hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - البروفسور أنطونيوس أبو كسم

استقلال لبنان في زمن انحلال الدولة

الأحد ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢١ - 08:27

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم تشهد الجمهورية اللبنانية أزمة كتلك التي نعيشها اليوم. أزمة متعدّدة الأوجه: اقتصادية، مالية، سياسية، مؤسساتية، تربوية، اجتماعية، صحيّة وسيادية. بمناسبة ذكرى الاستقلال الثامن والسبعون، إنّ الأزمة السيادية تنبئ بالأسوأ. بالرغم من تطوّر مفهوم السيادة جرّاء اتساع العلاقات الدوليّة، إلا أنّ تدمير أركان السيادة جرّاء انحلال مؤسسات الدولة يبقى الأخطر.
إنّ سيادة الدولة الداخلية تهتزّ كلّ يوم جرّاء انتهاك سيادة القانون. بدل أن يكون القانون هو الحلّ والعنصر الناظم للمجتمع، أصبح تطبيق القانون هو المشكلة. فالتهرب من تطبيق القانون والاستقواء على القانون ممارسات قبليّة شاذّة تضرب ما تبقّى من هيبة مِرفَقَي القضاء والعدل.
المؤسسات الدستورية تتعطّل، بسبب الاستقواء على الدستور عبر انتهاك روحه، حيث أنشئت المؤسسات الدستورية لتعمل لصالح المصلحة العامة وليس لمصالح فئوية ومذهبيّة وميليشياوية. إنّ استنباط الحلول خارج المؤسسات بغية تسييرها يشكّل انتهاكاً لسيادة الدستور. إنّ كلّ تسوية سياسية تهدف إلى الانقلاب على القانون بغية تحوير وظيفته، ليست إلا مظهراً من مظاهر انحلال الدولة. فبدل أن يكون القيّمون على تطبيق الدستور والقانون بشكل عام هم رجال دولة، للأسف ليسوا إلا رجال سلطة، يعملون لدى أرباب عملٍ ينتهجون كتاب عبادة المال والسلطة.
أيّ دولة ذات سيادة، يتمّ فيها التسوية ما بين ملف قضائي مقابل ملف دبلوماسي يتعلّق بعلاقات لبنان الخارجيّة؟ أيّ دولة ذات سيادة ترتعب من تغريدة سفيرٍ أجنبيّ؟ أيّ دولة ذات سيادة يتخاطب مسؤوليها خارج المؤسسات عبر التغريدات؟ أيّ دولة ذات سيادة وصل فيها مستوى التخاطب إلى لغة الشتائم عبر التغريد؟ هناك لغطٌ ما بين تقمّص شخصيّة العصافير وما بين إتقان لغة العصفوريّة.
أيّ دولة ذات سيادة لديها جيش وطنيّ وتقبل بوجود سلاح متفلّت بيد أحزاب وميليشيات وعصابات؟ أيّ دولة تدّعي سيادة تطالب جيشها بحماية الوطن فيما تتركه جائعاً؟ أيّ دولة تدّعي السيادة يسافر مواطنوها للقتال في دول أجنبيّة للدفاع عن مصالح دولٍ أخرى؟ أيّ دولة تدّعي السيادة تحرم جنودها من زيادة بدل نقلٍ في ظلّ الغلاء الفاحش؟ أيّ دولة تدّعي السيادة، تهرّب إليها ومنها المحروقات دون حسيب بل بوجود رقيب؟ أيّ دولة تدّعي السيادة تفاوض على حدود الوطن مقابل رفع العقوبات عن سياسيين متّهمين بالفساد؟ أيّ دولة تدّعي السيادة تؤلّف حكومة فقط خوفاً من عقوبات أجنبيّة؟ أي دولة تدّعي السيادة تخاف قواها الأمنيّة من توقيف متهّم أو محكوم؟
أيّ دولة تدّعي السيادة وتطلق على المهجرين والوافدين السوريين لاجئين ونازحين؟ أيّ دولة تدّعي السيادة وتنهب أموال مواطنيها وتتهيّب محاكمة السارقين؟ أيّ دولة تدّعي السيادة والمتهمون فيها يقاضون القضاة؟ أيّ دولة تدّعي السيادة والقضاء فيها قائم على مبدأ عرقلة سير العدالة؟ أيّ دولة تدّعي السيادة وحقوق الإنسان تُنتَهكُ كلّ يوم؟ أيّ دولة تدّعي السيادة ومئات الموقوفين يقبعون لسنين في السجن من دون محاكمة عادلة؟ أيّ دولة تدّعي السيادة تخاف مواجهة ضحايا الجرائم الكبرى؟ أيّ دولة تدّعي السيادة وتخاف أن تعامل الدول الأخرى بالمثِل؟ أيّ دولة تدّعي السيادة يجوع شعبها ولا تجتمع الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بسبب مناكدات سياسية؟ أيّ دولة تدّعي السيادة لا تقرّ موازنة الدولة العامة بشكل دستوري؟ أيّ دولة تدّعي السيادة وتغلّب العملة الأجنبيّة على العملة الوطنيّة؟ أيّ دولة تدّعي السيادة وجامعاتها تبيع آلاف الشهادات المزوّرة؟
أمّا السبب الأساسي لانحلال الدولة هو فقدان سيادة الضمير وفقدان سيادة الكرامة وفقدان سيادة الإنسانية لدى أغلبيّة المسؤولين. ويبقى الاستقلال ذكرى اندحار الجيوش الأجنبية عن الأراضي اللبنانية، فيما نحتفل اليوم باندحار الأدمغة اللبنانية عن الأراضي نحو الدول الأجنبيّة.
وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وذهب الوطن!

  • شارك الخبر