hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - جورج عبيد

ليلى صليبي داغر بسمة فجر

الخميس ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠ - 23:53

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا تستطيع التوغّل في هذه السيدة العريقة والأصيلة، إن لم يضء قلمك على مشتلها. ناسوتيّة الناس عند أهل الروح قد لا تكون جوهريّة في التقييم والإضاءة على مسرى الحياة، لكن متى عبّرت عن نجاوى إلهيّة سكيبة فليس زلفى أن تشيد بالمشتل العريق، وتطلّ منه إلى الينابيع لترتوي منها، لكون العلااقة تنبع من تربية وإخلاص ووفاء، ارتسم عند والدها الطيب الذكر الدكتور شاهين صليبي، الذي بذل نفسه في الطبّ، فتحوّل إلى مرجعيّة علميّة واجتماعيّة أضاءت من سوق الغرب على دنيا العرب.

شاهين، رحمه الله، المتأسس على الفكر الأنكلفونيّ، وقد درس الطبّ في الجامعة الأميركيّة في بيروت، له ابنتان وولدان، ليلى ومنى وسمير والشهيد منير. وقد جاهد لتكون عائلته على رقيّ علميّ كبير، فخلفه سمير في الطبّ ومنير قتل ثناء الأحداث المشؤومة فيما ليلى ومنى درستا في كليّة بيروت الجامعيّة فتفوقتا تفوّقًا كبيرًا وبالغًا.

ليلى صاحبة الوجه الباسم، والسيدة الراقية، علت اليوم إلى مجد ستكتشف من خلالها كم أن أمجاد الدنيا تافهة. في الأساس لم تألفها ولم تذقها، كانت تجيء من بهاء علويّ تدرّبت عليه وجعلت بيتها إناءً له. جلست سعيدة على آرائك الجمال المتألّق والمتيامن ما بين التاريخ والأدب والفكر، وبرعت بدورها كسيدة مجتمع ومحدّثة لبقة، وناصرت بقوّة القضيّة الفلسطينيّة حيث ساهمت في لبنان على مساعدة جميع الفقراء منهم. تعلمنا منها بأنّ العراقة تربية وبذل وتواضع وكرامة، والعراقة بدورها تأبى الاستكبار وتلفظه من جوفها، وتجعل العريقين أحبّاء لنا في القلب والعقل، فيكون مذاقهم كمذاق النبيذ المعتّق الطيّب.

من حظّي أنني عشت في تلك البيئة الحلوة والغنية بالفكر والمعرفة. فشاهين صليبي قريب جدّي لوالدتي، وصديق لجدّي لأبي وإخوته وبالتحديد حنّا ونقولا وجبرا ويوسف، ونقولا وجبرا ويوسف درسوا معه في الجامعة الأميركيّة في بيروت وهم أطبّاء مثله. وأذكره جيّدًا في طفولتي حين كنّا نزوره في منزله في رأس الجبل في سوق الغرب، وقد توفي في ثمانينات القرن المنصرم وحضرنا جنازته في كنيسة القديس ديمتريوس الأشرفيّة. وسمير ابنه كان صديقًا لوالدي وأعمامي، وليلى ومنى كانتا صديقتين لوالدتي وخالتي.

تألّق ليلى فريد من نوعه. يتجلى أمامك في الشكل والمضمون. استهوتها الكلمة فغاصت بها. جذبها تاريخ لبنان والمشرق فرأت مجتمع رأس بيروت نموذجيًّا فأرّخت له ضمن كتاب، ولم تنسَ سوق الغرب منبت الخير ومنارة الجبل وبلدة العلماء، وهي منهم. جمع بيتها النخب الراقية والرفيعة المستوى في الذوق والأخلاق، فجاءت اللقاءات في منزلها صوة عن البهاء اللبنانيّ الساطع. لم تتقوقع هذه السيدة في قوالب جامدة، لم تدمن على الطقوس الإيديولوجيّة. تعاطت مع الجميع من منطلق معرفتها لنفسها وبكبر رفيع ترجم أخلاقها الحلوة وثقافتها الغنيّة وحضورها المتألّق.

استذكار ليلى استذكار لحقبة بهيّة وغنيّة بالعلاقات العامة والتربية الراشدة والرشيدة. ستذكرها كبريات الجامعات في لبنان من أهمها الجامعة اللبنانيّة-الأميركية التي أمضت فيها جزءًا كبيرًا من عمرها، بالإضافة إلى الجامعة الأميركية في بيروت. سيتذكرها أهل تلك المنطقة العزيزة من وطننا، كركن كبير من عالمها. أذكرها مع منح الصلح والدكتور نقولا ربيز وابنته جانين، مع عمّي الدكتور سامي عبيد وغسان تويني. وفي سوق الغرب أذكرها بذوقها المرهف في منزلها ومع أهل البلدة وهم أهلها. شاركت في أحزانهم وأتراحهم. كانت مثالاً للعطاء المتدفّق والمتألّق، بكرم ورهافة وذوق وأناقة.

يا صديقة أهلي في مدى المحبة الطاهرة، لن ننسى إطلالتك وكنت فيها بسمة فجر. لن يغلب موتك فجر الحبّ المرتسم على محيّاك، والمكلّل جبينك به. من ولد من الفجر إليه يعود، نحن يا ليلى قياميون قبل الابتداء، والتراب ناهد لمعانقة الضياء. تجسد المسيح باح بالمعانقة وأباح بانوجادها، وقيامته وصعوده أظهر على كمالها وأبان جمالها، صار الملكوت بالمعانقة حقيقة لنا نصير إليه في لحظات الرضى.  هذا ذقته من تراث عريق عرفته مع أهلك واستكملته مع عائلتك فنشأوا على محبتك واحترامك وفهم رسالتك. مع رقادك، لن نقول بأنّ صفحة مشرقة قد طويت بل هي بداية مشدودة إلى ديمومة معانقة من نحبهم والمعانقة تعبير على الغلبة. ستبقين على بهائك الدائم الذي أحببناه. وإن تفرسنا في أيقونة المسيح من ميلاده إلى قيامته، سنراك متكئة على مجده هو، ومكللة بنوره هو. لا تنسي يا ليلى أن تسلمي على والدتي وأخي الحبيبين جمال وفادي. سنذكركم جميعًا بالشوق الكبير، وسنلقاكم في نصر المسيح الظافر. فإلى اللقاء.

  • شارك الخبر