hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - جورج عبيد

المحافظ زياد شبيب دخل كبيرًا وخرج كبيرًا

الثلاثاء ٢٦ أيار ٢٠٢٠ - 06:21

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

خرج محافظ بيروت "السابق" القاضي زياد شبيب من مكتبه في محافظة بيروت عالي الجبين مرفوع الرأس كما دخله منذ أكثر من ست سنوات. "فبركوا عليه ملفّات بظلم كبير، ولم يتجاسر أحد على إثباتها على أرض الواقع أو في القضاء. لم يتجاسروا لأنهم لا يمتلكونها، بل امتلكوا مجرّد قصاصات ورق مضمونها هجين، وهم عارفون في سرّهم أن فاقد الشيء لا يعطيه. وأمام هذا المعطى فإنّ زيادًا من شأنه أن يثور بوجوههم ويقذفهم بجمر الحقّ ويصفع وجوههم بمنطق القانون، إنه الجدير بأن يحاكِم الفاسدين وليس الفاسدون في لبنان من يحاكمونه أو يحكمون عليه يصفاقة، فمن ذاق استقامة الرأي بمدادها وامتدادها واتجه نحو ودادها مدرك بأنّ النظيف يعرّي القذر والمتسربل بالنور غالب للوجوه الكالحة المظلمة. شهادتنا في كلّ مكان ووظيفة تنطلق من تلك القاعدة وتجسّدها تجسيدًا ساميًا.
لن أغوص مليًّا في الكلام على زياد حتى لا أجرح تواضعه أو أهتك مروءته. ولكن من باب الشهادة للحقّ لا بدّ من الإضاءة على أمرين جوهريين قلّة عزيزة من الناس تعرفهما عن زياد.
-الأمر الأوّل أنّ زيادًا أدخل إيمانه الحقّ إلى عمق وظيفته، إنّه الاتي من رحاب كنيسة الله أنطاكية العظمى، من كنيسة المسيح الظافر، وقد فرّق في ولايته على مدينة بيروت بين الإيمان والطائفة والطائفيّة. زياد شبيب لم يدمن التفريق في الشكل بل في المضمون، فامتدّ إلى المسلمين فكسب ثقتهم ومحبّتهم بعكس ما حاول بعضهم الإيحاء في معرض التشويه. ومكتبه في المحافظة شهد على نوعية هذا الامتداد وكثافته. مستبقيًا إيمانه كإطار للمحبّة، مستذكّرًا بأن الله محبة، ورافضًا بأنّ يستهتر بالوجود المسيحيّ التاريخيّ في لبنان والمشرق، وهو القائل لأحد ضيوفه المسلمين عمري في بيروت ألفيّ سنة. فمؤسس كرسيّ بيروت هو كوارتس الرسول، وهو من الرسل السبعين وأحد الذين عاونوا بولس الرسول في الخدمة.
-الأمر الثاني أنّ زيادًا هو من كشف بؤر الفساد في بيروت لا سيّما مسألة البارك ميتر، وقد احتشدت في هذا الملفّ عناصر الفساد بشراكة مطلقة بين وزير الداخليّة السابق نهاد المشنوق، والنائب هادي حبيش، والسيدة هدى سلّوم، وأنا أحد الشهود على مساهمته البارعة والصادقة إلى جانب المسعى الذي قاده آخرون حقوقيًّا. والمفارقة أن يعيد وزير الداخليّة اللواء محمد فهمي السيدة سلّوم إلى وظيفتها وهي قيد التحقيق، فيما زياد شبيب يخرج بعد حملة مسعورة عليه، كانت مسألة المساعدات قمّتها، فيما القانون يجيز ويبيح له لكونه رأس السلطة التنفيذيّة أي البلديّة في بيروت أن يوقّع هو وليس رئيس المجلس البلديّ في بيروت وهذه هي صفة جمال عيتاني. وأوقف زياد بدوره صفقات مشبوهة، كان بعضهم يحاول تمريرها بغطاء حزبيّ (من حزبه) وبإيهام خبيث بأنّ له غطاء مذهبيًّا، فإذ بزياد يكتشف بأنّ غطاءه الحزبيّ مثقوب، والغطاء المذهبيّ معدوم، وقد حاول الالتفاف على المحافظ وعلى رئيس طائفته بمحاولته تمرير الصفقة مع رئيس المجلس البلديّ، فإذ بزياد يجهضها بعد اكتشافه بأنّ السعر يفوق بكثير ما هو مطلوب. ومن أسباب الحملة عليه أنّه أصدر قرارًا استند فيه على دراسات تاريخيّة وبناء على وثائق قديمة أعاد فيه القديس جاورجيوس العظيم في الشهداء واللابس الظفر إلى المنطقة الممتدّة من رأس بيروت إلى المدوّر ليظلّ هذا الخليج عينًا مضيئًا باسمه وليس باسم الزيتونة باي، معتبرًا بأنّ ميزة بيروت العظيمة تظهر بالفكر والثقافة والقداسة والشهادة.
وقبل الختام لا بدّ من تقييم بسيط للاجتماع الذي حصل في مطرانية بيروت. في ثلاث مقالات أظهرت بأنّ الاجتماع جمع بين طائفيتين سياسيتين بلبوس أرثوذكسيّ وكان الأرثوذكس الأقحاح فيه قلّة. لقد تبيّن وبما لا يقبل التأويل والجدل، ذلك التدحرج الواضح في الشكل والمضمون إلى متاهات وأودية لم يستوِ الأرثوذكسيون لحظة واحدة فيها، بل كانوا يحذّرون منها على الدوام، ممّا يدلّ على مأزوميّة كبرى سياسيّة وكنائسيّة يعيشها الأرثوذكس، وأسبابها عديدة، سنضيء عليها في وقت لاحق، والمأزوميّة ممدودة في قلب الكنائس المسيحيّة قاطبة.
المأزوميّة هذه تفشّت في الاجتماع الأرثوذكسيّ في بيروت، على الرغم من محاولة بعضهم من تجميلها وعدم تحميلها أبعادًا كبرى. ليست المازوميّة ناتجة من خلافات محدّدة، بل من عدم إتمام مقاربات جديّة واقعيّة تستقرئ اللحظات الجديدة المتوقّع إطلالتها، وتحدّد الوجود الأرثوئكسيّ بمنطق الشراكة في القرار، وفي رسم خريطة الوجود الجديد. الفشل الداخليّ في مقاربة مسألة محافظة بيروت والتعيينات مردّه بالإضافة إلى المازوميّة إلى أن استبقاء الأرثوذكس في حالة استيلاد دائم في كنف الآخرين أو الطوائف والمذاهب الأخرى، فكيف سيقاربون مسألة الوجود بهذا الشكل الوجوديّ والعميق؟
أكتفي بتلك الإضاءات على الواقع الأرثوذكسيّ على زياد شبيب، للتأكيد على أن الرجل لم يطلب شيئًا لنفسه، حسبه أنه تفانى في الخدمة وبذل من قلبه وعقله لتبقى بيروت العاصمة الأنموذجية في محيط عربيّ ومشرقيّ، لتظلّ لؤلؤة المتوسّط ومنارة مضيئة للعالم أجمع وللبنان جديد.

  • شارك الخبر