hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - جورج عبيد

دعاء ميلاديّ في لحظات الوجع

الخميس ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٠ - 00:02

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يا يسوع الحبيب، يا مشلوحًا في مغاور مظلمة وأزقّة باردة، متى تولد فينا ومن أوجاعنا لنشفى، متى تكشف البهاء في بواطن تاريخ يغلق بخطايا سافرة حتى لا يتغلّب نظام شرور المتجبّرين بأوبئتهم على ضيائك فينا؟

سؤالي ليس محصورًا في ميلادك، وقد شاءه أبوك السماويّ منذ أن زرعك كلمة في بطن مريم، انقلابًا على مقاييس كونية وقوميّة، وصليبًا يلاحقك حتى الجلجلة لتكتب لنا بصليبك ميلادنا في السماء.

سؤالي يا إلهي الرحيم تعبير عن وجع أعترف أمامك أن ليس يقمّة أوجاعك، ولكنّه وجع كونيّ من جرح كونيّ، سادته خطايا الأمم بكلّ صراع وتدمير، ويستكمل بجراثيم صنّعت بوحشيّة مفرطة يعتمدونها للانقلاب الجذريّ على تاريخ تكوّن، لم يكن سيّئًا بالمطلق، وتاريخ يراد تكوينه قد يرمينا في ليال سحيقة تشبه ظلمة مذودك وقبرك، ويقولون لنا بأنّه بلا إله.

أيّ عالم يسود يا سيدي بلا إله، بلا كلمة، أي من دون سيادتك على الأرض؟ في التسعينيّات من القرن المنصرم، أتى من قال بموت التاريخ بناء على مفهوم صراع الأديان والحضارات، فجاء جوابنا، إنّ الله يموت بصراع الأديان لأنه يميت نفسه، وبموته هو يموت التاريخ. هتكوا القيم، استباحوا الخصوصيات، وقد زعموا بأنّهم يرمّمون عالمًا جديدًا واحدًا وموحّدًا بأساطير خرافية بداءتها وباء أو جرثومة، يعمدون على تحويلها إلى إله الموت.

لقد بتّ على يقين أننا أمام استباحة مجنونة لملكوت المحبة وقد جئت به بميلادك واستبقيته في قلوبنا من بعد صعودك. لم يعد الله فوق والأنام أسفل، بتجسدك صار الله معنا، حدّد سيادته الأزليّة داخل كل قلب وعبر أقلام يستكتبها بالنعمة النازلة من فوق، وفي كل فكر وجمال، في صرخات التحرّر بوجه الجور والظلم، في ثقافة تدمن الحقّ وتبثّ القيم. الله معنا فليسقط الظلم.

لم يبح أيّ دين منذ نشأة العالم، ولم تكشف أيّة حضارة بأنّ الله الخالق صار معنا وفيما بيننا. ميلادك يا يسوع الحبيب كشف لنا تلك الحقيقة، وعيوننا المتوحلة العمياء، لا تريد أن تبصر، ونفوسنا الخاطئة لا تشاء أن تتحسّس وأيادينا السوداء تأبى اللمس كما لمس توما جنبك المطعون بحربة فآمن. لو أبصرنا لواجهنا ومنعنا من سقوطنا لأنّ المواجهة هي لأجل اسمك القدوس واسم أبيك المبارك منذ الابتداء.

آلمني يا يسوع سقوط أبنائك في جدلية العلم والإيمان، وتشكيكهم بمعاني المناولة العظيمة. لا تقم عليهم هذه الخطيئة يا رب، بل انتشلهم منها وقدهم إلى برّك في يوم ميلادك العظيم، واجعلهم يذوقونك طيّبًا في الحواس واليقين لكي لا يتعثّروا ويتمرمروا. أغفر لهم خوفهم، ومن منّا لا يخاف، وقد رجوت أباك بأن تعبر عنك تلك الكأس ليلة آلامك. الآثمة الظالمون يا سيدي، أسقطوا أوبئتهم العديدة في لاوعينا، منطلقين من نظريّة سيغموند فرويد بقدرة اللاوعيّ على السيطرة على الفكر البشريّ، وقد تمّ "تأليهه"، وغرسوا بدورهم مفهوم الإنسان الخارق بوجه الإنسان الخائف المحجور في المنازل. هؤلاء يا ربّ هم من قتلواالعجزة في مدن عديدة لأنهم عبء على نظامهم الاقتصاديّ بهذا الوباء، وهم عينهم يبشّرون بسلالات جديدة لاستمرار زرع الحوف، وفي كلّ هذا يمارسون القتل العبثيّ بواسطته وهذا استكمال لمفهوم موت التاريخ أي موت الله أبيك، أي قتلك أنت من بعد ما انتصرت على الموت.

