hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد المتقاعد طوني مخايل

المتحولون

الخميس ٧ تموز ٢٠٢٢ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

المسؤول السياسي الذي يتبؤ منصب عام أو يتعاطى الوظيفة الرسمية في الدول المتقدمة نوع واحد (أعني بالمتقدمة تلك التي يخضع مسؤوليها للقوانين ويحترمون حقوق المواطن وحريته) يصل الى السلطة نتيجة إنتخابات شفافة أساسها ومصدرها الشعب أو يُعين في مركز سلطة تعييناً رسمياً وفي الحالتين يُمارس وظيفته وفقاً للقوانين والتعليمات، يخضع لمراقبة أجهزة مختصة ويُحاسب بالقضاء الشفاف والعادل إن هو اخطأ، جريمته الصغرى عدم نجاحه في منصبه وعقوبته تكون عزله وإستبداله ويُبعد عن الوظيفة العامة لفترة طويلة، أما جريمته الكبرى فهي إستغلال منصبه لمصالح شخصية مهما كان حجمها والنتيجة في هذه الحالة العقوبة القانونية المناسبة وحرمانه نهائياً من المنصب العام.

أما في  دول العالم الثالث أو النامية ( والمقصود هنا دول قوانينها موجودة على الورق  وتُطبق استنسابياً وفقاً لإرادة حكامها) فالمسؤول السياسي والموظف العام وخاصة من المستويات العالية فهم ايضاً نوع واحد ولكن ما يميزه عن مثيله في الدول المتقدمة هو أنه متحول.

قبل البدء بالتحول يكون هذا اللاهث وراء السلطة إنسان عادي يتمتع بالصفات الحسنة من صدق، براءة، نزاهة وإحترام الغير وما سواها من الصفات الطيبة، تبدأ هذه الصفات بالتحلل عند بدء عملية التحول وصولاً الى الاختفاء عند انتهاء هذه العملية والتي تشمل عدة مراحل:

المرحلة الأولى من التحول تبدأ بطريقة وصول هذا الانسان الى السلطة، حيث يستعمل جميع الوسائل المتاحة القانونية منها وغير القانونية، يستخدم الشعارات الواقعية والخيالية، يعتمد على القوة الناعمة وفي حال الضرورة لا يوفر القوة الصلبة، يُعاهد شعبه على تحقيق جميع أحلامه وتطلعاته، يعِد الجمهور بالإنجازات والإصلاحات حتى يُخَّيل للسامع أنه مُعلم افلاطون دروس عن "المدينة الفاضلة".

المرحلة الثانية هي بلوغ جنة السلطة، بدايتها تكون صادقة وبريئة يعمل هذا الحاكم على تحقيق ما وعد به شعبه فيصطدم بحاجزين الاول عدم تناسب القدرات الاقتصادية، الصناعية  والزراعية للبلاد مع السقف العالي للوعود التي أغدقها على الناس والحاجز الثاني وهو الأقوى والأعمق فهي شبكة المافيا التي هيمنت وما تزال على مفاصل الدولة منذ تأسيسها تُساندها في السيطرة منظومة محترفة من القطاع الخاص عملواعلى إستغلال ونهب خيرات المؤسسات العامة المنتجة.

المرحلة الثالثة هي مرحلة الصراع ما بعد الاصطدام، معركته مع الحاجز الأول أي قدرات الدولة وإمكانياتها فيسهل عليه تجاوزه عبر إغداق المزيد من الوعود الكاذبة معتمداً على الذاكرة القصيرة للمواطنين وهذا الحاجز لا يهدد بالمباشر إستمراره بالسلطة أما المنازلة الحقيقية فهي مع العائق الثاني وهنا تأخذ عملية التحول منحى دراماتيكي فمصير حِكمه ومركزه على مفترق طرق فإما أن ينخرط في هذه الشبكة المزدوجة أو يواجهها.

المرحلة الرابعة هي عملية أخذ القرار بالمواجهة، الإندماج أو الإنسحاب، برهنت تجارب الحياة السياسية اللبنانية منذ عقود  إن ما نسبته ٩٠٪‏  من المسؤولين يختارون الإندماج كلياً مع عناصر الحاجز الثاني ويُشكِّلون دعامة جديدة له(أسباب الدمج عديدة ومتنوعة لا مجال لذكرها الآن) أما النسبة الباقية فتتوزع بين من إختار المواجهة وكان نصيبه الفشل والإنسحاب من الحياة السياسية ومن فضَّل الانسحاب طوعاً دون تحمل عناء الإصطدام مع هذه المنظومة.

المرحلة الخامسة والنهائية هي مرحلة التماهي الكلي للمتحولين(٩٠٪؜) أي تماثل سلوكهم، تفكيرهم، عاداتهم حتى مظهرهم الخارجي مع عناصر الشبكة القديمة ورفدها بألياف جديدة والإنتظار معها مجيء الضحية التالية.

  • شارك الخبر