hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - سمر فضول

مجتمع "الميم عين" لم يسلم من الأزمة الصحية.. فقدان أدوية وندرة أطباء!

الجمعة ١٦ أيلول ٢٠٢٢ - 06:26

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مجتمع "الميم عين" لم يسلم من الأزمة الصحية.. فقدان أدوية وندرة أطباء!

هربا من خطر الموت المحتم، عبرت العابرة الجنسية تيما (اسم مستعار) الحدود السورية – اللّبنانية حاملة بيدها بارقة أمل تساعدها على اجتياز معابر التقاليد والأعراف المجتمعية التي تجلد روحها وتُخون جسدها.. جاءت تيما الى لبنان، جسر عبورها الى العالم الخارجي، الذي يتطلع اليها بصفتها الانسانية لا هويتها الجنسية..
لجأت المرأة الى مكاتب "مفوضية الامم"، نافذتها الوحيدة لكسر تلك النمطية السائدة والابحار نحو مجتمع يتطلع اليها كانسان ولا يبحث كما مجتمعاتنا في تفاصيل الجسد.
باغتت "كورونا" تيما، فحجزتها في لبنان، الذي حرمت فيه من حقّ الوصول الى علبة دواء، فلم تتلق اللّقاح الا بعد أكثر من سنة على بداية الجائحة، حتى إنها لم تتمكن لدى إصابتها بالفيروس من تلقي العلاج المطلوب نظرا لتفوق سعر الدواء على قدراتها الماديّة.
الكورونا، ومن خلفها الازمة الاقتصادية، فالرابع من آب.. في هذا اليوم المشؤوم، أصيبت تيما بجروح بالغة، نظرا لقرب مكان سكنها من مكان مرفأ بيروت.. الخوف أبعد تيما عن أبواب المستشفيات، وحملها الى صديقة تدرس مهنة التمريض، داوت لها جراحها بـ "عدة الخياطة"، فضّلت تيما تحمّل الألم، وتبعات بقاء جروح الجسد هذه مدموغة مدى الحياة على التعرّض لأي نوع من الخطر أو التنمّر في حال التقطت لها صورا ونشرت على مواقع التواصل الإجتماعي ما قد يعمّق جراحها النفسيّة فيزيد الألم ألما القهر قهرا، ويترك في روحها جروحا لا تشفى او قد تصل بها الى الموت المحتم في ظل مجتمع ما زال يرفض تقبل الإختلاف خصوصا لدى اواصر القربى.

صعوبات اقتصادية
تيما حالة من آلاف حالات مجتمع "الميم عين" الذي يُعاني من تهميش الرأي العام لقضيته وهمومه الصحيّة والطبيّة، وانخرطت الدولة في سياسة الاهمال واللامبالاة في مقاربة واقع هذا المجتمع المرير في الجسد والنفس خصوصا مع انهيار "القطاع الصحيّ" في لبنان، وفقدان الدواء من الاسواق.
من هنا، فإنّ مجتمع "الميم عين" بات يواجه صعوبات تفوق حجم محاولاته في تأمين الدواء الضروري من هرمونات وغيرها قد تصيبه بمضاعفات خطيرة.
وفي جولة على بعض أفراد هذه الفئة من المجتمع، يمكن ملاحظة مدى المأساة التي تعيشها، خصوصا من الناحية الطبية والصحية.
حال هالا (اسم مستعار) لا يختلف عن ما تعانيه تيما، اذ تواجه هي الأخرى، صعوبة بالحصول على "الهورمونات"، الدواء الأساسيّ والضروريّ لها، فالتخلف عن أخذ الهورمونات له تأثيرات سلبية على علاج تغيير الجنس.
وتشير هالا الى مصدرين للهورمونات أوّلهما أوكرانيا والتي أدّت تبعات الحرب الدائرة فيها الى توقّف التصدير نحو لبنان، نتج عن ذلك نقص حاد في الأسواق اللّبنانيّة، والمصدر الثاني فرنسا التي لا تغطّي حاجات السوق كاملا وأسعار الأدوية المستوردة منها باهظة الثمن.

الدواء.. مأساة
غلاء الدواء وانقطاعه يقابله أزمة إقتصادية يعانيها مجتمع العين، فتُحدّثنا هالا عن صعوبات جمّة تعترض مجتمعها لتأمين فرص العمل في لبنان" قبل الازمة وبعدها"، وتساهم القوانين الموضوعة بتهميشهم على عكس القوانين الموضوعة في المجتمعات الغربية، فالقوانين هنا تدين هذه الفئة وتعريها من أبسط حقوقها، وتُشكل تلك القوانين ملاذا آمنا لأصحاب العمل والشركات للتذرع بها ورفض توظيفهم واستغلال طاقاته الانتاجية.
وهنا تتحدث هالا عن معاناتها في سوق العمل، فالمرأة الحاصلة على دراسات عليا في إدارة الأعمال سرعان ما يتم طردها من الشركة أو المعمل حيث تأتي الموافقة على توظيفها في مدّة أقصاها ثلاثة أشهر، وتحديدا عندما يُطلب منها ابراز أوراقها الثبوتية، عندها يؤكّد لها أصحاب العمل أنّ قوانين الشركة لا تسمح بإستقدامها، فمظهرها الخارجي لا يتوافق مع أوراقها الثبوتية، هذا في الحدّ الأدنى فيما يسألها آخرون عن سبب تقديمها لهوية شقيقها وهنا يُفتح باب التنمّر على مصراعيه...
صعوبات كثيرة تعترض هذه الفئة وتساهم قوانين الدولة بتهميشها وابقائها تحت خط الفقر وتدفعها الى البحث الدائم عن دواء لجسدها ورعاية لروحها التي تُراكم الاحباط ولكنها ترفض الاستسلام، وخير مثال على ذلك مقاومة يسرى (اسم مستعار) لكل الصعوبات التي تواجهها للحصول على الطبابة حيث يتجنب عدد كبير من الأطباء إعطاءها أيّ وصفة طبيّة، فيما يرفض آخرون مجرد فكرة استقبال أي حالة تشبه يسرى في العيادات الطبية ليؤكد الطبيب رضوخه لتقاليد مجتمعه.
يسرى، تُعاني اليوم من أزمة كبيرة لتأمين علاجها الاساسي والضروري وهو "الهرمونات" بعد فقدانه من السوق، وإن وجد فأسعاره شبه خيالية، فبعد ان كان سعره علبة الهورمون الواحد أقلّ من عشرة آلاف ليرة لبنانية تخطى اليوم سعرها الـ 200 ألف ليرة، فيما ارتفت أسعار بعض الهورمونات بنحو 200% ، على أنّ بعضها يُسعر بالدولار ويصل سعر العلبة الواحدة الى حوالى 15 دولار.
أمّا الحقن، فإن وجدت، فسعرها يتخطى الـ 50 دولارا للحقنة الواحدة.

