hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

لبنان: الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود

الأحد ٢٠ كانون الأول ٢٠٢٠ - 23:30

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكن من الصعب استشراف التحوّلات ومخاطر الإنهيارات التي تعصف بلبنان وتنذر بأزماته الكبرى، قبل نشوب ما صار يسمّى ب الحراك المتحرّك بين الإنتفاضة و"الثورة" منذ السابع عشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019. خمدت الثورة وهمدت وصارت الأعين والأذهان اللبنانية تتابع مجريات المستقبل وملفّات درء الإنهيارات المتتالية عبر نوافذ قصر الإليزيه.

تصوّروا أنّ واقع لبنان وتأليف الحكومة اللبنانية إجتاحا نصيباً عالياً من الإهتمام الفرنسي - المصري أثناء زيارة الرئيس عبد الفتّاح السيسي ولقاءه الأوّل مع إيمانويل ماكرون (6/12/2020). بدا لبنان وكأنّه البند الأوّل في جدول أعمال الرئيسين إثر خروجهما إلى الصحافة عند اختتام الزيارة. لقد أصاب اللبنانيون في أشرفيتهم المدمّرة وأدراجهم وكنائسهم ومستشفياتهم المحطّمة الجنون، إذ رأوا العالم على الشاشات مشغولاً بلبنان خلافاً لحكامهم الغائبين كليّاً إلاّ عن "مسرحيات" تناكفهم اليومي المضنك.

صحيح أنّ العلاقات الفرنسية المصرية عريقة في التاريخ تعود إلى 231 سنة، عندما وصل نابليون بونابرت إلى مصر (1789) ويرافقه لبنانيان مستشاران. وحظيت بتألّقها مع شارل ديغول (8/1/1959- 28/2/1989)، لتتراجع مع نيكولا ساركوزي (16/5/2007-15/5/2012)، وتنحدر مع فرانسوا هولاند (15/5/2012-14/5/2017)، الذي ناصر الإخوان المسلمين.

وصحيح أنّ لزيارة السيسي أبعاداً على علاقة مباشرة بمساعدة فرنسا في مكافحة الإرهاب، لأنّ مصر هي البلد الوحيد من بلدان شمالي أفريقيا، الذي لم يَستَقِلّ أبناؤه القوارب المطّاطية عابرين المتوسط شمالاً نحو أوروبا وتحديداً نحو فرنسا.

الأصح من هذا كلّه، أنّ ملفّات الأزمة الليبيّة، والخلافات المتفاقمة مع تركيا آردوغان الذي أدمن القفز في الملاعب الرياضيّة كما في مياه شرق المتوسط، قد تمّ تغييبها، حتّى تلك السياسية والإقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية وعلوم الآثار الخاصّة بالبلدين، التي ناقشها الفرنسي والمصري فتجاوزا الإفصاح عنها للتوصية فقط بلبنان "العظيم" وحكومة لبنان "الأعظم".

عن أيّ لبنان يبحث المصري والفرنسي والعربي والخليجي والأميركي والعالم، إن بان حكّام لبنان لا يبحثون عن شيء إلاّ عن مصالهحم ومصائر قبائلهم بعد رفع الدعم كليّاً عن بقايا الفقراء؟ أيمكننا تصوّرالمشاهد المخيفة المنتظرة؟

الأصعب والأغرب والفاهر جدّاً، هو تجويف مفهوم الفرنكوفونيّة في تحليلات بعض اللبنانيين، ونشهدها حتّى في المعاهد والجامعات. هناك احتقار وتناول موسوم بروائح طائفية بغيضة عند توصيف "الفرنكوفونية" بالإستعمار أو وصم الناطقين بالفرنسية بالعمالة لفرنسا المستعمرة. هذا تراجع ثقافي بل تخلّف فكري مخجل. إنّ معظم اللبنانيين وطلاّبهم وأساتذتهم لا يضيرهم مطلقاً، نعتهم بالإستعماريين، فقط لأنهم تعلّموا وعلمّوا وعمِلوا في فرنسا.

عندما سألتني الإعلامية غابي لطيف في مقابلةٍ على إذاعة مونتي كارلو عن نظرتي لفرنسا؟ أجبت: "إنّني مسكون بفرنسا".

عندما تسلّم بطرس بطرس غالي منصب الأمين العام للمنظّمة الفرنكوفونيّة ( 1998- 2002) غصّ معظم اللبنانيين والمسيحيين وكأنهم فقدوا مرجعيتهم الأبوية، مع أنّ الإهتمام الفرنسي تحوّل بمعظمه نحو جنوبي لبنان بعد حرب العام 2006. لقد فوجيء هؤلاء بعدما تناول البعض الإحتفال بمرور مئة عام على إنشاء "دولة لبنان الكبير" (20/9/1920) باحتقار وميوعة وإنكار، وبردود فعل طائفية نزقة حيال الذكرى، كما يتناولون إهتمام ماكرون الملحاح وهو مسكونٌ بمساعدة اللبنانيين، الذين وكأنّهم أخذتهم الشياطين على حين غفلة لترميهم في "جهنّمٍ" لا مثيل لها في الأنظمة التي تدّعي اللباس الديموقراطي.

كان لا يمكنني، وبتواضعٍ جمّ، فصل الإنهيارات المنتظرة عن الفشل والإنهيارات السياسية الواضحة في الأفق. إنّ عشرات النصوص التي كنت أسير أن يقرأها الخليجيون، إلى درجةٍ أن الخجل يراني دؤوباً على الإنذارات بالإنهيار اللبناني. كان لا بدّ من توقّع الإنتفاضة عبر طالباتنا وطلاّبنا في الجامعات وهم يستلهمون جذوة العاميّة الكبرى لتعمّ الأرجاء اللبنانيّة، لكنها تخبو وقد نخرها سوس الأحزاب ورجال السلاطين، فأصبح لبنان مساحات متقطّعة سياسية وإعلامية، فارغة مركونة بفتح السجالات والصراعات السياسية من دون أي جوابٍ مُطَمْئِن عن السؤآل: ما مستقبل لبنان؟

لطالما قمنا ونبّهنا إلى المخاطر المحدقة بلبنان، في زيارات رسميّة للمسؤولين، كما في الجامعات والإجتماعات والمحاضرات والمناسبات واللقاءات الإعلاميّة، والمذكّرات والدراسات التي أرسلناها وسلّمناها إلى المسؤولين في الدولة اللبنانية، وأرسلناها إلى المنظّمات الدولية، ونشرنا عيّناتٍ منها في مختلف وسائل الإعلام وعلى صفحات وسائل التواصل الإجتماعي، باسم مؤسسي" التجمّع الأكاديمي لأساتذة الجامعات في لبنان"، من دون إهتمامٍ أو تجاوب جدّي من قبل المسؤولين.

بدا لبنان الرسمي فجوةً لا قرار فيها، يسقط فيها اللبنانيون قاطنين وقانطين في كظم ضيقهم وتراجعهم وفقرهم وضياعهم، يدورون اليوم مثل أحجار المطاحن بحثاً عن تخليص غابةٍ، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.

  • شارك الخبر