hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - د. أنطونيوس أبو كسم

جمهورية التضحية والإنسانية حيث فشل الآخرون

الأحد ١٧ كانون الثاني ٢٠٢١ - 23:59

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إن مسألة التعرض للجيش اللبناني وإتهامه بالتقصير، ليست إلاّ كلاماً غوغائياً هدفه بثّ الرماد في العيون، هدفه ربح "سكوب" إعلامي وتحقيق نسبة مشاهدين، وإعلاء من شأن أبواق فاقدة للمصداقية والمهنية، وسط آداء قضائي مُربَكْ في قضية إنفجار ٤ آب. تقاطع الأمر مع حسابات جهات هدفها، إمّا السيطرة على المؤسسات، وإمّا تقويضها لنشر الفوضى، حيث بدا الجيش العائق الوحيد أمام هذا المخطط.

إن تركيبة الجيش العسكرية، والإجتماعية والثقافية القائمة على ثقافة التعددية والوحدة بالوطن على كافة الأراضي اللبنانية، من الصعب خرقها أو تغيير عقيدتها؛ هذا اللوبي المتنوّع والمتكامل على كافة مساحة الوطن، يُقلق أصحاب المشاريع التقسيميّة والطائفية، وتحديداً روّاد الطائفية المقنّعة بواسطة تيارات تدّعي العلم والعلمنة وتتكلّم لغة الشتيمة.

إنّ إتساع دور الجيش اللبناني ليتولى مهمات الانقاذ والإسعاف والإغاثة، وذلك كموجب أخلاقي تجاه المواطنين في أزمنة الشدة والكوارث، قد كشف عدم مقدرة المؤسسات الحكومية على القيام بدورها. فالمصداقية التي اكتسبها الجيش على المستوى الداخلي وعلى الصعيد الدولي، أقلقت المكونات السياسية التقليدية التي لم تنجح بإعلاء رصيد مصداقيتها الذي يتراجع يوماً بعد يوم. وإنّ بروز دور الجيش أتى بسبب فشل الطبقة السياسية، قابله حس المسؤولية لدى القيّمين على مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء. إن اتساع مهام المؤسسة العسكريّة يخيف جهات عدة، وقد عبّرت عن الأمر جهات سياسية لدى مناقشة فرض حالة الطوارئ.

فإذا كان الهجوم مبرمجًا أم بالصدفة، يُستهجَن سكوت مسؤولين حكوميين ورجال السياسة عن جريمة المسّ بهيبة الدولة، وكأنها فرصة مجانية للإقتصاص من قائد الجيش لأنّه ينجز أكثر مّما يتكلّم، ولأنّه رفض الدخول في بازار السياسة. إنّ نجاح كلّ شخصية تعمل في الشأن العام يتمّ ترشيحها لمواقع سياسية متقدّمة، بسبب غياب القيادات الحقيقية وبسبب ما وصلت إليه البلاد، وأن يكون موظّفٌ قياديٌّ بحجم رئيس دولة فهذا دليل عافية. والظاهر أنّ الهجوم المبرمج يستهدف موقع رئاسة الجمهورية بغضّ النظر عن الأشخاص، حيث أنّ المشروع يقوم على خلق دويلات ومناطق نفوذ حصرية من دون رأس.

على كل حال، إن القائد الحالي، لا يستقوي بـ "الرنجر" وليس لديه خطوط حمر كالتي اعتاد مؤيدو الجيش التقليديّين استعمالها عبر الزمن. فالخطوط الحمر التي وضعها جوزاف عون هي ضميره المهني في قيادة المؤسسة، حيث أن كرامة المواطن هي الخط الأحمر، والاستقواء ليس بـ "الرنجر" بل بثقة الجنود والمواطنين على امتداد الوطن.