الأمراض المزمنة.. وعلاجها
في أغلب الأحيان لا يعاني أفراد مجتمع الميم من مشاكل صحيّة تذكر، سوى تلك التي يعانيها أيّ فرد في المجتمع من آلام الرأس والظهر والأسنان وغيرها.. وكلّها باتت تحتاج الى حفنة من الدولارات لعلاجها وذلك بعد أن كان شراء أدوية الأوجاع والألم والفيتامينات يعدّ من الأساسيات في كلّ منزل ولكنها تحولت اليوم الى الدولار.
ومع ذلك، يعدّ أفراد مجتمع الميم عرضة لبعض الأمراض والتي تحتاج الى علاج طويل الأمد، وأبرز هذه الأمراض هي: فيروس الأيدز، الزهرى، الهربس البسيط النشط، السيلان، كابوسي الخبيث، سرطان الشرج.. وغيرها. (هذه الأمراض ليست محصورة فقط بمجتمع الميم، إنّما الكلّ معرض للإصابة بها أو بإحداها).
علاجات الأمراض المزمنة مدعومة من قبل وزارة الصحة والجمعيات، ويمكن الحصول عليها بشكل دوريّ. ورغم السريّة التي تحيط بأسماء المصابين بهذه الأمراض، الا أنّ صعوبة يجدها المصابون للتسجيل في تلك البرامج خوفا من فضح اسمائهم في المجتمع، أو لكونهم من غير اللّبنانيين ويحرمهم تاليا الاستفادة من هذه البرامج، فتبدأ رحلة البحث عن هذه العلاجات من خلف الحدود، أو لدى الجمعيات التي باتت هي أيضا تواجه صعوبة في الاستحصال عليها نظرا لندرة الاستيراد..
النقص لا يقتصر أيضا على الدواء، لا بل يطال ايضا الخدمات الطبيّة، لذلك تعمد بعض الجمعيات ومنها "lebmach" الى اعداد دليل بأسماء الأطباء الصديقة لمجتمع الميم عين، فيستعينون بهؤلاء لدى مواجهة أيّ طارئ صحيّ، بعيدا عن احاديث التنمر أو الخطوات المتصلة بالطرد، ويغطي هذا الدليل مختلف المناطق اللّبنانية.

الصّحة النفسيّة
العمل وعدم الحصول على الأدوية والطبابة ورفض المجتمع لهم، والطرد من المنزل، والتهديد بالقتل، العار، والقوانين.. كلّها عوامل تُرخي بثقلها على الصحة النفسيّة لهذه الفئة من المجتمع..
لكن رغم كل هذا الاحباط ثمة بارقة أمل تشع من نافذة "الحرمان"، وهي الجمعيات التي تولي أهمية كبيرة للصحة النفسيّة لهذه الفئة من المجتمع، فمن ضمن الخدمات المقدّمة لمجتمع الميم عين هي الخدمات النفسية، إن كان على صعيد الاستشارات أم على صعيد العلاج بالدواء ما يخفف عنه بعض الأعباء.
لكن، تجدر الإشارة الى أنّ بعض الجمعيات باشرت في الأشهر القليلة الماضية، بإقفال القسم المتخصص بالعلاج النفسي لديها، لاسباب مادية تعود الى قلّة التمويل وغلاء الأدوية وهجرة عدد كبير من الأطباء الى الخارج.
وبعيدا عن الجمعيات، يبقى الحصول على أدوية العلاج النفسيّ لمجتمع الميم عين من الصيدليات ليس بالامر السهل، وإن وُجدت فأسعارها باتت بالدولار.

حتىّ في ظلّ الانهيار شبه التام للقطاع الصحيّ، يبقى النظر الى الفئات الأضعف وضمنهم مجتمع "الميم عين" من الأولويات. من هنا يجدر أقلّه تأمين مستلزماتهم الطبيّة، فوافقتهم بسلوكهم أو رفضته، مجتمع الميم عين هم أٌناس لديهم كيانهم ومشاعرهم وصفاتهم وقدراتهم كأي فرد من أفراد هذا المجتمع.

• تم انتاج هذا التقرير بدعم من مؤسسة مهارات ومنظمة انترنيوز ضمن مشروع RIT

  • شارك الخبر