hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور شادي نهرا

هل تُهدِي أميركا أوكرانيا لِروسيا كما أهدَتها سابقاً سورية؟ (1)

الجمعة ١٩ آب ٢٠٢٢ - 00:01

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إستمع للخبر


استهلّ "Tim Marshall" كتابه "Prisoners of Geography" بالقول إن الرئيس بوتين رجل متديّن، فإذا كان حقاً ذلك، استجاب الله وأنشئ له جبال شاهقة في شرق أوكرانيا، لأنه لا يوجد موانع طبيعية في هذه المنطقة، فإن أي عدوّ لروسيا يمكن أن يصل إلى موسكو بدون أي عوائق جغرافية تُذكر. لأن هذه المنطقة واقعة على ما يسمى بمنطقة السهل الأوروبي أو الـ corridor الذي يبدأ ضيّقاً عند بولندا، حيث يوجد عن يمينه الجبال وعن يساره البحر، إلا أن هذا الـcorridor يصبح واسع جداً كلما اقتربت من روسيا وبالتالي يصعب حمايته من روسيا، لذلك على ممر التاريخ حاول القادة الروس حماية هذا الـ corridor من النقطة الضيّقة أي عند بداياته في بولندا وأوكرانيا ...
ولطالما كانت الحدود الأوكرانية هاجس أمن مهم جداً للروس، بغض النظر انتماء أوكرانيا للناتو أو لا، أما انتماؤها للناتو فيزيدها خطورة، فروسيا لا تريد تكرار خطأ ال-2004 حيث نجح الناتو في ضمّ دول البلطيق الثلاث: أستونيا، لتوانيا، لادفيا.

