hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - مازن ح. عبّود

الاخلاقيات البيئية والمسيحية

الأربعاء ٢١ نيسان ٢٠٢١ - 00:38

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تعد من هنا وتعديات من هناك. ثروات حيوانية ونباتية تزول ام صارت بحكم الزوال. انّ ما يجري يدفعنا الى البحث عميقا عن جذور المسألة والسؤال عن مدى ترابط البيئة بالأخلاقيات.

لا ترتبط الاخلاقيات حصرا بالتعامل مع البشر. كما انّ الفلسفة يمكن ان تتسع كي تتضمن التعامل مع العناصر غير الانسانية للمحيط. وعلوم الاجتماع والاقتصاد والقانون والجغرافية قابلة للاتساع أيضا كي تتضمن البيئة. مركزية الانسان لا يجب ان تلغي المركزية البيولوجية التي تُعتبر جميع الكائنات الحية ذات قيمة معنوية.

المشكلة انّ المواقف البشرية لا تأخذ في الاعتبار الا المصالح الأخلاقية للناس. ولا تعطي اهمية حتى للأجيال المقبلة. وهذا ما ادى ويؤدي الى استنزاف الموارد والمحيط لتلبية ما يلزم وغالبا ما لا لا يلزم من متطلبات البشر. لكن الى متى يستمر العنصر البشري في نشر جنسه على حساب كل العناصر وبهذا الشكل، وهل من الجائز ان نستمر بمحو العناصر بهذا الشكل لراحة الإنسانية؟

كيف ينبغي للبشر استخدام بيئة الفضاء والحفاظ عليها على أفضل نحو لتأمين وتوسيع الحياة؟

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه حدود الكواكب في إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والأرض؟

اسئلة بدأت تطرح وستبقى مطروحة. ألدو ليوبولد كان سباقا في الاضاءة على الموضوع في كتابه "أخلاقيات الأرض" في العام 1949. وبعده وافى لين وايت كي يكتب “الجذور التاريخية لأزمتنا البيئية” في آذار 1967.  ومن ثمّ غاريت هاردين التي تكلمت عن “مأساة العموم” في كانون الاول من العام 1968.

 

أندرو برينان اعتبر بانه يمكن منح جميع الكيانات الأنطولوجية، المفعمة بالحركة والحيوية، قيمة أخلاقية بحتة على أساس وجودها. ومن ثمّ اتى بيتر كي يعيد رسم “الدائرة المتوسعة للقيمة الأخلاقية” لتشمل حقوق الحيوانات غير البشرية.

الكاثوليك والأرثوذكس لاقوا هذا التوجه الفلسفي والاخلاقي وأضاءوا على ما يتوجب فأتى الاعلان المشترك للبابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك المسكوني برثلماوس كي يعيد التركيز على الاخلاقيات البيئية في المسيحية (تاريخ 10 حزيران، 2002).

اعلان اتى كي يتناغم لا بل يضع الأسس الأخلاقية لوعود الالفية الثالثة التي اقرت في ايلول من العام 2000 في بيت الامم المتحدة في نيويورك. واهمّ ما تضمنه الإعلان الحدث هو انّ الله خلق عالما من الجمال والتناغم والمحبة. ووضع انسانا بروح ابدية، حر ومدرك وعلى صورة الله ومثاله في وسطه. انسان يتعاون مع الخالق لتحقيق الهدف الأسمى للخلق. فأساس الازمة البيئية والتحديات الوجودية السقوط. سقط الانسان لمّا عصا ورفض رسم وتدبير الله للكون. فكان تدمير التجانس نتيجة لذلك. وكانت الازمات الاجتماعية والبيئية نتيجة خيانة التفويض الالهي للتعاون مع الله لتتبع الخليقة بقداسة وحكمة. وانّ ارادة الله هي في اعادة التوازن المفقود الى الخليقة عبر تفعيل العلاقة ما بين الخالق والجنس البشري.

