hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - د.جوزيف العمار

عن تبني اللبناني ثقافة عدم المحاسبة!

الثلاثاء ١ أيلول ٢٠٢٠ - 23:51

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما الحالة التي وصل إليها لبنان اليوم، من تدهور اقتصادي، أمني، مالي، ثقافي، اجتماعي، وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت، الذي يعتبر جريمة بحق الإنسانية، إلا نتيجة طبيعية لثقافة عدم المحاسبة والتهرّب من المسؤولية، والتحايل على القانون، من قِبَل الطبقة السياسية في لبنان.

ما هو مؤسف أكثر، هو تأقلم وتبني الشعب اللبناني لثقافة عدم المحاسبة، إذ أصبح تحايل الفرد على القانون أمراً عادياً، كذلك تغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة أمراً طبيعياً، في بلدٍ يسعى فيه كل مواطن إلى تحصيل ما يمكن تحصيله لنفسه بشتى الوسائل، واعتبار ذلك "شطارة". ولم تكن فكرة محاسبة المسؤولين السياسيين مطروحة، بحكم إلغاء ثقافة المحاسبة وتحمُّل المسؤولية الفردية والعامة.

هذا الواقع يتيح للسياسيين أن يعيثوا فساداً في البلاد من دون حسيبٍ أو رقيب، ومن دون أي شعورٍ بالذنب أو القلق، إذ اصبح المجتمع اللبناني محصّناً ضد محاسبة مسؤوليه وساسته، الذين يعملون لتحصين هذه الحماية لمواقعهم من خلال الاستغلال الطائفي والمذهبي، كما التوظيف الانتخابي.

هذا الواقع الشاذ، الذي يُعتَبَرُ للأسف طبيعياً في لبنان، هو ما أوصلنا إلى تفجير مرفأ بيروت، ويمكن ان يوصلنا إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير.

لكي ينهض الوطن من كبوته ويتم التأسيس للبنان جديد يُلبّي طموحات أبنائه، لا بد من العمل على إعادة تفعيل وترسيخ ثقافة المحاسبة، عند السياسيين، كما عند الشعب اللبناني، من خلال تطوير مؤسستين أساسيتين: مجلس النواب والقضاء.

تطوير مجلس النواب ليس من خلال المباني أو النصوص، بل عبر تطوير النواب كأفراد، نوعية عملهم وإنتاجيتهم، وتنمية "خوفهم" من المحاسبة.

للوصول إلى هذه النتيجة، لا بد من تغيير القانون الانتخابي واعتماد قانون يسمح بالمحاسبة بشكلٍ فاعل.

إن تصغير الدوائر الانتخابية، واعتماد مبدأ انتخاب المواطن اللبناني نائباً واحداً فقط عن دائرته الصغيرة، يمكن أن يوصلنا إلى هذه النتيجة، ويسمح لأفراد معروفين في مجتمعاتهم الصغيرة فقط أن يصلوا إلى الندوة البرلمانية، من دون منةٍ من حزبٍ أو زعيم.

إن مبدأ النيابة هو اختيار الشعب من يمثله، اختيار قرية او إثنتين أحد أعيانهما ليمثلهما في عاصمة البلاد، وينقل شجونهما ومشاكلهما بأمانة، ويتكلم بلسانهما امام مجموعة من الغرباء، من هنا يجب ان يكون منبثقاً من الجماعة التي يمثلها وقريباً منها.

إضافةً الى ذلك، في حالة إساءة الأمانة، يجب ان يكون من السهل جداً على المجتمع الصغير الذي انتخب هذا النائب، أن يختار غيره للدورة المقبلة، من دون العودة إلى حزبٍ أو مرجع، في حال كان القانون الانتخابي يسمح بذلك.

مما تقدم، لا بد من اعتماد الدائرة الفردية في القانون الانتخابي، لبث الخوف من المحاسبة في قلب النواب، وتوجيههم للتصرف بمسؤولية اكثر وإنتاجية أعلى، لتلبية طموحات ناخبيهم.

أما تطوير القضاء، فلا بد من العمل على استقلاليته، ليس بالشعارات، بل بالفعل، عبر فصل المؤسسة القضائية بشكلٍ كاملٍ عن السياسة، وتطوير الهيئات الرقابية على الجسم القضائي بشكل مستقل، بما يتيح المحاسبة من دون منفعة أو محسوبية.

لا بد من خلق مناخ ثقةٍ بالجسم القضائي من قبل الشعب. إن العمل على تكريس قضاء عادل ومستقل يبعث شعور الطمأنينة عند الأفراد، ولكن أيضاً شعور الخوف من خرق القانون والمحاسبة العادلة والقاسية، من دون مراعاة الاعتبارات الحزبية أو الطائفية.

من هنا لا بد من إعادة تكوين القوانين القضائية، والجسم القضائي بشكل مستقل وقوي، وتحديثها إسوة بالقوانين القضائية الأوروبية والأميركية، حيث يحظى القضاء بسطوةٍ على السياسيين والأفراد سواسية، وحيث نرى من الطبيعي محاسبة وسجن سياسي فاسد، الأمر الذي لم نَرَهُ مطلقاً في لبنان.

لا بد للبنان أن يُولَدَ من جديد، ليس بطبقة سياسية جديدة، بل بثقافة جديدة، مبنية على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية، ومبدأ المحاسبة و الثواب والعقاب لجميع أبنائه، سياسيين، مسؤولين وأفراداً. آن الأوان لبناء مجتمع يخاف سياسيوه من شعبهم، وجميع أبنائه من قضائه، لضمان ازدهارنا واستمرارنا منارةً في هذا الشرق.

 

  • شارك الخبر