hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد المتقاعد طوني مخايل

كذبة السيادة

الخميس ٢٩ أيلول ٢٠٢٢ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

السيادة الكاملة، الاستقلال التام  كلمات تملأ الفضاء السياسي العالمي منذ بداية التاريخ،  تصْدح بها حناجر الساعين الى السلطة في كل وطن وتدعو شعوبها الى مناصرتها في إنجازها مهما غلت التضحيات وكثرت المآسي وغابت عن أذهان هؤلاء المُنادين بمعرفة أو بدون معرفة أن هذه الكلمات تحمل في طياتها إستحالة تحقيقها بمعناها الحقيقي.

نادرة هي البلدان التي لم تعرف حروب وإحتلالات إنتزعت منها استقلالها وإنْتَّقصت من سيادتها وحتى المعاهدات والتسويات بين الدول قلَّصت من إستقلالية قرارها وخفَّضت منسوب سيادتها من اجل المصلحة المشتركة وفي عصرنا الحديث فالشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية العالمية فرضت إرادتها وهيمنتها على سيادة الدول وخاصة النامية منها تحت ستار الاتفاقيات والمساعدات الاقتصادية على حساب القليل من السيادة والاستقلال لصالح التنمية والاستقرار الاقتصادي ولذلك فإن مطالبة الزعماء والقادة لشعوبها بالتضحية وتحمل الصعاب لنيل الاستقلال والسيادة الكاملتين هو من سابع المستحيلات ولم ينتج عن هذا السعي الا المآسي والفقر لهذه الشعوب ومنحت السلطة والمال لحكامها وبإختصار انه كلام حق يُراد به سلطة ونفوذ.
منذ زمن الفراعنة والاشوريين والبابليين والفرس والرومان والعثمانيين الى الانتداب الفرنسي والاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية لم يعش لبنان في ظل السيادة الكاملة على الصعيدين الداخلي والخارجي وفي بعض مراحل تاريخه كانت هذه السيادة غائبة كلياً (خاصة خلال الحرب الأهلية) ومنذ خروج الجيش السوري عام ٢٠٠٥ لاحت في الأفق اللبناني بوادر ارتفاع في منسوب الاستقلال والسيادة ولكن سرعان ما تلاشت هذه الآمال عبر سعي أفراد الطبقة السياسية مجدداً الى إعادة توثيق ارتباطاتهم الإقليمية والدولية سنداً لهم في ممارساتهم السياسية الداخلية على حساب سيادة واستقلال بلدهم وبالتوازي مع تحالفاتها الخارجية إستعادت هذه الطبقة الصرخة التاريخية القديمة القائمة على استنهاض شعوبها اللبنانية ومطالبة كل زعيم أنصاره بالتضحية والتحمل لإستعادة السيادة الكاملة وفقاً لمفهومه ومنظوره ، فقائد يرى الاستقلال بالابتعاد عن صندوق النقد الدولي ويعتبرونه حصان طروادة للقوى الدولية للسيطرة على القرار السياسي اللبناني وقسم من الطبقة السياسية ترى السيادة التامة بنزع سلاح حزب الله وفك ارتباطه مع ايران وجزء من القادة لا يرى مستقبل للبنان واستقلال قراره الا عبر تحرير كامل الجنوب وانخراطه في محور الممانعة ضد المشروع الأميركي-الإسرائيلي...دون أن ننسى التميز اللبناني عبر إضافة حقوق الطوائف الى مطلب السيادة والاستقلال والمستغرب في الأمر ان هذا الحرص على تحقيق السيادات والحقوق يتبخر عند كل إستحقاق وطني او سياسي حتى وصل الأمر الى أن تعيين وزير في حكومة يستلزم مراجعة أربع أو خمس بلدان إقليمية ودولية.

الشعب الفلسطيني الشقيق إغتُصبت ارضه منذ اكثر من سبعين سنة سنة وحل مكانه كيان معادي تسبب في حروب المنطقة ومآسي شعوبها وما فتئت مختلف القيادات الفلسطينية منذ ١٩٤٨ تدعو شعبها للصمود والتصدي وتحَّمل المصاعب والويلات طلباً لوطن مستقل ذو سيادة كاملة  وماذا كانت النتيجة توسع للأراضي الإسرائيلية على حساب المساحات الفلسطينية، المزيد من الهجرة والتشرد، ارتفاع في اعداد الشهداء والمعاقين ولم تتغير مقاربة اهل السلطة الفلسطينية لقضيتهم منذ بدايتها والشعب الفلسطيني مشتت بين غزة والضفة الغربية ومخيمات دول الجوار وفي اصقاع العالم والمعاناة مستمرة.

قبل بداية الأحداث في سوريا قيل الكثير عن ضغوطات على النظام السوري للرضوخ الى المشاريع الأميركية وحلفائها وتحت عنوان المحافظة على السيادة والاستقلالية في القرار دُّمرت سوريا وشُّرد شعبها وإجتاحت أراضيها جيوش روسيا، تركيا، اميركا وايران  وطائرات عشرات الدول في التحالف الدولي  تجوب الأجواء السورية والمأساة متواصلة.

قد يرى البعض في هذا التحليل للوضع اللبناني والتطرق الى القضيتين الفلسطينية والسورية بمثابة دعوة الى الاستسلام والرضوخ للمشاريع الدولية والإقليمية التي تستهدف بلدنا ولكن على العكس فهي ليست الا مجرد رأي ومناشدة لأهل القرار اللبناني بإعادة النظر في منهجهم ومقاربتهم لادارة شؤون البلاد لأنهم يدركون بأن اللبنانيون على دراية بأن هذا الحرص الشديد على الاستقلال والسيادة ما هو الا واجهة لتثبيت سلطتهم وتعزيز نفوذهم في الحكم.

يُقال أن طريق البرهان هي طريق الحكمة وأن التجربة خير برهان فما على أهل السلطة الحُكماء إلا سلوك هذا الدرب والقيام بتجربة لتبيان حقيقة  إرادة ورغبة الشعب اللبناني في الصمود والتصدي وذلك عن طريق تجربة أو محاولة تدبير شؤونهم الحياتية اليومية(طعام،محروقات،كهرباء،دواء…) بحوالي خمسة ملايين ليرة لبنانية شهرياً وإختبار ماهية العيش بهذا المبلغ وبعدها فليسأ أنفسهم ما إذا كانوا يريدون متابعة النضال والكفاح لنيل السيادة الكاملة وربما عندئذ يُدركون أن قليل من سيادتهم( أي مصالحهم الخاصة) قد تُفرح قلب اللبنانيين وتُقلل من آلامهم.

  • شارك الخبر