في مفهومنا يا يسوع، أنّ الموت لا يسود عليك من بعدما قمت من بين الأموات. ولأنه لا يسود عليك فهو لا يسود على من ولدوا من جنبك الطاهر، وقد أكّدت بميلادك أننا ممسوحون بالألوهة، أي مألوهون بحبّك، ومؤهّلون لنكون في لحظة رضاك معك في الملكوت. ألمي يا رب على الذين سقطوا في وحول الأوهام المزروعة ولم يقاوموها. تركوها تفتك بهم، ترجف عظامهم حتى الانكسار، تسحق نفوسهم حتى الامّحاء، أنت القائل لا تضطرب قلوبكم لا تخافوا، ثقوا إنني قد غلبت العالم. حزني أنهم لم يروا أنّك وكما كتب يونس الابن ذلك الشاعر المرهف، "المحبة والبيادر في كلّ حبّة". لو رأوك على هذا البهاء العظيم، لصدقوا أنك قائم فينا ومعنا وإلى الأبد.

لقد طوعتهم حضارة زائفة، سقطوا من شرفاتهم فباتوا عظامًا رميمة. والآن روعتهم جائحة اصطنعت لمآرب سياسية عالمية نتنة، وصدقوا أنها الحقيقة المرّة التي ستبتلعهم فاختبأوا في مخادعهم، وانحجروا في بيوتهم، فأمسوا في ضيق. هلّ أشرقت ربي عليهم نورًا في ظلماتهم ليثقوا أنك آت لتغلب الظلم والظلامة وتمنح المؤمنين بك الشفاء والعزاء والرجاء؟ ليس الميلاد سوى حب دفوق تسكبه بطهرك، وفي بلدي يا رب خائفون ومشرّدون ومضطربون وضحايا سقطت منذ اعتداء المرفأ الرهيب وصولاً إلى من يقتلون في وضح النهار وأهلهم سحقهم إجرام المتوحشين. ولأنك المحبّة، تعال يا يسوع في دياجير ليلهم، ادخل إلى بيوتهم وادعهم إلى مائدتك العظيمة أرهم كلّ حبيب وعزيز فقدوه بأن بات مواطن السماء. لا تتركهم في غمّهم ومقيمين في أحزانهم. بل اقترب منهم يا رب، ولامس جباههم، قدهم إلى مغارتك أنت ولا تتركهم مسلوحين في كهوف الخوف. أعطهم أن يكون لهم ميلاد فيك علّهم يقتنعون أنك بائد للحزن والموت والظلم.

يا سيد السلام، حينما ولدت أشرق نجم في السماء ودلّ عليك المحوس والرعاة وملوك المشرق فأتوا وسجدوا وقدموا هداياهم خاضعين لألوهيتك، حتى خاف هيرودس وقرّر أن يقتلك... في تلك اللحظة سمع الجميع الملائكة تنشد: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة". شهوتي يا سيدي أن أراك تولد فيّ، وتنزعني من ترابيتي وخوفي لتكون أنت كلمتي بين قلمي ولساني وأنا كلمتك في كل انعطافة كريمة وطيبة لك. شهوتي أن أسمع الملائكة ينشدون النشيد عينه في لحظة الولادة فيّ وفي أخصائك، لأننا سئمنا الملل والخوف والاضطرابات، قرفنا من الوباء، والجوع أضنى أبناءك وهو ناتج عن ظلم وسرقة لجنى العمر.

لسان حالنا يا رب أن تعال واسكن فينا ومعنا. سعيد عقل رآك قبل رقاده فقال "أجمل من يسوع رؤية يسوع"، أعطي الرجل قبل الانوجاد فيك رؤيتك فكانت له الشهادة وفي على أهبّة الرحيل.

"أعطنا ربّ قبل كلّ عطاء   أن نخطّ ابتسامة في سناك

كلّ ما دون وجهك الجمّ وهم  أعطنا ربّي أعطنا أن نراك".

في هذا الليل المدلهم أعطنا ربي أن نراك، لتسقط الأقنعة ونلج الحق مع سقوط الأوهام وتكون لنا ولادة جديدة فيك.

إجعل ربي ميلادك حضورًا كاملاً لك في بشرتنا واطرد الشرور المحدقة بنا، وأعطنا فرح معاينتك ليكون ميلادك فينا ميلادًا لنا في ملكوت السماوات، ملكوت الحبّ العظيم.

  • شارك الخبر