hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - البروفسور نسيم الخوري

"للطافشين" من لبنان: سال الحبر والحبّ نحو الجنوب

الإثنين ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢٣ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أعترف بإقامتي بين مثلّثين لكنّها إقامة متحرّكة ومتحيّرة ومُربكة ومفيد صراحة الحبر فيها بحراً وطنياً وأكاديمياً لمن تسكنه الحداثة. نشرت الإثنين الماضي في خانة "بأقلامهم" محتويات المثلّث الأوّل بعنوان: "الطافشون بلبنان ومن لبنان"، وهنا المثلّث الثاني إذ يجري الحبر نحو الجنوب.

المثلّث الثاني

يشغلني المثلّث الثاني بزواياه الثلاثة حيث تتلقّفنا الأحضان المفتوحة في الجنوب من المملكة العربية السعودية والإمارات ودبي والشارقة والكويت وقطر والبحرين وعُمان والفُجيرة وغيرها وقد قصدها الفاتيكان بنوافذه المفتوحة على الدنيا مرّتين بصفتها مساحات "كوزموبولوتية" تحتضن ملايين المهاجرين "الطافشين" من أمكنتهم مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات ومدراء وموظفين وعمال..الخ.

الخميرة الأولى قديمة مباركة ألصقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان موصياً بـ 6 كنائس للجاليات المسيحية هناك، لتنتشر الكنائس احتراماً لأبناء الطوائف المسيحية وإيمانهم، وهذا ما يُريح الأجيال بفلش أرض الإستقرار والإنتاج وتجذبهم أنظمة تبلسم جروحهم وجروحنا اللبنانية تحديداً في زمن القحط. هذا ما نلسمه يومياً نحن الأساتذة في أحرام الجامعات سواء بحماسة الصبايا والشباب وتقديرهم للقوانين والأشكال والمضامين والسلوك والرؤى المسكونة بإرادة التطور والتغيير والإحترام الحضاري المتبادل والقوانين المرهفة التي تُغذّي طموحاتهم المشتعلة بالهجرات نحو الجنوب.

ليلة أمس، كانت العيون اللبنانية والعربية تتعلّق بالشاشات تتبّع بانبهار المهرجانات الدولية الرائعة في الرياض. كان للوجوه اللبنانية الحضور البارز الذي أضفى وسيفضي تباعاً بالكثير من مشاعر الإرتياح في أزمنة حافلة بالكوابيس المتراكمة في الأرجاء.

أتذكّر هنا، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما أطلق، مثلاً، فكرة السماح للمرأة بقيادة السيّارة. وضع الشابات والشباب آذانهم يسترقّون الخبر، وكانت حلقة نقاش أكاديمية ألحّ بها طالباتي وطلابي في المعهد العالي للدكتوراه، بدت الأنثى عبرها تحمل الصغير وتحضنه وترضعه وتربّيه وترعاه وتهندسه وهي تحمل أيضاً الكبير، والأنثى جسد متحول خصب يحمل معالم التغيير ومظاهر التبدل البيولوجي والنفسي والتطوري لأنّها هي الأصل المسكون بمتغييرات بيولوجية وتحولات دموية عملية شاقة لا نظرية وحسب. كانت زبدة النقاش نصّاً نشرته في صحيفة "الخليج" عنوانه: "أوّل الغيث" تمّ نقله ونشره في أكثر من صحيفة وموقع وهو مُثبت عبر نقرة بسيطة على "الغوغل".

كان هذا بدايات مسار حضاري يتقدّم بخطىً مضيئة كان آخرها العبور نحو الصين والعالم يضمر في الخلد في عصر العولمة لأنّ الجغرافيات والحدود قد سقطت فاتحة أحضانها لأجيال الأرض للتعارف والإبداع بحثاً عن استراتيجيات التحديث والحداثة وأفاقهما في عالم نقيم فيه ويُقيم فينا بما يتجاوز الحواس الخمس مشاركين بـ أمطار التغيير في شرقنا حيث تبيت الشمس كما كنت أسمع من طلاّبي الفرنسيين الحالمين بالشرق على سبيل المثال.

أستعيد هنا أيضاً ما أعلنه ولي العهد محمد بن سلمان، في الـ ٢٠١٨ من أن "الدول العربية شهدت تطورا كبيرا على مستوى اقتصادها في السنوات الماضية، والشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة خلال 5 سنوات قادمة"، مضيفا "هذه حربي التي أقودها ولا أريد أن أفارق الحياة إلا وأنا أرى

الشرق الأوسط مثل أوروبا الجديدة"، أصر طلابي على حلقات نقاش تكررت لهذا الوعد الذي شغل احلام الشابات والشباب اللبناني والمجتمعات العربية قطعًا .

أربط هذا النص بالسؤال اللغوي مجدداً:

كيف نقبل أن تكون "كان" الماضي قد وُلدت مع أختها "أصبح" حاملةً الحاضر والمستقبل ومن رحمٍ واحد في عائلة من الأحرف الناقصة التي لم ولن تصل إلى إمكانيات الفعل لأنّ "كان وأخواتها" بقيت معروفة بـ "الأفعال الماضية الناقصة" ولا بدّ من الحداثة والتحول.

كنت أعجز، بصراحة، من إقناع أستاذي في السربون أندريه ميكال آخر المستشرقين الكبار المتوفي في 27 كانون الأوّل الماضي، كيف أنّ "كان" و"أصبح" ولدتا معاً من رحمٍ عربي واحد وعبر لسانٍ عربي واحد مع أنّ المسافات شاسعة وقويّة بينهما إلاّ بنظرتنا الجامدة إلى الماضي بصفته الرحم الأوّل الحاضن للحاضر والمستقبل ولو أنّ المسافات في العالم بدت في ضمور سريع في هذا القرن ومذيّلة حكماً بعظمة التطوّر والتغيير بما لا يمسّ أبداً جوهر الدين و"جواهره" السياسية التي لطالما فشلت بالقفز السهل والمعقول أبداً نحو "أصبح" المستقبل.

 

*أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه، لبنان

*عضو الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات، لبنان

  • شارك الخبر