعد شطبهم للجرائم والفساد الذي أذهل اللبنانيين خلال 18 سنة وما زال. الأمر نفسه حصل بعد الانفجار الأهلي في ربيع ال1985 إذ صدر أوّل قانون مماثل عن الجرائم المرتكبة حتّى 15/10/1958، وصدر قانون العفو الثاني عن الجرائم التي حصلت أثر حرب حزيران 1967 حتى قبل 1/1/1968 .

3- سألت رئيس الوزراء في حكومة الطائف الأولى، بصفتي عضو مجلس إدارة تلفزيون لبنان الرسمي مكلّف بشؤون البرمجة والإنتاج، عن توجيهاته بالنسبة لتراتبية نشرات الأخبار، وجاءني الجواب أنّ الوزراء فئتان: الأولى مميّزة ممثّلة بالذين خرجوا من المتاريس إذ تتقدّم أخبارهم وأنشطتهم على الفئة الثانية أي الشخصيات التقليدية. صعقني الجواب طالباً التوضيح، فقال بأنّهم سيسقطون حتماً وسينبذهم المشاهدون بعد انخراطهم في الدولة. لم يقنعني الجواب الذي احترمناه لماماً، فصاروا هم الدولة بقضها وقضيضها. واستمرّت الإنقسامات وفصول الفساد والمحاصصات، وفشلت محاولات الجمع عبر طاولات الحوار. لم يتصالح اللبنانيون مع ماضيهم كمسار أساس لوعي الحاضر وبناء المستقبل. لم تُرصد حقائق تاريخية جديرة بنقل المجتمعات المتنافرة من مجتمع أكلته الحروب والمآسي إلى آخرى مُهيّأة للسلام والتلاقي. بقي الشعور الجميع بالمساواة والإختلاف في كلّ شيء مذهبياً حتى الخبث والكيد في تسمية الشهداء.

تابع العالم، باهتمام وتدقيق ما حصل قرب قصر العدل والمطالبة بتنحي القاضي الناظر بملف تفجير المرفأ الذي يبيض تفجيرات. سآخذ مثلاً وحيداً لردود أفعالٍ سيّدات شهيرات نشرن صورهن شبه عاريات وتعليقات تفيد بأنّ هذا هو لبنان الحقيقي الحر الديمقراطي الغربي. لن تُردم تلك الفجوات بين عادات الشعوب وثقافاتها في لبنان، لكنّ للمساواة عناصرها القوية في عصر الفضاء؟

أودّ النفاذ من مظاهر التغاير المُبالغ فيها بين الفئات اللبنانية إلى المُغالاة المُزعجة في التعليقات والكلام الفارغ الذي لا يضيف شيئاً إلى هدوء المواقد والمواقع.

لماذا؟ لأن لبنان الحاضر الذي يُروّج له، بصفته المجتمع النادر في تآلف كياناته وثقافاته ودياناته وعقائده المتنوّعة، وهو ما زال ساقطاً حتّى عبر الكلام والصور التوصيفية الشعبية القاسية والمستفزّة. خلعت الأحاديث والتقييمات المكبوتة أقنعتها وصارت تجاهر مّعلنة عبر الكلام العام الذي يمكن اختصاره:

"نحن وهم" أو "نحن غيرهم وهم غيرنا" ثمّ "أنا وهو" أو "أنا وهي" وهكذا تمتدّ المسافات المكدّسة بالأحداث والحروب والإنقسامات والكراهية لتجعل من الوطن اللبناني الصغير سؤآلاً دائماً مزعجاً: أيّ لبنانٍ نريد؟ بالله عليكم: أيّ لبنانٍ تريدون؟ سؤآل لا جواب له.

ويبقى الوطن كأنّه حلقة ذهبية معلّقة بأنفٍ أو برمش عين امرأة أو رجلٍ لا يتمايزان تبعاً للموضة التي لا تُزعج لكنّها توصف بال"المستوردة" لأُجازف مسميّاً لبنان مجدّداً ب"الوطن المستورد" الذي أضاع جذوره بين شرق وغرب ولو أنها فاعلة ومرغوبة وممتدة في الأرجاء. ولهذا أيضاً سيبقى المواطن خائفاً محدّقاً في وجه الموت، لا يعنيه إن واجهه بلغة البشر أم بلغة الكائنات المفترسة وكلاهما متساويان.

  • شارك الخبر