hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

الدمعة صارت عنواناً: غداً ستشرق بيروت

الأحد ٩ آب ٢٠٢٠ - 23:52

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أهدي هذا النص إلى "بروكرستوسيّو" لبنان.

تقول الأسطورة اليونانيّة الأرثوذكسيّة، أن بروكرستوس هذا، حاكمٌ صَنَعَ لنفسهِ سريراً أراده أن يتّسع لكل أبناء بلده، فمن كان أطول منه أمر بقطع الزائد من جسمه، ومن كان أقصر منه أمر بشدّه ومطّه كي يصل إلى طوله. قتل شعبه لكنّ رجاله قاموا بطحنه.

سقطت بيروت بدمائها ودموعها الملفوفة برائحة نوويةٍ، تُصلّي بانتظار الصباح. لا كهرباء في مرفأ العاصمة المنكوبة. الناس يتعثرون بحطام بيوتهم وأدراجهم المهدّمة التي أدمنت السهر والفرح والرقص في قلب الجراح المضمّدة. وتحت دمعة مار مخايل راحوا مع الصباح يلملمون فتات بيوتهم وزهورهم وأشيائهم وصور أولادهم وأحفادهم الساهرين في العواصم البعيدة أمام الشاشات يبحثون عن عاصمتهم المنكوبة.

وكأنّنا وقعنا في خرسنا وبكائنا الأوّل قبل أن تتفجّر التأتأة فوق ألسنتنا، نبحث عن أشباه المسؤولين وأصنامهم التي لاذت بالصمت وفي شقوق الأكاذيب والتلفيقات. تسبق الدمعة نقطة الحبر ونتعثر بألعاب الأطفال والأشلاء، والمختفين تحت الأنقاض تُشيّعهم دماء الفقراء. نحن في العتمةٍ الوطنية يا تماثيل الحكم الصمّاء، وبرج الخليفة أشرق ليله ملفوفاً بعلم لبنان وقد نسفتم وسادته. ومثله قوس النصر في باريس يضيء دروبنا المحطّمة المسكونة بالوحوش.

جاء الشاب الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قلب الأحزاب العتيقة في فرنسا، كان أوّل الواصلين يمسح بقميصه دموعنا ويواسي فقرنا ويتمنا، ويعاين شعباً طيّباً رموه حكامه في بروستكروس.

تخلّعت أبواب قبرص واليونان والعالم بوحشيّتكم، وقفزنا نصرخ في جراحنا وزوايا حطامنا كما القطط المذعورة الجائعة في البلاهة والمتاهة. يا للصدفة ورفيق الحريري ينتظرالنطق بتفجيره في مثواه المؤقّت الطويل في قلب بيروت.

أكتب هذا الدم من قعر الدمع العتيق الحبيس المتفجّر من حولنا، والجهّات تسعى إلينا مثل ألسنة النار، ووحوشٌ تتجمّع في جفنتينا. وعلى رؤوس الأصابع المجرّحة تطوي بيروت لحافها الممزّق فوق اكثرمن مئتي قتيل وستة آلاف جريح، فوق الأرصفة، وفوق أدراج المستشفيات المدمّرة، والأبنية والتواريخ المبعثرة أسرارها وأدراجها بين ضبية وراس بيروت، يتوسطها مار مخايل والمدور والشوارع الوحيدة الشاهدة على ما تبقّى من وحدة أبنائنا وأحفادنا، وقد أكلوا أوساخ حروبكم يتزاوجون ويرقصون ويضجّون بالحياة، وبكلّ السحنات واللغات.

كانت الأشرفية علم لبنان الجديد تتصدره "كوزموبوليتية" رائعة تجذب شباب لبنان والعرب نحو الحداثة والمعاصرة، فأمرتم بالظلام وكان ظلام وموت فوق الظلم السياسيّ، فوق جدران الجمهورية المفكّكة، فوق الكمّامات الخانقة، وفوق كوارث الإهمال والكيد السياسي والطائفي والتقاتل على المناصب والحصص، وإذلال الناس. حتّى الحبر صار مثل البصاق.

أصابت "الرأي" الكويتية في توصيفها لزلزالنا فأسمته "بيروتشيما"، وقد قفزت الإبرة إلى هزّة 5 درجات على مقياس ريختر!

أيعرف أصنام الحكّام أن بنيامين هو الإسم الأوّل لريختر؟

عن أيّ مفرقعاتٍ تنبسون يا أبناء الموت قتلاً. حتّى الكذب تعِب منكم وتحت ألسنتكم وفي نفوسكم.

كانت هزّة هائلة في لبنان والمحيط وفي الخليج والعالم، حطّمت الدنيا وأبقت أصنامكم، وقد أدهشتم أبناء ريختر في القساوة والدرجات والأضرار والأسباب والنتائج والتوقعات. قطعت الهزّة يابسة بحر العرب، فالأشياء والأمور والخرائط والدماء تختلط اليوم في الأذهان الكثيرة لتنشر الغموض والتردّد، والتمعّن بمستقبل اللبانيين المنكوبين الساقطين في فجوات تفسيرات الدين والمغضوب عليهم في المتوسّط.

أيبقى الرعب مقيماً كأساً مترعاً بالمرارات فوق شفاهنا، وقد خرجنا من رحمٍ واحدٍ هو سدّ مأرب  وقد صُلِب عظمُنا هناك؟

لن نبكي، لأنّ "الثورة، نعم الثورة، تولد رحم الأحزان". شابات لبنان وشبابه أقوى من أحفاد ريختر.

نعم لن أبكي ولو أبكت كوارثكم حبات الرمل كلّها، وروت أجسادها بالثأر منكم بقايانا. وأشلاؤنا تصلّي وتتواصل وتحبّ وتعشق وتسهر وتنهض وتعمّر، وتعلن مجدّداً أننا زهرة المتوسّط.

يا لتراكُم الأحزان والأوطان، تمسّح الحزن والموت من فوق وجه بيروت، والأصنام ما زالت واقفة صفراء وتدسّ أيديها في جيوبنا.

يحبّون بيروت ويبكونها ويعشقونها؟

لمعت دمعةً فوق صورة صبيّة لبنانية مهاجرة في لندن، وولدها في حضنها يرفع ورقة تقول: "فلّوا تنرجع". فوجدت عنوان المقال. ذرفت دمعةً وكتبت: غداً ستشرق بيروت.

 

 

  • شارك الخبر