hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - دانيال الحداد

زيادة رواتب موظفي القطاع العام وإلاّ انهيار المؤسسات

الخميس ٢٩ تموز ٢٠٢١ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا
من يراقب أسعار المنتجات الزراعية والصناعية والخدمات الوطنية يجد أنّها ارتفعت ما بين ٥ و١٠ أضعاف، أمّا أصحاب هذه المنتجات والخدمات فهم المزارعون والصناعيّون والمهنيّون والتّجار وغيرهم، أي القطاع الخاص بمختلف وجوهه.
هذا يعني بكلّ بساطة أنّ موظفي القطاع العام ومتقاعديه، هم، فعلياً، الأكثر تضرّراً من الأزمة، كون رواتبهم بالليرة ولم يطرأ عليها أيّ تعديل.
لا أحد ينكر أن راوتب القطاع العام قبل الأزمة كانت إجمالاً الأعلى بين رواتب الأيدي العاملة الوطنية، باستثناء التجار والمقاولين وكبار موظفي القطاع الخاص، وكانت بطبيعة الحال تشكّل عبئاً ثقيلاً على خزينة الدولة، وذلك بعد أن فرضتها ضغوط النقابات الجشعة من جهة والسياسات الشعبوية للمجالس النيابية والحكومات المتعاقبة من جهة أخرى، وبالتالي كان حجمها غير مقبول في بلد غير منتج يعيش على الدين والاقتصاد الريعي.
لكنّ هذه الرواتب نفسها أصبحت اليوم الأدنى على الاطلاق بعد أن انخفضت قيمتها السنوية من نحو ٦ مليارات دولار قبل الأزمة إلى نحو ٥٠٠ مليون دولار حالياً، وهذا الواقع بات ينذر بمضاعفات سلبية للغاية على أداء المؤسسات والإدارات العامة ومعنويات أفرادها وسلوكياتهم اليومية، إذ كيف يستطيع الجندي وموظف الفئة الدنيا الصمود براتب ٧٠ دولاراً شهرياً، وكيف يستطيع القاضي أن يحكم  والضابط أن يقود جنوده والمدير العام أن يدير مؤسسته، وهم لا يستطيعون أن يتدبّروا شؤون عائلاتهم الصغيرة، بعد أن أصبح راتب أعلى فئات الموظفين لا يزيد عن ٣٠٠ دولار شهرياً.
المعارضون لزيادة الأجور، يتذرّعون بالخوف من التضخّم، وهو خوف في غير مكانه، فعلى  سبيل المثال، تبلغ  قيمة زيادة مئة بالمئة على  الرواتب والأجور نحو ٥٠٠ مليون دولار سنوياً وهو رقم متواضع، ومع هذه الزيادة المفترضة تصبح التكلفة الاجمالية للرواتب والأجور نحو مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل سدس تكلفتها الإجمالية قبل اندلاع الأزمة، والأهم أن هذه الزيادة بالكاد تكفي لتأمين الحاجات الأساسية للموظفين، وبالتالي فإنها لن تستخدم لشراء الدولار وتخزينه.
أمّا من يراهن على خفض سعر الدولار بدلاً من زيادة الأجور، فهذا الأمر غير ممكن عملياً، ولا يصب في مصلحة بلد يعاني من مديونية تبلغ نحو  ١٠٠ مليار دولار ومعظم استهلاك شعبه مستورد، وفي مطلق الأحوال، إنّ أيّ خفض اصطناعي لسعر الدولار سيكون لمصلحة كبار التجار، الذين سيسارعون إلى جمع الدولار من الأسواق بسرعة، ليعود ويرتفع سعره من جديد.
في جميع البلدان التي انهارت عملاتها : تركيا، الارجنتين، مصر، سوريا... ، عمدت دولها إلى رفع رواتب موظفي القطاع العام مع الحدّ الأدنى للأجور لسائر موظفي القطاع الخاص، بما يتلاءم نسبياً ومرحلياً مع انخفاض سعر صرف العملة، ولم تنتظر تلك الدول تحسن أسعار صرف عملاتها.
ومن الجدير بالذكر أنّه عندما تصبح الرواتب والأجور متناسبة في قيمتها الشرائية إلى حدّ ما، مع السعر الجديد للعملة، لا يعود لهذا السعر أيّ تأثير يذكر على الحياة المعيشية للمواطن.
إذاً، الحلّ يكمن في زيادة رواتب موظفي القطاع العام في الخدمة الفعلية والتقاعد مع رفع الحد الأدنى للأجور من دون أيّ تأخير، وبنسبة تتراوح بين ١٠٠ ٪ و١٥٠ ٪، أمّا لماذا هذه النسبة بالتحديد وليس أكثر، فالجواب الطبيعي والمسؤول أنّه في ظل الأزمة الأقتصادية والمالية القاسية التي تعانيها البلاد، لا بدّ من الموازنة قدر الإمكان بين القدرة والحاجة، فنحن لا نعيش في سويسرا، ولا في أيّ دولة صناعية غنيّة، لتحتار كيف توزّع ثرواتها الضخمة على مواطنيها.
زيادة الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام، أصبحت أولوية مطلقة، وإلاّ سنكون في المستقبل القريب أمام تغلغل الفساد والإهمال وانعدام الانتاجية في مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى إحجام النخبة مستقبلاً عن الانخراط فيها، وصولاً إلى انحلالها وتفككها، وهذا ما يؤسّس لمشاريع فوضى كبيرة، نعرف كيف تبدأ ولا نعرف كيف تنتهي.
.
  • شارك الخبر