كما ورد فيه بانّ احترام الخليقة ينبع من احترام الحياة البشرية والكرامة الانسانية. انّ خلق الله للكون يجعله حكما خاضعا للنظام الاخلاقي. كما دعا المسيحيين الى التوبة لإعادة التوازن المفقود. ودعاهم الى النظر الى أنفسهم والاخرين والكون من خلال عدسة التدبير الالهي والى نشر القيم الاخلاقية والوعي الايكولوجي. فالمسألة بحسب الإعلان ليست في اساسها اقتصادية او تكنولوجية بل اخلاقية وروحية. ومن هنا ضرورة التغيير في القلب الذي سينعكس تغييرا في انظمة حياتنا وفي استهلاكنا وانتاجنا غير المستدام. كما تكلّم الاعلان عن التواضع وإدراك حدود القدرات والادراك والاحكام. وأوصى بنهج جديد وثقافة جديدة ترتكز على مركزية الإنسان في الخلق. مما يعزز التكافل والتضامن العالمي والعدالة الاجتماعية والمسؤولية، بغية تعزيز ثقافة حقيقية للحياة. ولم يغفل النص الإضاءة على حقوق الاجيال القادمة، مطالبا بالتفكير في أطفال العالم عندما تتخذ خيارات اقتصادية، والى درس القيم الحقيقية القائمة على القانون الطبيعي، واستخدام العلم والتكنولوجيا بطريقة كاملة وبناءة. أخيرا، ذكّرنا بالغريب وبأننا غرباء على الارض ومفوضون بحماية البشرية التي لا نملكها.  فنحن وكلاء على هذا الارث المشترك. ودعا المجتمعات الغنية الى تحمل العبء الاكبر والى مقاربة سلمية لكيفية العيش والتشارك. ولم يغفل تأكيد ثقته في العقل البشري وقدراته.

ثمّ اتت رسالة البابا فرنسيس العامة في ايار من العام 2015 كي تعزز هذا الاعلان. فاعتبرت بإنّ "العنف القاطن في القلب الإنساني المجروح بالخطيئة يَظهر أيضًا من خلال أعراض المرض التي نلاحظها في التربة وفي المياه وفي الهواء وفي الكائنات الحيّة". وكان البابا بينيديكتوس قد اعتبر بأنّ التدهور ناتج عن الاعتقاد بأنه لا توجد حقائق ثابتة وبأنّ ما من حدودٍ للحرّيةِ الإنسانية. فالإنسان "ليس مجرّد حرّية تخلق ذاتها بذاتها". وتابع قائلا: "تتعرض الخليقة للخطر في كلّ مرّة يكون للإنسان فيها السلطة النهائية، فيعتبر أن كل الأشياء ملكه وللاستهلاك. تبديد الخليقة يبدأ عندما لا نعترف بوجود أية سلطة أعلى منَّا".

مما لا شكّ به بأنّ البطريركية المسكونية الارثوذكسية كانت هي ايضا رائدة في هذا المضمار. فالعمل على تظهير المواءمة ما بين الارثوذكسية والبيئة بدأ مع البطريرك المسكوني ديمتريوس ومن ثم انتقل الى خلفه البطريرك برثلوميوس في العام 1991. فصارت شعارا لخدمتهم. البطريرك بارثولوميوس دعا ومنذ توليه الخدمة الى التوبة والتحفيز على الاعتراف بالخطايا ضد الخليقة. واعتبر بانّ "أيّ جريمة ضد الطبيعة هي جريمة ضد أنفسنا وهي خطيئة ضد الله". واقترح "العبور من الاستهلاك إلى التضحية، ومن الجشع إلى السخاء، ومن الهدر إلى القدرة على المشاركة" وإلى "قبول العالم كَسِرِّ شَرِكَةٍ، كنوع من المشاركة مع الله ومع القريب على نطاق عالمي".  والإنسان في الكنيسة الارثوذكسية بحسب خطاب البطريرك الانطاكي يوحنّا العاشر في يوم الصلاة من اجل الخليقة هو كاهن الكون الذي يقدّم هذا العالم إلى الله بشكر "التي لك مما لك نقدمها لك على كل شيء ومن جهة كل شيء". ومقاربة الكنيسة للعالم المخلوق هي مقاربة أسرارية. فتدمج عناصر طبيعية في العبادات الليتورجية(استعمال الزيت، والقمح، والماء). لذا فالكنيسة تشجع أبناءها على استخدام للمصادر الطبيعيّة على نحو مستدام يتكافأ مع الموارد الطبيعيّة من خلال تفعيل مسؤولية الإنسان ككاهن شكريّ.  فبحسب القديس مكسيموس المعترف الانسان يستطيع أن يعمل من الأرض جنّة، فقط إذا كان هو نفسه يحمل الجنّة بداخله.

باختصار نعتبر في المسيحية بانّ "للرب الأرض بكمالها، المسكونة وكل الساكنين فيها" (مزمور 23، 1). لذا، فانّ المسيحية تشكل أسس الاخلاقيات البيئية التي عليها يتوجب تنظيم حياتنا كبشر على هذه الأرض.

  • شارك الخبر