مع وصول بايدن للرئاسة، بدأت الحكومة في كييف، بتشجيع أميركي ومن الغرب، في محاولة تقليص النفوذ الروسي بضرب الأحزاب ووسائل الإعلام وملاحقة القوى الموالية للروس وبدء حملة للانضمام للناتو وحملة لإعادة النظر في ضم روسيا للقرم والاستعداد لشن عمليات عسكرية لاستعادة سيطرت أوكرانيا على أقاليمها التي سيطر عليها الانفصاليون الموالين للروس وفقاً لاتفاقية مينسك التي من أبرز بنودها ضرورة إقرار كييف بحق إقليم دونباس في الحكم الذاتي، وقد أبدت حكومة كييف موافقة مبدئيّة لكنه لم يُنفَّذ على مدى 8 سنوات، فقد نجح فقط في تهدئة الأجواء والحرب التي حصدت 14 ألف قتيل في 2014 لكنه لم يحلّ المشكلة لأن كييف وقّعت على الاتفاقيّة تحت ضغط الهزيمة العسكرية، وأن هذا الاتفاق سوف يقضي على أحلامها بالانضمام إلى الإتحاد الأوروبي والناتو .
وبدأ يلعب دوراً فاعلاً في سياسات معادية لروسيا كوقف إتمام خط غاز Nord stream 2 الذي يحرم أوكرانيا من الغاز الروسي الذي يمرّ عبر اراضيها ، وقد بدأت أوكرانيا بالتسلّح بأسلحة متطورة استعدادا لهجوم روسي ولاستعادة شرق أوكرانيا، و بدأ الانقلاب على مينسك بتشجيع من الغرب وزيلينسكي حينها قرر الرئيس بوتين إقامة فدراليّة مكوّنة من اقاليم تُعبّر عن المصالح الروسية وعدم تنفيذ مينسك، فبدأ بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك لأن ذلك يعطيه شرعيّة التدخّل العسكري في شرق أوكرانيا بعد توقيع اتفاقيات تعاون عسكري مع روسيا وطلب دعم روسي في مواجهة الجيش الأوكراني.
وقد صرح الرئيس بوتين أن الأهداف الأساسية هي حماية 3.5 مليون شخص من الذين تعرّضوا على مدى 8 سنوات لسوء المعاملة والإبادة الجماعيّة من قبل نظام كييف، أما الهدف الثاني نزع السلاح ومنع التعصّب القومي الأوكراني الذي يعادي المصالح الروسية. إلا أن ال CNN نشرت خبر مفاده أن روسيا بعثت بفرق تخريبية داخل أوكرانيا مزودة بأسلحة خفيفة ومفرقعات للقيام بأعمال شغب أو ما يعرف ب false flag، تلك العمليّات تستند عليها القوات الروسية لاجتياح أوكرانيا وقد علّق على هذا الخبر New York times و -wall street journal حيث أكدت new York times أن هذا الخبر مصدره ال-CIA وأنهم اعترضوا مكالمات هاتفية وتتبعوا أشخاص أكّدت هذه المعلومات، وقد نفت روسيا هذه الأخبار واعتبرتها ملفَّقة.
تاريخ الأزمة:
كتب الرئيس بوتين مقال في July 2021أن قيام حكومة معادية لموسكو في أوكرانيا ستكون بمثابة دمار شامل للروس وأن روسيا وأوكرانيا كانتا بلد وشعب واحد، إشارة إلى دولة kievan-rous التي قامت في القرن التاسع ميلادي واستمرّت مئات السنين ومنها انبثقت روسيا - أوكرانيا وبلاروسيا.
أما الأزمة الحالية فلها تاريخ طويل:
في 1989 سقط حائط برلين الذي بُنِيَ في 1961 وكان انهيار هذا الحائط مقدمة لانهيار الإتحاد السوفيتي حيث بدأت المفاوضات بقيادة غورباتشوف وجورج بوش على إعادة توحيد ألمانيا. وفي هذه المفاوضات يؤكِّد الروس أنهم خدعوا لأن أميركا وعدت الروس إذا وافقوا على توحيد ألمانيا تحت مظلة الناتو بأن الناتو لن يتقدّم شبرا واحداً إلى الشرق أو أوروبا الشرقية. صَدَّق السوفييت ذلك لكن الغرب حنث بوعوده وبدأ يتمدَّد على كامل المسافة بين ألمانيا وروسيا وضمَّ الكثير من الدّول ، ففي عام 1989 كانت أقرب القواعد العسكرية للناتو تبعد عن Petersburg ، أقرب المدن الروسية إلى الغرب، ٨٠٠ ميل, أما الأن أصبحت الصواريخ الموجودة في أستونيا مثلاً على بعد ٩٠ ميل من Petersburg، ولم يكتفي الغرب من ذلك انّما قرّر أن يضمّ أوكرانيا والبوسنة والهرسك وجورجيا ،بالرّغم من أن أوكرانيا وجورجيا لا تستوفيان شروط الانضمام، أي أن تكون دولة دمقراطية وقانون وتداول سلطة ويكون الجيش خاضع للإدارة المدنية ولا يكون أي جزء محتلّ منها . فقد دعا جورج بوش أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الناتو في ٢٠٠٨! في ال-٢٠٠٤ لم يكن الروس أقوياء لمنع ضمّ دول البلطيق الثلاث إلى الحلف، أما في ٢٠٠٨ فقد أصبحت روسيا أقوى وقام الرئيس بوتين بغزو جورجيا في حرب الأيام الخمس حيث كان النظام موال للغرب واستغلّ بوتين الخلاف بين الحكومة واقليمين استيتيا الجنوبية وابخازيا اللذين كانا راغبين في الانفصال، وأعلنهما دولتين مستقلتين قاطعاً بذلك الطريق على جورجيا للانضمام للناتو.
تجددت المشكلة في أوكرانيا في ٢٠١٣-٢٠١٤ إثر أزمة اقتصادية، حيث فضّل الرئيس الموالي لروسيا المساعدات الروسية على مساعدات من الإتحاد الأوروبي لذلك اُطِيح به وفرّ لروسيا. وقد هندَسَت أميركا هذا الانقلاب من ثم قام الرئيس بوتين بضمّ القرم إثر استفتاء ودعم الانفصاليين في دونباس وأعلنهما جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا.
أما مطالب روسيا في المفاوضات بينها وبين وأميركا قبل دخول روسيا لأوكرانيا فتَلخَّصت:
1-أن يتعهّد الناتو كتابيّاً بعدم ضم أي دول جديدة على الحدود الروسية.
2-يتوقّف الناتو عن نشر اسلحته في الدول المجاورة لروسيا من ألمانيا إلى روسيا.
3-يتوقّف الحلف عن القيام بمناورات عسكرية على أراضي هذه الدول من ألمانيا إلى روسيا.
اعتبر الغرب أن المطالب تعجيزيّة لأن ذلك يعطي روسيا حق الفيتو على الدول التي تريد الانضمام للناتو. فالحلف معاد لروسيا فكيف يكون لها حقّ الفيتو! مطالب روسيا يعني منحها منطقة عازلة ونفوذ على كامل الدول التي كانت واقعة في الإتحاد السوفييتي أي إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ١٩٩٠. واعتبر الغرب أن سياسة الاسترضاء يمكن أن تؤدي إلى ما أدى إليه الوضع مع هتلر في الثلاثينات من القرن الماضي حين احتلّ بعض الدول الأوروبيّة ممّا شجّعه على المزيد. أضف إلى أن الصين التي تراقب ردّ فعل الغرب، فإذا وجدت أن رد الفعل بسيط فإن ذلك سوف يُشجِّعها على ضمّ تايوان بالقوّة وذلك سوف يغيّر موازين القوى لصالح روسيا والصين على حساب أميركا.
رفض الغرب المطالب الروسية لكنّه قال إنه مستعد للقيام بإجراءات بناء الثقة وتفاوض لخفض التسلّح في اوروبا، فرَدّ لافروف أن مطالب الروس هي حزمة واحدة وهدّدوا أن الصراع لن يكون فقط في أوروبا بل أيضاً في جوار أميركا كفنزويلا وكوبا، كما تريد أميركا الإتيان بأسلحتها بجوار روسيا كذلك ستفعل روسيا. فرَدّ الغرب مهدّدين روسيا بعقوبات اقتصادية غير مسبوقة ومد الأوكران بأسلحة هجوميّة، وبات الجميع في مأزق، بالنسبة للروس، غزو أوكرانيا سوف يكون مكلفاً على كل الصعد لكن مهما كانت الخسائر لن تقارن بضم أوكرانيا للناتو.

يتبع..

  • شارك الخبر