إن القضية أبعد من أن تكون جريمة مطبوعات، هي جريمة أولاً وآخراً تُرتكب بحقّ السلطة القضائية التي تقوم بالتحقيق في انفجار المرفأ. هذا القضاء الذي يسمح أن يشاركه إعلاميون في التحقيقات لتضليل التحقيق والرأي العام، لإخفاء الحقيقة التي إذا أعلنها القضاء، سيترتّب عن الأمر إنفجار سياسي، ولهذا يسعى الجميع إلى الاختباء وراء حصانات وظيفية قد لا تحصّن ضمائرهم.

على العدالة أن تحصّن نفسها وأن تكون قراراتها قابلة للتنفيذ وليس للتسويف، كي لا تبقى حبراً على ورق الصحف، مادّة للتهكّم وللتطاول على الجسم القضائي ولإستغلال دماء الشهداء. والجميع على يقين، أنّ المؤسسة العسكرية لا تسعى لإقحام القضاء لتحصين هيبتها أو للاقتصاص من شخص طبيعي أو معنوي، فدور القضاء بديهي لحماية كرامة الدولة وليس كرامة الأشخاص.

إن مؤيدي خط الـ "لا نظام" والمتستّرين بشعارات الحرية وحقوق الإنسان، هم أعداء مفهوم الدولة والنظام وصولًا للفوضى الهدّامة لتصبح سيادة الدولة عرضة للخروقات من كل نحو وصوب.

 

إن الجيش يبقى بالمرصاد ويبقى الضمانة الأخيرة وسط الانهيار الاقتصادي والصحّي. إن من تقصّد الإساءة للجيش، قد فشل! فبدل زعزعة الثقة بالمؤسسة لقد خلق الاعتداء السافر حالة رأي عامٍ ليلتف المواطنون حول مؤسستهم ولتجديد الثقة بعناصرها. وتبقى أقلام وشاشات الحقد تدور في فلك الانتحار المقصود لمواجهة فشل مهني، حيث لا تغطي الإعلانات أزمة تمويل الحبر الاصفر. فأخطر ما يضرّ بمستوى الصحافة اللبنانية، هو فصيلة "صحافة العسس"، هذه الصحافة البوليسية التي تسعى إلى تشويه صورة الآخرين عبر فبركة أخبارٍ كاذبة في أقبية مظلمة شبيهة بمقابر الضمائر الملوّثة.

فالجيش لديه مهام أسمى من الانحدار للردّ على جوقة العسس، فالجيش هو مدرسة المناقبية، و"على الناس تعلّم الأدب من قليلي الأدب" على حدّ قول البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، خصوصاً من أولئك الذين تعجّ المحاكم على اختلافها بالشكاوى ضدّهم بسبب "الأدب والمهنيّة": وإن لم تستحٍِ افعل ما شئت.

نجح الجيش وفشل الآخرون. نجح الجيش بالدفاع عن الدستور، حيث لم يتنازل عن حبة تراب ولا عن نقطة ملح في بحر التسويات والعقوبات، ونجح الجيش بدحر الإرهاب، ونجح الجيش بالحفاظ على ديموقراطية التعبير منذ 17 تشرين، ونجح الجيش بالتدخل الإنساني جراء انفجار المرفأ، نجح الجيش بالمساهمة في إعمار بيروت الجريحة، ونجح الجيش بالتصدّي لحالة الفقر، ونجح الجيش بمكافحة الفساد والزبائنية، فانتصر معيار الكفاءة بوجه الكوتا السياسية، ونجح الجيش بأن تكون المرأة شريكاً في وظائف الدفاع، ونجح الجيش بتفشيل مخططات الإنقلاب فأطفأ نيران الحرب الأهلية، ونجح الجيش بمواجهة مافيات تهريب الممنوعات المدعومة، ونجح الجيش في إدارة شؤون عدّة مرافق حكومية منفرداً، فحقّق ما عجزت حكومات على تحقيقه، فاستحقّت مؤسسة الجيش أن تكون جمهورية التضحية والإنسانية.

  • شارك الخبر