hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم

جودية: جورج عبيد بين براءة الطفولة وعدم وفاء البعض له

الأربعاء ١٧ شباط ٢٠٢١ - 10:47

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب عماد جودية: لقاءاتي مع اصدقائي من نخبة المجتمع اللبناني التي بدأتها دوريا بشكل منتظم، مرتين في الاسبوع وأحياناً ثلاث أو أربع مرات، والتي كانت تحتضنها حديقة مطعم الـ bagatelle في رأس بيروت لصاحبه رجل السياحة المميز الجنتلمان الراحل نبيل مجدلاني قبل أن تقتله جائحة كورونا. حوّلها فقيدنا الغالي جورج عبيد منذ جلستها الاولى الى "ديوانية اسبوعية" حيث طلب التجمع حول بعضنا البعض وألتقط صورة جماعية لنا ونشرها فورا على صفحته تحت عنوان "ديوانية ابو جاد". ومنذ ذلك الوقت انتظمت لقاءات الأحبة في "الديوانية" كل يومي ثلاثاء واربعاء من كل اسبوع تحت هذا المسمى. وكان حبيبنا جورج مزينها ومحركها بضحكاته العالية وصوته القوي وأفكاره التي لا تنضب.

"ديوانية ابو جاد" ضمت نخبة من الاصدقاء الكبار، الكبار أدباً وخلقاً وكفاءة ورجولة ونزاهة ووطنية نبدأ بالطبيبين الكبيرين جراح القلب منير عبيد وجراح العظم والمفاصل غسان سكاف وكانا احيانا كثيرة يتغيبان عنها نتيجة سفر الابحاث والمؤتمرات الطبية او العمل الطارئ في المستشفى، والمصرفي والمالي المميز علما وادبا وخلقا الدكتور حسن معتوق المتنقل على مدار السنة بين بيروت ولوزان مسكنه الآخر والاعلامي الراقي المتميز كفاءة عالية والمزين برجولة الحق والايمان جورج ياسمين والسياسي الادمي صاحب الحضور الاثر اللورد وسيم بزي وشيخ الأكابر رمزي يونس أحد المدراء الكبار السابقين في شركة طيران الشرق الاوسط (الميدل إيست) وابن شقيق الرئيس عون القيادي المحترم حتى الثمالة نعيم عون ، مرورا باللواء الهادئ ميشال منسى الذي كانت تليق البدلة العسكرية به وبالعميد  زخيا خوري نظرا لمناقبيتهما العسكرية العالية وتربيتهما الرفيعة ادبا وخلقا وتهذيبا ونزاهة، ونائب المتن السابق الطبيب السوبر سوبر خواجة كميل خوري، استكمالا الى المصرفي المميز الامير سلام شهاب الذي غادرنا للعمل في باريس، وقمة الاخلاق والرجولة جاك خوري (مصرف لبنان) ورجل الاعمال المهذّب جورج المر الذي منذ جائحة كورونا غادرنا الى منزله الثاني في باريس، وصولا الى السفير ناجي خليفة الذي غادرنا الى الاورغواي والمحامي ناجي عازار، وانتهاءً بختامها مسك الاعلامي ابن العائلة  الارثوذكسية العريقة جورج عبيد، وكان ينضم الى ديوانيتنا بين الحين والاخر كلما زار الاهل في لبنان صيف شتاء المحامي الكبير الصديق الفرنسي اللبناني الاصل كارول سابا المعروف في الاوساط السياسية والاعلامية على مساحة دول الاتحاد الاوروبي بفارس الحلقات الحوارية السياسية على شاشاتها  .

ديوانيتنا "ديوانية رأس بيروت" الحضارية المميزة والاستثنائية، أو "ديوانية ابو جاد" كما كان يحلو لصديقنا الراحل جورج تسميتها، تشبه الى حد بعيد "موزاييك لبنان" بتنوع ثقافته وعاداته وطوائفه ومذاهبه. كذلك تشبه المنطقة المتواجدة فيها، منطقة رأس بيروت، المنطقة الأرقى في لبنان وعلى مساحة انطاكية والعالم العربي. الكل موجود فيها والتنوع الطائفي والسياسي والفكري يغلفها ويضفي عليها جمالا لا يوجد في مناطق لبنانية وعربية أخرى. ديوانيتنا جمعت على طاولتها الارثوذكسي والدرزي والشيعي والماروني والسني من عليّة القوم الشرفاء الانقياء الاطهار. لذلك أتت "ديوانية رأس بيروت" أو "ديوانية ابو جاد" لتعطي صبغة اخرى اضافية، ضيوفها الدائمين منها والحاضرين فيها من وقت لآخر يمثلون كل الافكار وكل الاتجاهات والصداقات العميقة المبنية بينهم هي التي كانت تجمعهم حبا وفرحا واحتراما بالرغم من الاختلافات السياسية في ما بينهم والتي كانت حماوة نقاشاتها تصل وتنتقل مع الاجواء الليلية الهادئة من شارع جان دارك الى الجامعة الاميركية، واول ما يصل الى شارع بلس كان صوت الراحل الصديق جورج عبيد، صوته الجهوري الذي كان يدفعنا في الكثير من المرات للطلب منه بتهذيب لتخفيفه، ولان جورج كان ينسى ما نطلبه منه كانت منطقة رأس بيروت كلها تعلم اسباب النقاش السياسي الدائر بيننا.

جورج عبيد مثَّل "براءة الطفولة"، كان رجل ضخم بقلب طفل، ناصع البياض صافي الذهن طاهر النية، لم يكن يعرف الكراهية ولا الاحقاد، ولا مكان في عقله وقلبه للخصومة أو للعداوة، كان كلمة صادقة في كتاب الحياة، مخلصاً ووفياً، يقاتل في سبيل قناعاته ومبادئه حتى الرمق الاخير من دون ان يجرِّح بالخصم أو يطلق كلمة سوء بحق مختلف بالرأي معه. ووفاؤه هذا لمن قاتل بقلمه وفكره لأجلهم في حياته، لم يقابلوه هم بمثله في مماته حيث لم نسمع منهم كلمة رثاء واحدة له لا من كبيرهم ولا من صغيرهم. فمدرسة "اعصر وكب" هي مدرسة عريقة تتميز بها معظم قيادات المارونية السياسية منذ اتفاق الطائف الى اليوم. فلا عجب بذلك فمن كان لا خير فيه لطائفته وأهلها لن يكون فيه خير لا لجورج عبيد ولا لباقي أبناء الطوائف الاخرى ولا للوطن، فخيرهم هو فقط لعائلاتهم الصغيرة أولاً ولأحزابهم وتياراتهم السياسية ثانياً.

جورج ابن العائلة العريقة "عبيد" الضاربة في التاريخ المشرقي الانطاكي أكبر من تاريخكم المخزي، وأكبر منكم علماً ومكانة ورصانة ونزاهة وأخلاقاً ووطنية. وأنتم من هي عائلاتكم ومن هم آباءكم وأجدادكم وآباء أجدادكم.

جورج عبيد سيفتقدك أصدقاؤك الشرفاء الأنقياء أولاد العيل في الديوانية التي أرخت ستائرها مع غيابك ومع تحكم الجائحة بنا إلى حين.

  • شارك الخبر