hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد المتقاعد طوني مخايل

قليل من السيادة يُفرح قلب اللبنانيين

السبت ٨ أيار ٢٠٢١ - 00:01

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

السيادة الكاملة، الاستقلال التام، كلمات تملأ الفضاء السياسي العالمي منذ بداية التاريخ، تصْدح بها حناجر الساعين الى السلطة في كل وطن، وتدعو شعوبها الى مناصرتها في إنجازها مهما غلت التضحيات وكثرت المآسي، وغابت عن أذهان هؤلاء المنادين بمعرفة أو من دون معرفة أن هذه الكلمات تحمل في طياتها إستحالة تحقيقها بمعناها الحرفي.
نادرة هي البلدان التي لم تعرف حروباً وإحتلالات إنتزعت منها استقلالها وإنْتَّقصت من سيادتها، وحتى المعاهدات والتسويات بين الدول قلَّصت من حريتها وخفَّضت منسوب سيادتها من اجل المصلحة المشتركة. وفي عصرنا الحديث الشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية العالمية فرضت إرادتها وهيمنتها على سيادة الدول، وخاصة النامية، منها تحت ستار الاتفاقيات والمساعدات الاقتصادية على حساب القليل من السيادة والاستقلال لصالح التنمية. ولذلك فإن مطالبة الزعماء والقادة لشعوبهم بالتضحية وتحمل الصعاب لنيل الاستقلال والسيادة الكاملين هو من سابع المستحيلات، ولم ينتج عن هذا السعي الا المآسي والفقر لهذه الشعوب ومنحت السلطة والمال لحكامها، وبإختصار انه كلام حق يُراد به سلطة ونفوذ.
منذ زمن الفراعنة والآشوريين والبابليين والفرس والرومان والعثمانيين، الى الإنتداب الفرنسي والاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية، لم يعش لبنان في ظل السيادة الكاملة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي بعض مراحل تاريخه كانت هذه السيادة غائبة كلياً. ومنذ خروج الجيش السوري عام ٢٠٠٥ لاحت في الأفق اللبناني بوادر ارتفاع منسوب الاستقلال، ولكن سرعان ما تلاشت هذه الآمال عبر سعي أفراد الطبقة السياسية مجدداً الى إعادة توثيق ارتباطاتهم الإقليمية والدولية سنداً لهم في ممارساتهم السياسية الداخلية على حساب سيادة واستقلال لبنان، وبالتوازي مع تحالفاتها الخارجية إستعادت هذه الطبقة الصرخة التاريخية القديمة القائمة على استنهاض شعوبها اللبنانية ومطالبة كل زعيم أنصاره بالتضحية والتحمل لإستعادة السيادة الكاملة وفقاً لمفهومه ومنظوره.
قائد يرى الاستقلال بالابتعاد عن صندوق النقد الدولي، وآخر يرى في تكتل المصرف المركزي والمصارف الخاصة حصان طروادة للقوى الدولية للسيطرة على القرار السياسي اللبناني، وقسمٌ من الطبقة السياسية يرى السيادة التامة بنزع سلاح حزب الله وفك ارتباطه مع إيران، وجزء من القادة لا يرى مستقبل لبنان واستقلال قراره إلّا عبر تحرير كامل الجنوب وانخراطه في محور الممانعة ضد المشروع الأميركي-الإسرائيلي... من دون أن ننسى التميّز اللبناني عبر إضافة حقوق الطوائف الى مطلب السيادة والاستقلال.
والمستغرب في الأمر ان هذا الحرص على تحقيق السيادات والحقوق يتبخر عند كل إستحقاق وطني او سياسي، حتى وصل الأمر الى أن تعيين وزير في حكومة يستلزم مراجعة أربع أو خمس بلدان إقليمية ودولية.
الشعب الفلسطيني الشقيق إغتُصبَت ارضه منذ نحو سبعين سنة، وحلّ مكانه كيان معادٍ تسبّب في حروب المنطقة ومآسي شعوبها، وما فتئت مختلف القيادات الفلسطينية منذ ١٩٤٨ تدعو شعبها للصمود والتصدي وتحَّمل المصاعب والويلات طلباً لوطن مستقل ذو سيادة كاملة. وماذا كانت النتيجة؟ توسع الأراضي الإسرائيلية على حساب المساحات الفلسطينية. المزيد من الهجرة والتشرد. ارتفاع في اعداد الشهداء والمعوَّقين، ولم تتغير مقاربة اهل السلطة الفلسطينية لقضيتهم منذ بدايتها، والشعب الفلسطيني مشتّت بين غزة والضفة الغربية ومخيمات دول الجوار وفي اصقاع العالم والمعاناة مستمرة.
قبل بداية الأحداث في سوريا قيل الكثير عن ضغوط على النظام السوري للرضوخ الى المشاريع الأميركية، وتحت عنوان المحافظة على السيادة والاستقلالية في القرار دُّمرَت سوريا وشُّرِد شعبها، وإجتاحت أراضيها جيوش روسيا، وتركيا، اميركا وحلفاؤها، وإيران وحلفائها، وطائرات عشرات الدول في التحالف الدولي ضد داعش تجوب الأجواء السورية والمأساة متواصلة.
قد يرى البعض في هذا التحليل للوضع اللبناني والتطرق الى القضيتين الفلسطينية والسورية بمثابة دعوة الى الاستسلام والرضوخ للمشاريع الدولية والإقليمية التي تستهدف بلدنا، ولكن على العكس فهو ليس إلّا مجرد رأي ومناشدة لأهل القرار اللبناني، بإعادة النظر في منهجهم ومقاربتهم لإدارة شؤون البلاد لأنهم يدركون بأن اللبنانيون على دراية بأن هذا الحرص الشديد على الاستقلال والسيادة ما هو إلّا واجهة لتثبيت سلطتهم وتعزيز نفوذهم في الحكم.
يُقال أن طريق البرهان هي طريق الحكمة، وأن التجربة خير برهان، فما على أهل السلطة الحُكماء إلا سلوك هذا الدرب والقيام بتجربة …

  • شارك الخبر