hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - خريستو المرّ

مستقبل البلاد: أين صوت المنظّمات الشبابيّة المسيحيّة؟

الثلاثاء ٢٣ تموز ٢٠١٩ - 06:28

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كل مجتمع مؤلف من سلطة حاكمة ومن محكومين، فإذا كان تغيير الوضع القائم من أجل خدمة الأكثرية المحرومة لا يتمّ إلا بواسطة العمل السياسي، فالإنسان المسيحيّ المؤمن والمنطقي يجب أن يلتزم بالتغيير السياسي لأن إيمانه يدعوه إلى إزالة الظلم الواقع على أي إنسان"(المطران غريغوار حدّاد). في نهاية الستّينات اجتمعت منظّمات شبابيّة ورهبان وراهبات موارنة في دير يسوع الملك بحضور ممثّلين لمنظّمات شبابيّة أرثوذكسيّة، وأطلقوا صرخة من أجل إنهاء "الكنسية – المعقل" والتزام المسيحيّين لقضايا المنطقة العربيّة. ذاك الفجر لم يتسنّ له أن يكتمل صباحاً. أتت الحرب وقادت العنصريّة والطائفيّة جماعات هائلة من المسيحيّين من الطوائف جميعا إلى مواقف أكثر فأكثر خيانة للمسيح، كان أقصاها ارتكاب المجازر وتخلّلها تذابح "أخويّ".
اليوم لربّما كانت الطائفيّة والعنصريّة أكثر عمقاً من قبل، ويشترك بها جماعات كبيرة من اللبنانيّين والسوريّين من الطوائف جميعا، رغم نكرانهم والتكاذب اليوميّ حول التعايش في ظلّ بلاد تعاني أزمات حادّة على أكثر من صعيد. ما هو موقف المنظّمات الشبابيّة المسيحيّة من الحروب ومن الطائفيّة ومن الخيارات السياسيّة؟
عندما دعا فيليبّس أحد تلاميذ يسوع نثنائيل لاتّباع يسوع وشكّك ذاك الأخير بأن يخرج شيء صالح من الناصرة، أجابه فيليبّس "تعال وانظر" لتؤمن. لا شكّ أنّه في الحقل الخاص، يمكن للكثير من المسيحيّين أن يعكسوا نور المسيح وأن يرى بواسطتهم الناس وجه يسوع. لكن في الحقل العام هذه الشهادة ليسوع غائبة بشكل شبه كلّي، فالحقل العام متروك لمستغلّين ممّن تسمّوا على اسم المسيح وعملوا كلّ ما يخالفه، ومتروك لأناس حولهم لا حساب فعليّ لهم في أحزابهم. في الحقل العام يرى المجتمع سياسيّين تسمّوا باسم المسيح بينما هم سعاة تسلّط ينهبون البلاد، ويعمّقون الطائفيّة، وينطقون بخطابات ويرسمون سياسات عنصريّة دون أن يرفّ له جفن. في الحقل العام، لا يمكن لإنسان ان يقول لآخر "تعال وانظر".
ماذا عن المنظّمات الشبابيّة في الكنائس؟ ما دورها الآن؟ ألا يمكن أن تلعب دوراً جامعاً ومحفّزاً للتفكير والعمل الوطنيّ؟ ألا يمكنها على الأقلّ أن تطلق صرخة نبويّة، على غرار نداء لقاء دير "يسوع الملك"، تدين هذا النظام بالذات وتسمّي الأشياء بأسمائها من منطلق مخلص للإنجيل؟ تنهار البلاد ولا تنبسّ الحركات الشبابيّة بكلمة؛ حتّى داخل الكنيسة تأتي الأزمات ولا تتّخذ موقفًا علنيّا صارمًا. شتّان بين هذا الخضوع للأحداث وبين الجدّة والتوثّب والثقة التي كانت في نهاية الستّينات.
هل دّجن السياسيّون الطائفيّون ورجال الدين المستفيدين منهم، الحركاتَ الشبابيّة، أم أنّ هذه الحركات لم تعد ترى دورا لها في الشأن العام؟ أم أنّ الشباب أعلنوا يأسهم في الشأن العام؟ التدجين لا يحصل فجأة، التدجين مسار طويل من "المطواعيّة" وإيجاد المبرّرات في "الظروف الحسّاسة"، التدجين مسار طويل من "التواضع" الخالي من الشجاعة. واليأس مسار طويل من الصمت، والاستكانة، والانسحاب.
هناك أسباب عديدة للصمت الحاليّ، والأسباب تختلف بين سوريّا ولبنان، ولكنّها تستدعي حركة وأبحاثا ومؤتمرات. في البلدين، معظم الشباب المسيحيّ الملتزم سياسيًّا عملاً أو تأييدًا منغمس في الطائفيّة حتّى النخاع، ومعظم الشباب المنسحب من الشأن العام طائفيّ أيضًا ولكنّه إمّا يلهث خلف لقمة العيش، أو منطوٍ على تسلياته الخاصة، أو منطوٍ على "القضايا الكنسيّة" (كأنّ الشأن العام ليس قضيّة كنسيّة!). إلاّ أنّ هناك توقًا واضحًا لخوض والتزام الشأن العام بشكل شريف لا طائفيّ؛ في لبنان ظهر ذلك جليّا خلال الانتخابات النيابيّة، وأيضًا من خلال المشاركة الكثيفة للناس بالتظاهرات التي انطلقت مع تفاقم أزمة الخدمات العامّة. المشكلة هي في عدم وجود إطار واضح للعمل العام الفاعل واللاطائفيّ المستمرّ.
من أجل كلّ هذا، هناك ضرورة للتخطيط لمؤتمرات للمنظّمات الشبابيّة المسيحيّة وذلك لنقد التصرّفات الطائفيّة للكثير من أعضائها خلال الانتخابات، ولدراسة الموقف الإنجيلي من الشأن العام في الواقع، وللبدء بمسار متصاعد يعيد للعمل العام وللالتزام به أهمّيته، كترجمة للإيمان بيسوع المسيح الذي أتى من أجل حياة العالم. هناك ضرورة ماسّة لإعادة الاعتبار لالتزام العمل العام بطريقة منسجمة مع الإيمان، وبالطبع العمل العام لا يقوم به المسيحيّون والمسيحيّات بشكل منغلق متقوقع طائفيّ كما يجري اليوم، وإنّما العمل العام المسيحيّ بالفعل هو ذاك الذي يستلهم فيه المسيحيّون والمسيحيّات إيمانهم للعمل مع كافة المواطنين من الفلسفات والأديان جميعا لتحقيق أهداف خدمة الحياة والفقراء والمهمّشين من خلال سياسات وأنظمة.
في البدء كان الكلمة، والكلمة صار إنسانًا وفِعلاً في العالم. المطلوب مسيحيّة فاعلة تنقذ العالم، لكنّ المسيحيّة كفعل ينقذ العالم غائبة عن الحقل العام، في لبنان بدأت بوادرها في نهاية الستّينات ودفنتها الحرب الأهليّة، حتّى الآن. هل تقوم من هذا الموت؟

  • شارك الخبر