hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

تفكيك أسرار العظمة في الولايات المتّحدة الأميركيّة

الأحد ١٢ تموز ٢٠٢٠ - 23:39

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أميركا هي الدولة العظمى الأكبر في العالم، وهي الأكثر تضرّراً بجرثومة الكورونا إصابات ووفيّات، وهي الأكثر صلابةً أساساً، وحاملة الاسم الأكبر لعدد الولايات في العالم. ويعتبر الدولار الأميركي الذي يجنّن اللبنانيين اليوم، العملة الذهبيّة المسيطرة على معظم الإحتياطات النقدية في العالم، والأكثر استخداماً في المعاملات الدولية. إنّ أكبر قيمة لورقة نقدية من الدولار على الإطلاق هي مائة الف دولار تمّت طباعتها باللون الذهبي للتعامل حصراً بين البنوك الفدرالية وليس للتداول بين الأشخاص. وأميركا هي الداعمة الأكبر للمنظمات الدولية التي تعاني الضيق والتفتّت، بعدما سحبت أيديها منها، وكان آخرها منظمة الصحة العالمية في أصعب الظروف الوبائية التي تجتاح البشرية.

فلنبق في أميركا لنفهم كيف أنّ الفرد الأميركي لا يفكّر ولا يتطلّع إلى العالم إلاّ من فوق وبشكل كبير ولافت للانتباه.

أليست أميركا مخترعة وصاحبة أكبر مطاعم ومولات في العالم، وفيها تُقدّم للزبائن أضخم صحون الطعام وأضخم همبرغر وما شئت مجاناً من من المشروبات وفق شعار:أي "عبّي من جديد" Refill

أليست أميركا صاحبة أكبر سيّارات فارهة في العالم، تجوب أوسع الجادات "الهاي واي"، وأوسع الجسور، وصانعة أكبر الثلاجات في العالم؟ أليس في أميركا، سقط أعلى برجين بطائرات نسفتها، لتصبح صورة القرن أو القرون المقبلة، وبانت وكإنّها مثل سقوط برج بابل، تبلبلت الألسن في العالم حيالها للمرّة الثانية، بعدما تبلبلت للمرّة الأولى في بلاد ما بين النهرين عندما سعى أهلها هناك لنصب سلّمٍ بهدف الارتقاء إلى للسماء؟

هل أبالغ إن كتبت، أنّ سقوط هذين البرجين رماداً جعل أميركا الدولةً صاحبة المصيبة الأكبر في العالم، بالرغم من كل الأساطير والأسرار المدفونة تحت ركام البرجين، والتي لم ينسحب دخان حرائقها بعد من الأجواء الدولية، والتي كانت سبباً في مزيدٍ من الإنقضاض على العالم ورفع الضغوط عليه، وآخرها لبنان الذي لم يخرج من دماء الحروب التي عصفت به؟

تكفي ملامح تلك العظمة؟ نعم!

يقودنا الرحيل في قراءة التصريحات والخطب والمقالات والتحليلات سلباً أو إيجاباً في الولايات المتحدة الأميركية، إلى مراكمة علامات التعجّب والاستفهام التي قد تفكّك مدلول أعمدة العظمة المطبوع في الأذهان حول صورة أميركا. إنّها بنيان واسع لتجمّعات شعوب وثقافات متنوعة من أنحاء الأرض، استقرّت هناك وحافظت على قديمها بالرغم من حداثتها المكتسبة. من الطبيعي أن تحصل هزّات عنيفة لهذه التنوّعات البشرية، لكن صلابة عظيمة تجمعها برعاية منظومة داخلية هائلة تتجاوز كلّ شيءٍ، آخر إلاّ تقديس القوانين والتشريعات والأحزاب والمؤسسات التي لا تتغيّر مهما تغيّرت العهود والأشخاص أو تبدّل الرؤساء.

أكتب هذا، وفي ذهني خلاصة انتظارات لبنانية وعربيّة وإسلامية ودوليّة واسعة، أراها  تربط مستقبل شعوبها ودولها بسؤال بسيط متداول عالميّاً اليوم: هل يُجدّد ترامب ولايته أم لا؟

أخرج من هذا السؤآل الرسمي والشعبي، إلى مقولة علمية اعتمدتها، إن لم أكن مخطئاً، هي أن الدول العظمى تاريخياً، تطبع قناعات مواطنيها فتصبح أفكارهم وتطلعاتهم وعلاقاتهم وسلوكهم  مطبوعة بحجم دولتهم الجغرافي أوغير الجغرافي المنبسط في كلّ اتّجاه. إنّها فكرة محشوّة بالإسقاطات والأحلام اللاواعية الكثيرة التي تسكن أبناء الإمبراطوريات العتيقة المندثرة، بهدف إعادة إحيائها الدائم من جديد. قد تلمسها لو صادقت يونانيّاً أرثوذكسيّاً أو تركيّاً أو إيرانيّاً.

