hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - نسيم الخوري

القشة التي قصمت ظهر الثورة في لبنان

الإثنين ٥ تموز ٢٠٢١ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بدأت "الثورة" أو"الحراك" في لبنان في 17 تشرين الأول أكتوبر 2019 على شكل هبّة شعبيّةً عارمة نزل فيها مليون وأكثر إلى الشوارع وبانت صادمة جدّاً يومها لكنها تبدو اليوم تقليدية، لسببين أساسيين، أوّلهما لأنّها جاءت كردّة فعلً غاضبة لأمرٍ ربّما يبدو تافهاً جدّاً اليوم هو إعلان الحكومة اللبنانية فرض رسمٍ مالي بسيط على الاتّصالات المجّانية عبر تطبيق "واتس أب" الذي كان وما زال وصار يُقيم فيه معظم اللبنانيين وحتّى الثوريون في مجموعات لا عدّ لها ولا حصر، وثانيهما لأنّ ذاك الغضب جاء ملفوفاً بشعارٍ مستوردٍ ومترجمٍ ومرذولٍ هو :" الشعب يريد إسقاط النظام". هكذا أُعيدت القشّة إلى مكانها لأنّها لم تقصم ظهر البعير، إذ سرعان ما استدركت الحكومة الأمر وتراجعت عن فرض الرسم المالي، لكن الاحتجاجات استمرّت.

استمرّت في تسميات وشعارات تقليدية مألوفة أو جديدة مبتكرة وصلت ذروتها مع رفع قبضة "الثورة" في ساحة "الداون تاون" أو ساحة "بيروت مدينة عريقة للمستقبل" التي كانت معروفةً تاريخيّاً ب"ساحة الشهداء". لا تعداد للتنظيمات والفصائل والجمعيات التي تابعت المسيرة حيث وصل عددها التقديري إلى 133 مجموعة وخيمة غير متجانسة يجمعها شعار جديد صادم هو:"كلّن يعني كلّن". استفزّ هذا الشعار رؤساء الأحزاب والبرلمانيين والوزراء على تنوّعاتهم وخلافاتهم وشعروا بالمرارة والأذى ولربّما الخوف على مناصبهم وحياتهم. يُفترض القول أنّ هذا الشعار وما رافقه من مظاهرات حقّر كبار المسؤولين وأربكهم حتّى مع أفراد عائلاتهم، بعدما عاثوا في أرض لبنان والعالم فساداً منذ ال1992 بلغت روائحه الدنيا. بالمقابل، أفرح الأمر أو أرضى سرّاً شريحةً واسعة من أزلامهم ومسؤوليهم أو ممثّليهم في إدارات الدولة، بصفتهم وجدوا أنفسهم مرابعين أو موظّفين وسارقين ينهبون لأسيادهم فاتّخذوا مواقع المدافعين عن أولياء نعمتهم من ناحية، بينما راح بعضهم يسرّب الوثائق والأرقام الدامغة للإعلام على نهب الدولة مدفوعين بحقدٍ تجاه من أوصلهم إلى ما هم فيه من مناصب وجاهية وخطيرة ليس أكثر. راحت تلك الازدواجية الخطيرة تنسلّ قلقاً إلى أسيادهم في قصورهم وهم لم يكسبوا سوى فتات الأطباق والثروات المشلوحة فوق طاولات الحكم للتقاسم. بدا السارقون الكبار حزمةً واحدة لم يبق لها سوى القمع والقتل والخطف اليومي الغامض وإفراغ الخزينة عبر فذلكة الدعم الذي صبّ في جيوب التجار والوكلاء الحصريين "الكارتيلات" الضخمة. هكذا وجد الشعب نفسه جائعاً ذليلاً على أبواب المصارف ومحطّات الوقود والأفران والدكاكين و"المولات" والحوادث الدموية بالعشرات يومياً في عشوائية وفلتانٍ لا يمكن رصده وتصديق أوفهم مستقبله وتداعياته.

عندما اجتاح مئات الخبراء في المال والاقتصاد والسياسة وتدفّقت الأسماء التي لم يكن يسمع بها الناس قطعاً لا داخل لبنان ولا خارجه، تحوّلت الشاشات ووسائل الإعلام الموزّعة  طائفياً وسياسياً إلى منصّات للدفاعات الخبيثة والمغرية والمتناقضة والمدفوعة الأجور، فتهذّبت الشعارات وصارت ترتدي الأحاديث في التغيير ثياباً أكاديمية وبألسنةٍ عربية فرنسية إنكليزية ومصطلحات صعبة على الناس اللذين  نسوا شعار "كلّن يعني كلّن"  وأُسقطوا أمام تسميةٍ جديدة هي "منظومة الفساد والفاسدين في لبنان" الحديدية فتركوا أحلام التغيير بحثاً عن الرغيف وخرست ألسنتهم هروباً من القضاء والأمن والسجون في الوطن الديمقراطي المستورد.

تعكس هذه التسمية الجديدة بقعة زمنية مظلمةً عصيّةً على التغيير حتّى الآن يقودها إذن رجالات ينظّرون لوحدهم في العلوم والمناهج التاريخية والاجتماعية والنفسية أضفت على المناخ العام غموضاً أسقطته الناس من اهتمامها قابلين بظواهر الانحطاط الشامل والتغيير الصعب بل المستحيل في لبنان عبر كلّ ما هو مطروح.

"المنظومة" علميّاً هي ترجمةً لمصطلح “Système” تفترض في العلاقات خروجاً من المنطق الثنائي binaire حيث إمكانيات الفصل والعزل إلى المنطق الثلاثي Ternaire وأكثر حيث إمكانيات الجمع والتفاعل المنطقي الصلب. 

تبدو المنظومة طبيعية لها قوانينها وعلاقاتها وعوالمها مثل المنظومة الشمسية أوحيّة مثل الجسم البشري أو التجمّعات الثورية العفوية التي تتعاضد كلُّها في سبيل هدف، ونجدها في المنظومات المركبة مثل المؤسسات والدول، منفردةً أو مجتمعة، وهي مسائل شديدة التعقيد. هكذا أُدخل اللبنانيون في سيرة أهل المنظومة الصلبة دائمة التغيّر والتحوّل الإعلامي والسياسي، بحيث يصعب ضبط المتغيرات المتوقعة أو الحاصلة لأنّ متغيّرات كثيرةً أخرى تكون قد تولّدت بانتظار الضبط أو التوقّع.

تفترض المنظومة لانهائية الأشخاص والأنظمة والحالات والأهداف المشتركة المتغيرة بتغيّر عنصر واحد من الكل، لذا يصعب اكتشاف قواعد "اللعبة " الدائرة وقوانينها ومخاطرها، فيجد الثوّار أنفسهم أمام تعقيدات المنظومة المقفلة فتسحبهم نحو الكلام وانتظار المفاجآت السماوية أو الدولية.

 

  • شارك الخبر