hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

دولارك بـ 200 ألف في "الربيع" القادم

الإثنين ٢٨ تشرين الثاني ٢٠٢٢ - 00:23

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هكذا قيل لي ليلة أمس. لم أنم. قلت: نكتب في العتمة. فكانت الكتابة.
ما أن هممت للكتابة حتّى قبضت على أصابعي يد عشواء، وراحت تخبط بي عشوائيّاً، كيف عرفَتْ أنّني أبحث عنها؟
ما يمكنني قوله اليوم، أنّني مواطن قاطن في تجويفة ضرسٍ مظلمٍ نتن الروائح إسمه لبنان. أرقص فيها فلا أغفو فأكتب لشدّة القهرالماضي والحالي والآتي. لربّما هي تجويفة ضرسٍ من أضراس وحش عالمي وحيد. كلّما شهق أو زفر،أو حمل قشّةً بين أسنانه منقّباً فضلات الجثث المهروسة أو الأطفال الجائعين ، أو حرّك عضلةً من عضلات وجهه أو حكّ جسده، أو سعل، ترتعد الشعوب، وأتصوّر الموت سحلاً وسحقاً من تعانق الأضراس.
لكنني أبحث عن ميتةٍ هادئة.
حاولت تحرير أصابعي للكتابة ، فاصطفّت مخابرات الدنيا الطائفية ورجال أمنها وسجونها حول مجاري الحبر حمايةً للخطب والتصريحات الرسمية في لبنان معقل الدكتاتوريّات الديمكراطيّة . أعذروني، بات صعباً عليّ التلفّظ بالقاف. القاف خشنة ثقيلة وجبلية ومنها "ستيل".
أوقفت الكتابة وصرت ولداً يلثغ ما لا يفهم ليكتب. قالت عشواء وقد أرجعتني رضيعاً: سأودعك سرّاً. صحيح أن إسمي عشواء، ولكنني قبضت على كلّ المفاصل والأنفاس في لبنان هذه النسخة واللقية البائسة المحتالة الفريدة في الععلى وجه الأرض.
تأتأت ملوّحاً: لكن ما هو هذا السر؟
قالت: أنا زوجة أحد أحفاد هولاكو المغولي المُعشش في بيوتكم، وكلّكم خرجتم منّي.
وأومأت سائلاً مرتجفاً: هل سيبقى زوجك أبداً في لبنان؟ ألم تقطعك بعد؟ متى تتوقّف تلك الذريّات؟
هزّت برأسها وقالت: لا أعرف. إسأل الهولاكيين.
وقفزت صارخاً: بل أنا الذي يعرف أيتّها السيّدة الأولى في وطن الخرائب.
ملاحظة: الحقيقة، كان بالإمكان أن أكتب سنةً أو أكثر بحثاً عن الإسم، لكنّ الدكتور ح. تهامي المصري الفرعوني الأستاذ في أرقى الجامعات الأميركيّة، الشديد الذكاء والذي عرفته في بيروت باحثاً عن عروسةٍ يقترن بها ليحملها بسرعة معه نحو أميركا دولة العظام والعظمة لم يظفر بها. حسناً غمر تلك الصبيّة الإهتمام بالقطط الجائعة بدلاً من الإهتمام بالناس. هذا الدكتور الفرعوني صديقي الفايسبوكي قطع جدول حبري هذا الصباح حول فصل التسميّة الطويل إذ هاتفني قائلاً : لا تخرج السياسة في لبنان إلاّ من ذريّة هولاكو المغولي.
نحن من ذريّة هولاكو إذن، وعشواء هي السيّدة الأولى في الخرائب اللبنانية كما جاء في فصل التّسمية.
هولاكو تسمعون عنه وتعرفونه. كلّكم تعرفون ذريته، لكنّكم لا تتلفظون بإسمه أو باسم أولاده وأحفاده حتى لا تنهرس ألسنتكم.
هولاكو كان أوّل المشيّعين وآخرهم لبقايا لبنان. إعتاد تشييعنا بلذّةٍ العصركما الزيتون كلّ 10 سنوات.
منذ سقوط لحظه قديماً على بغداد، كان الحبر العربي القديم قد امتزج بمياه البصرة ساقطاً دامعاً إلى أعماق الخليج الذي تحوّلت مياهه زرقاء لكنها تختلط بالسواد وأوراق المخطوطات والمكتبات والأبحاث. أسمعتم ببلاد ما بين النهرين كيف خلع أبوابها الأميركي بحذائه الرانجر في ال2003؟
أيّ خليجٍ؟ سألتُ عشواء.
أقرّ لك يا سيّدتي، أنّني أعرف في الجغرافية كما عرفت سميرة توفيق في علم النفس، أو داليدا في علوم الكومبيوتروالذكاء الإصطناعي، والتاريخ منقسم باقٍ مكبّاً لقمامات القصور والدور المضيئة في لبنان. يقضي الفقراء الجائعون والكلاب والهررة والدجاجات عصافير الدوري حياتهم بالتدافش فوقها بحثاً عمّا بسدّون به جوعهم من الحبوب والمأكولات المتعفّنة الساقطة حول براميل القمامة السوداء المحروقة أو التي حرقتها "الثورة" أو "السورة" كي يصل نواب التغيير إلى البرلمان. "مراح" بلادنا واسعة وطريّة تجدون فيه أغراضكم وغذاءكم ومبتغاكم وأصواتهم غير المفهومة. كلّما غاصت أرجلكم ومناقيركم ورؤوسكم في طراوة "السماد" وعفونته، وجدتم ما تشتهونه في بناء وطنكم المثل والمثال.
تاريخنا رحم يندلق بالمتناقضات المتشابهة المتقاتلة والمتلاقية تماماً كما تلتفّ الأفاعي في أعشاشها وتتزحلق بلحظةٍ لنشر السم في الشاشات عندما تشرّف العتمة بعد غياب الشمس. كلّ يجد فيها زازيته وما يشتهيه منها لأنّه لا يتغيّر ولا يتصفّى ولا يتشمّس. تاريخنا مثل وطننا مرعى مفتوح حافل بالرعاة من كافة الملل والأجناس والألوان والأشكال ومنه تفوح كلّ الروائح والخيارات والجنسيّات. وطن؟ لا لا...ساحة بل ساحات ممدوة لا تنتهي بين من أسماها بيروت الكبرى والضاحية، ساحات بلا سياج لرعاة الدنيا بأعشابها وزهورها وأشجارها وحطبها وحتّى لشعةبها المفتّتة المرمية كما بقايا المقاصف والمطاعم الراقية في براميل القمامة وقد باتت صعبة المنال.
لا تسألينني يا عشواء، أي خليجٍ أقصد.
سمّه ما شئتِ.
أنسبيه على هواكِ عربيّاً أو فارسيّاً أو عالميا. إشربيه بملحه وأسماكه وحيتانه ومعاركه، فإنّني لست مستعدّاً لأن أصير نملةً تُسحق تحت حذاء عابرٍ يدّعي الفهم في التاريخ أو في الجغرافية.
سنتابع... وليملأ الحبر الساحات والشوارع والأفواه المفتوحة على الذباب والجوع والكسل والموت لكنّ الصراخ بالتغيير والتبديل يعني ....؟؟؟ من يَجِبني؟

  • شارك الخبر