في ضوء ذلك، كان من الطبيعي أن نُعاين هذه العظمة وذاك الاعتداد الدولي الأميركي الصاخب، وتلك العناوين الكبرى، عبر الغوص في تطلعات كبار المفكرين في أميركا وأساتذة الجامعات فيها ومراكز الأبحاث، يربطهم حبل سرّة سياسية واحدة ، وكأنّهم أحفاد أو أتباع ليو ستراوس، الصديق الحميم للويس براون صاحب المقاولات السياسية الأميركية الضخمة.

من هو ليو ستراوس؟

أستاذ جامعي من أصل يهودي، ترك المانيا النازية إلى أمريكا (1940)، كان محاضراً في جامعة شيكاغو، وأشرف على أطروحات الدكتوراه في الفلسفة التي حملت اسمه «الستراوسية» بفضل طلابه الذين تحمسوا كثيراً لأفكاره، التي يرشح منها الفكر والسلوك السياسي الأميركي، الذي قد يعاني منه الكثيرون في منطقتنا والعالم، إلى درجة سؤآل الرئيس الأسبق جورج بوش: لماذا يكرهوننا؟

ما مختصر فلسفة ستراوس؟

1- الفلسفة سياسيّة: أعاد ستراوس الاعتبار للفلسفة بمعانيها التقليدية، بعدما كادت تفقد رونقها وعظمتها أمام ضحالة الحداثة وبهرجاتها وأفكارها الرخوة، تلك الأفكار الخاصة بالحداثة طوباوية برأيه، لذا فإن تخليص الفلسفة من براثن الحداثة التي فتحت نوافذ المعرفة للعاديين من البشر، وقلّلت من شأن الفلاسفة والحكّام، يكون في جعلها مادةً كبرى تساعد في تكوين القرار السياسي العريق. إنّها شكل محرّف من تطبيق لجمهورية إفلاطون المثالية، حيث الحكّام والنخب في منظومة، وكل ما عداهم من شعوب أميركية. هم في الخارج لا يتدخّلون بالسياسة لكن هناك جيوش وأسلحة لحراستهم وفلش عظمتهم في الأرض والمحيطات والفضاءات.

2- الدين: إعتبرته الستراوسيّة ملاذ المجتمعات المتنوّعة مثل أميركا وعقيدتها الأعلى، خصوصاً العسكرية منها. فالناس، يقول ستراوس، لا يجازفون بأرواحهم إلاّ إذا كانوا موعودين بالجنّة، ولا قيمة لإشاعة الأخلاق والأفكار خارج دوائر العقيدة الدينية. الدين للعامّة من الناس. وعندما حصل ذات تاريخ إقتراح رسمي بسيط بإزالة الشعار المرفوع في العملة الأميركية "اننا نثق بالله" (IN GOD WE TRUST) كانت النتيجة أن ثار الأميركيون رافضين الإقتراح.

3- لا مكان للأخلاق في السياسة، بل كلّ الأمكنة مقبولة للخداع وفنون المراوغة والتسويف. تكاد تقتصر الحقيقة على النخب الحاكمة المؤمنة بمبدأ أنّ القوي يحكم الضعيف، بحيث لا يجب أن تصل السياسات الى خواتيمها النبيلة إلاّ بعد جرّ القادة للدخول في محور الشرّ والاستغراق فيه. المصلحة مقدّسة والتعبير الشعبي الأميركي الشائع: لا شيء مجاناً أي : Nothing is free

بهذا المعنى، أضيء على خمسة زوايا لامعة تقبض عليها نجمة الولايات المتحدة ولا تفلتها، وهي تقرع أبواب العالم وفيه ومنه الشرق الأوسط: أسلحة الدمار الشامل، الإرهاب، التهريب الدولي وتبييض الأموال، الديموقراطية، الحرية ومسألة النظم السياسية. الحريّة هي الشعار المقدّس الذي لا يُطبّق ويتطلّب أطروحات نقدية واسعة في السياسة العامّة. هذه الزوايا المضيئة معلّقة "بسلسال ذهبي" تُدخل أنظمة الدول وشعوبها أعناقها داخلها حلقات تلو حلقات، فتجد الناس والشباب يخرجون إلى الشوارع في العديد من دول العالم لتحيّة أميركا ومباركتها والبحث عن جامعاتها والعيش فيها والحصول على جواز سفرها، بينما ترى بالمقابل شعوباً مسحوقة تخرج في التظاهرات فتحرق في الساحات الأعلام الأميركية وتتواصل بال آيفونات وغيرها من المقتنيات التي تصنعها المصانع الأميركية وتغرق بها أسواق العالم. ذاك الرفض وهذا القبول يدوران صاخبين حول مبادئ خمسة ثابتة: مبدأ حصر القوة بأميركا، السيطرة على ثروات النفط والغاز، حماية إسرائيل، الحؤول دون أي قوّة عظمى أخرى من الظهور، العبث بالقيم والأديان والأوطان لمصلحة القيم الأميركية.

 

  • شارك الخبر