hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

لبنان عقار خاص ملك هولاكو

الإثنين ١٢ نيسان ٢٠٢١ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أعود بكم إلى اجتماعٍ عُقد مع بدايات الحرب الأهليّة والمستوردة والطائفية، والتي يمكننا أن نُلبِسها قبعات الحروب كلّها التي لم تمت، وكأنّها تنتصب بجنونٍ فوق ألسنة اللبنانيين والأذهان اليوم في كشف عقود الفساد.

كان الهدف من الإجتماع القديم المنتظر الذي جمع ممثّلي "الميليشيات" والأحزاب الوطنيّة والتقدميّة و"الرجعيّة اليمينية"، التعرّف على تلك السيّدة التي تمّ القبض عليها. أُوكلت المهمّة إلى لجنة تحقيق أمنية فعسكرية وثمّ لجنة إستقصاء حقائق، فلجان تحقيق قضائية، ثم لجنة تدقيق نيابيّة. وبعد هذا كلّه، تمّت الإستعانة بالشهود والخبراء الأجانب من أنحاء الدنيا، يصلون مصطحبين معهم زوجاتهم ومترجميهم للإستماع إلى ما يحصل في لبنان من جيوش الخبراء اللبنانيين المقيمين في الشاشات، والذين يوقّعون أسماءهم مسبوقة ب: دكتور، وبرفسور وخبير سياسي وأمني، ومحلّل سياسي محليّ ودولي. وأعظمهم خبراء رافعي البصمات الذين عثروا على خمس ملايين بصمة مواطن في لبنان. كلّ لبناني له لبنانه.

بقينا نصعد السلالم ونهبط الأدارج من لجنةٍ إلى لجنة حتّى وجدنا أنفسنا أمام كرش بشري أو رأسٍ يطلع منه "ميكريفون"، وكأنّه رئيس مستورد مرعوب مرتجف، ينحني نحو اليسار ونحو اليمين تجنّباً لقذيفة آر. بي. جي. قد تسقط على رأسه عشوائيّاً، وقيل أنّ هذا الرجل سيعلن إسم السيّدة التي تبحثون عنها لقيادة لبنان.

كان لا بدّ من القول، بأنّ الرئيس لم يتمكّن من لفظ إسم السيدة بسبب القذائف العشوائيّة التي دمّرت المكان. إختبأنا خلفه كما الجرذان في زوايا القصر. وقبل أن نتسلّل للهرولة إلى بيوتنا، أطلّ متحدّث رسمي بإسم لبنان، وآثار منفضةٍ مكسورةٍ عالقةٍ بوجهه، ليعلن بأنّ الإتفاق قد تمّ بين السلطات والأحزاب ورؤساء الطوائف وبعض الدول العربيّة والمنظّمات الإقليمية والدولية وسفرائها، على إطلاق إسم عشواء على هذه السيّدة التي حلّت بديارنا، والتي ربّما وُلدت فيها والتي لم يسبق أن سمعنا بها أو رأينا شبيهةً لها.

سقطت الأحلام والخيالات كما يسقط عامل مسكين من ورشة بناء، أو كما يسقط اللبنانيون بالقذائف والقصف والقتل العشوائي، والأكاذيب والسرقات والفساد والتهم على الشاشات بانتظار حكومة.

تعثّرت بكفٍّ لأعمى ينام في الطريق عند العودة إلى غرفتي المعتّمة في شارع مدام كوري. (الله معك، نحن عائلة واحدة لولا كفرك).

سألته: كيف فقدت بصرك؟

قال: هكذا خلقني.

قلت: أحسدك. ما أجمل أحلامك ومن خَلَقَكَ واصطفاك كي لا ترى تلك السيّدة الكبرى التي تحاول القعود مكان الأرزة في علم لبنان.

إنّها عشواء. عشواء إسم رائع. نأكل عشوائيّاً، ونشرب عشوائيّاً، وننام عشوائيّاً، ونتكلّم ونصرّح ونشتم ونخرج من منازلنا عشوائياً، ونحبّ فنتزاوج ونتناسل ونطلّق ونهجر ونصرخ ونجتمع ونفترق ونقبض ونصرف، ونقصف بعضنا بالكلام وبالقذائف عشوائيّاً.

العشوائية تاريخ وطننا المهجّر والمهاجر والمهجور والمقهور، وأرقى إسم أقترحه للنساء الحاملات هو: عشواء... نعم عشواء.

عشواء، حتّى ولو أصرّ الدكتور مصطفى الجوزو أو أحمد أبو حاقة أو رجال الدين المسلمين على احترام اللغة العربيّة المقدّسة، والقواعد الكتابيّة التي تنحدر لتصبح كما لغة الإغريق، أي سقراط وأرسطو وإفلاطون، لا يفهمها أحد من أبناء اليونان اليوم.

قفزت إلى الورق.

ما أن هممت للكتابة حتّى قبضت على أصابعي يد عشواء، وراحت تخبط عشوائيّاً.

كيف عَرفَتْ أنّني أبحث عنها؟

حاولت الفكاك، فرأيت مخابرات الدنيا وسجونها كلّها تقيم في بلادنا، وفي مجاري الحبر والخطب الرسمية في لبنان، معقل الدكتاتوريّات الديمكراطيّة ( بات صعباً التلفّظ بالقاف فهي خشنة ومنها ستيل). أوقفت الكتابة وصرت ولداً يلثغ ما لا يُفهَم. قالت عشواء التي أرجعتني رضيعاً: سأودعك سرّاً. صحيح أن إسمي عشواء، ولكنني قبضت على كلّ المفاصل في لبنان.

قلت: لكن ما هو هذا السر؟

قالت: أنا زوجة هولاكو المغولي وكلّكم خرجتم منّي.

وهل زوجك في لبنان؟

هزّت برأسها وقالت: لبنان عقار خاص يملكه هولاكو.

  • شارك الخبر