hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - محمد قاسم

المرسوم 9198: الامتحانات الرسمية تحت مجهر التعليم الخاص

الثلاثاء ٢٤ أيار ٢٠٢٢ - 07:43

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يسهّل المرسوم الرقم 9189 الصادر بتاريخ 18 أيار 2022، والقاضي بتعديل المادتين 4 و21 من المرسوم 5697 تاريخ 15/6/2001 (نظام الامتحانات للشهادتين المتوسطة والثانوية العامة بفروعها الأربعة) تغلغلاً سلساً لمؤسسات التعليم الخاص لوضع يدها تدريجياً على أهمّ مرفق يخصّ التعليم الرسمي ومعلّميه حصراً . ومن شأن هذا المرسوم أن يقضي على آخر صلاحية يتمتع بها التعليم الرسمي، تمهيداً لخصخصة الامتحانات الرسمية، والاستغناء تدريجياً عن أساتذة التعليم الرسمي ومهامهم التي كانت تكرّسها المراسيم والقوانين لعشرات السنين.

وقد جاء في متن المادة 2 من المرسوم: «كما يمكن أن يكلّف بهذه الأعمال (مراقبة الامتحانات الرسمية) أفراد الهيئة التعليمية في ملاكات المدارس الخاصة العاملة بشكل قانوني، إذا استدعى حسن سير هذه الامتحانات اللجوء إلى هذا التكليف، وتدفع بدلات المراقبة لهؤلاء جميعاً من الاعتمادات الملحوظة لأجراء وزارة التربية...».
بداية، لا بدّ من التوضيح أن كلّ مراحل الامتحانات، كانت مناطة حصراً بأساتذة التعليم الرسمي. وأحيانا، وللضرورة، بمساعدة أساتذة مختصين من ملاك أساتذة الجامعة اللبنانية دون سواهم. وكانت الامتحانات، عند الضرورة القصوى، تشكل ظرفاً ضاغطاً ومناسباً لتحقيق المطالب التربوية، وفي مقدّمها تعزيز التعليم الرسمي، وزيادة موازنة وزارة التربية، وتوسيع انتشار المدارس والثانويات الرسمية التي تضاعف عددها ما بين عامَي 1983 و2016 أكثر من 300%، وازداد عدد تلامذتها من نحو 20 ألفاً إلى ما يزيد على 80 ألفاً في تلك المرحلة، ما شكل تحدّياً ومنافسة جدية للتعليم الخاص الذي بنى معظم إنجازاته في مرحلة التعليم الثانوي على التعاقد مع مئات أساتذة الملاك في الثانويات الرسمية .

هذا التطوّر النوعي والكمي للتعليم الرسمي شكل تحدياً كبيراً للمدارس الخاصة ولأصحابها ولبعض مسؤولي وزارة التربية باتجاه وضع خطط ومشاريع للحدّ من هذه الاندفاعة التي باتت تهدّد بإقفال المرحلة الثانوية في الأكثرية الساحقة من الثانويات الخاصة.
لذا، ووفق خطة مبرمجة ومدروسة، جرى التضييق على الأساتذة والالتفاف على حقوقهم وإفقارهم، وإغراق الثانويات والمدارس بالمتعاقدين الذين بات عددهم يفوق عدد من هم في الملاك من دون إجراء أي مباراة لإدخالهم في الملاك لتأمين حاجة ملاك التعليم من الاختصاصات الضرورية. أضف إلى ذلك، عدم توفير الاعتمادات اللازمة لتأمين أبسط مستلزمات التعليم الضرورية والملحّة للمدارس والثانويات الرسمية لقيامها بوظيفتها وخصوصاً خلال مرحلة الإقفال القسري ومتطلبات التعليم عن بعد.
في هذا المجال، لا بد من التذكير بمشروعَي التعاقد الوظيفي والخصخصة اللذين حاولت السلطة تمريرهما عام 2006 لولا يقظة وجهوزية روابط الأساتذة والجسم التعليمي في التعليم الرسمي وموظفي القطاع العام، التي دعت إلى إسقاطهما عبر تنظيم تظاهرة وطنية عامة لهذه الغاية، من أجل حماية القطاع العام ومؤسساته من جهة، والموظفين والأساتذة والمعلمين وحقوقهم من جهة ثانية .

