hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

معايدة بدموع المسيح بحثاً عن المذود

الإثنين ٦ كانون الأول ٢٠٢١ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"يبكي المسيح قبل ولادته ال2022 في المذود البارد على شعب لبنان". قالت لي روح أمّي في حضن السنديان. نعم السنديان العتيق متلقّفاً آلاف الفقراء والجائعين والموتى والحزانى والشهداء في جنّةٍ وعرة كان اسمها لبنان.

إمسحي دموعه لأنني أبشّرك يا أمّي بثلاثة بشائر:

1- صار لدينا دعايات على الإذاعات والتلفزيونات لكنني لم أسمعها لأنّ لا كهرباء في بيتنا. أخبرني جاري وهو أحد أقرباء وزر أو وزير أو سائقه لا أعرف. هو لديه كهرباء. دعايات للسندويشات في لبنان "الميديا ستيت" وبقلب كل سندويش نصف كيلو لحمة تقريباً كما قال، وبطاطا وخردل وخضرة "بس" ب ١٨ الف ليرة ، يا بلاش! يعني صرنا شعب عم ناكل بعضنا البعض....ونشبع وقاعدين ناطرين الثورة والشحاذة والإنتخابات يا أمي. ما في أحلى من هيك.

2- اليوم استقال جورج قرداحي الشاب الأسمر الحلو تبع :من يربح المليون؟ وكان اليوم رئيس فرنسا بالخليج عم يفتح بواب مقفلة بوجهنا وكان أتى ع لبنان مرتين ما بيحلم سوى بلبنان. ليل نهار مشغول فينا وأتى بعده وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان وترك بلا نتيجة. تذكرتِ باريس مربط خيلنا لمن أتيت لعندي؟ جمعهم في قصر الصنوبر كل ممثلي الثورة في لبنان وخرجوا كلهم بعد اللقاء بمواكب سيارات ضخمة سوداء معتّمة ولامعة ما قدرنا نميز الفرنساوي من اللبناني. ماتت الثورة وعاشت الثورة المضادة يا أمّي والبشر تعبوا وهم يعدوّن الثوار بالسين وما عم يقدروا يلفظوا حرف الثاء. صعب هالحرف وسئيل ومش موجود عند الفرنسيين.

3- طلع وزير الكهرباء البارحة عم يضحك. بحب الضحك والسعادة رفيقته. ما لحّقت أكنتب لك إسمو، وطمأننا أننا عائدون إلى العتمة الشاملة، لكن نحن عائدون نركّب بطّاريات بكل غرفة ونشحنها بالصراخ وبتصير اللمبات البيضاء معلّقة مثل المجانين فوق كل باب. بتتذكّري العتمة قبل ما تتطلع روحك ع السماء. لبنان صار قاعد بعتمة القبر لا جسداً له ولا روح.

نعم يا أمي. الألسنة والحكي الفاضي تدور مثل الدواليب في بلادنا وهي أقوى من الأرض والشرف والتغيير والثورة ومطاحن الزيتون بالكفير. ألسنة ترغي في حقول اللغات والسفارات وأمام المبعوثين في العالم لكنّها ألسنة بحاجةٍ لمن يبريها لتُصقل بشكل اليراع أعني القلم الحادّ أو السبابة أو السيف أو البندقية كي يفهم الناس ويهبّون في وجوه حفنة الهولاكيين.

الحبر مجاري لمياه الحريّة في الحضارة كنت تكرّريها، لكن الكتابة صارت تافهة في ولادات النصوص اللبنانية وتواريخها ونظافتها وثوراتها وعشقها للقشور والمستنقعات الفاسدة قولاً وكتابةً وممارسة لا تنسف المتسلّطين منذ ما قبل الميلاد،. نحن نتمتم ونهدل مثل ذكور الحمام الجائع في الطرقات وفوق الشرفات وكأنّنا أقرب إلى حضارة الكائنات غير المفهومة. ندوخ ونتقيّأ ونهذي فور صعودنا إلى منبر أو شاشة بانتظار "البونس" أو المغلّف .

في البدء كانت الكلمة، قال المسيح (السلام على إسمو دعيه يقرأمن مذوده الفلسطيني ...إلى لبنان).

أجابت: هو يذرف دموعه اليوم وكلّ يوم على لبنان واللبنانيين وسياسييهم. بلا القراءة إذن. ماذا تقولين؟ فاضت دموع المسيح بنهر الأردن الذي غُطّس وتعمّد فيه حزناً على بؤس أنسبائه وممثّليه وأبنائه والسلاطين باسمه.

كان المسيح يودّ القول: في البدء كان الإنسان المُعدم الفقير الهائم فوق وجه لبنان، لكنه رأى الكلمة تتجرجر فوق ألسنتهم خلفه في أرض النبؤآت والمعجزات خائبةً مذلولةً فوق بيادر الأبد... كان لا بدّ له من تهديم الهياكل

فوق رؤوسهم بالسوط والصوت. انتهى الإيمان بلبنان يا امي. الدولار الدولار هو السيد الطالع النازل على الأدراج والكرامات.

لقد فلتت كلمته صديقك يسوع، وطارت حرّة، وهي تُباع في الزوايا والكنائس ثياباً مزركشة وقبباً مذهبة وسلطات منهكة، وماذا بوسعه أن يفعل بعدما التهمنا هولاكو وأولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده، وصرنا نرعى مثل قطعان الماعز لبنان الأخضر الجميل ونحرق غاباته ليبقَ لبنان المحروق منذ دهر الداهرين الى أبد الأبدين.

وتصرخ أمّي من قبرها السماوي:

انتبه لحالك يا نسيم. "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك" و "المرء بأصغريه قلبه ولسانه".

لكِ الحق لكنني هاجرت إلى باريس ولندن .ليتني/ليتنا نلحق بكِ أفضل من أن أنقل لك ألوف المشاهد الإنحطاطية التي تكدست في لبنان.

لك الحق. كم غاب بشر بسبب ألسنتهم ؟ وكم انزلق رجال ونساء فوق ريق ألسنتهم نحو حبال المشانق؟ وما زال الخراب مذ غادرت هو الحاكم بأمر السماء والبحر والبر.

  • شارك الخبر