لكن السلطة، ومن خلفها مؤسسات القطاع الخاص وصندوق النقد الدولي، لم تتراجع عن الهدف المركزي بالانقضاض على مؤسسات الدولة والقطاع العام من خلال مشاريع وبرامج الخصخصة لقطاعات أساسية مثل الكهرباء والمياه والمرافق العامة كالمطار والمرفأ والكازينو... والمصالح المستقلة وفرض الرسوم والضرائب الخيالية في مشروع الموازنة، بهدف تجفيف مصادر القوة في هذه المؤسسات وتشويه صورتها وادّعاء عجزها لتبرير خصخصتها لمصلحة القطاع الخاص والمتمولين وأصحاب رؤوس الأموال من الداخل والخارج.
وفي هذا السياق، وفي لحظة دقيقة وحرجة تمرّ بها البلاد، ويمرّ بها القطاع العام والتعليم الرسمي، وقبل استحقاق موعد الامتحانات الرسمية بأيام محدودة، وبغفلة عن أصحاب المصلحة، أو بعدم دراية أو تطنيش منهم، تجرى عملية استكمال الالتفاف على دور الثانويات والمدارس الرسمية، وعلى حقوق الأساتذة والمعلمين فيها، وإمرار المرسوم الجديد القاضي بإشراك أساتذة التعليم الخاص لأول مرة، منذ انطلاق الامتحانات الرسمية، قبل عشرات السنوات، بوضع أسئلة الامتحانات، وذلك بضغط من اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، وتواطؤ من مسؤولين في السلطة ووزارة التربية، الذين لم يتوقفوا يوماً عن إعداد المشاريع الهادفة إلى لجم تطور التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، ومن خلال إمرار مشروع البطاقة التربوية والضمان التربوي وفق مصالحهم باستغلال الفرص السياسية المناسبة لتحقيق ذلك، إن لجهة فرض اشتراكهم بسياسات وزارة التربية وتوجّهاتها، وإمرار ما يناسبهم من سياسات وصلت أخيراً إلى تمكّنهم من الحصول على 350 مليار ليرة من أصل 500 مليار من خزينة الدولة لدعم مؤسساتهم التربوية، رغم الزيادات الجنونية والباهظة للأقساط المدرسية والتي بات العديد منها يتقاضاها بالدولار الفريش، على حساب المدرسة الرسمية التي اقتصرت مساعدتها على 150 ملياراً فقط، رغم افتقار هذه المدارس إلى أبسط مقومات التعليم ومستلزماته، ما كرّس خضوع القرار التربوي الرسمي بالكامل لإملاءات اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة ومصالح أصحابها.

من المؤسف أن ما جرى بناؤه ومراكمته في سبيل الحفاظ على موقع التعليم الثانوي الرسمي، وموقع الأستاذ الثانوي ودوره الوطني، بات يتلاشى وينحسر تدريجياً على مرأى من هم في موقع المسؤولية النقابية والتربوية والوطنية ومسمعهم بسبب تخلّي الروابط ومجالس المندوبين عن حماية هذا الموقع وتحصينه لأسباب عديدة، في مقدمها فقدانهم الخبرة والحسّ والمسؤولية النضالية، وافتقارهم إلى الثقافة النقابية، كما أن بعضهم أخذ موقعه نتيجة محاصصة سياسية وطائفية، والبعض الآخر أُسقط إسقاطاً على قيادة هذا التعليم، ولم يسبق لهم أن دفعوا أثماناً تاريخية في تطويره وتحصينه.
إن عدم التصدّي لمحاولات السلطة الانقضاض على أمجاد هذا التعليم ودوره وصلاحياته، وعدم إدراج حمايته وتطويره وتعزيز دوره وتحصين حقوق أساتذته وصلاحياتهم في سلّم أولوياتهم يجعلهم إما شهود زور أو متواطئين مع السلطة بالإجهاز على هذا التعليم وتهميش أساتذته. وكما يقول المثل الشعبي: «الأم الثكلى غير المستأجرة».
مطلوب عدم السماح للسلطة وغيرها بالقضاء على ما تبقّى من دور أساتذة التعليم الرسمي وهيبتهم، ومن إمرار مشروع خطير بمثابة مقدمة لخصخصة التعليم الرسمي ومرافق الدولة والإدارات العامة. أين الروابط والهيئات والقوى والأحزاب من هذه المؤامرة؟

الاخبار

  • شارك الخبر