hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

"إيديولوجية" الإرهاب فوق الخريطة الكونيّة

الأحد ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٠ - 23:40

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تعيدني الأحداث الأفقية والصور المؤلمة في مواضيع الإرهاب المتنقل المتعدّد الجنسيات والأصول، والذي يحطّ في الأمكنة كلّها، إلى الجذور التي إفترضناها قد سُحبِت من تربتها حتّى يباسها تحت شموس الحضارة الإنسانية المستحيلة، فإذا بها سِمة العصر السوداء المحدّدة السحنات والعقيدة . كان محفوظاً عن ظهر قلب لدى المفكّرين وكبار الكتّاب المقيمين في التاريخ، أن العنف السياسي غالباً ما يصل أو يظهر موشّحاً أو متدثراً بالرداء الديني، وذلك منذ فجر التاريخ وليس مع الإرهابيين المسلمين وحسب، مع أنّ هذه الظاهرة الجديدة المتفاقمة، تستثير الدهشة وإدانة الجميع بالطبع.

لماذا؟

لأنّ الديني مقدّس أساساً وجامع، فلا سبيل إذاً للتوفيق المستحيل بين الجهادي والمقدّس. إنّ الإرهاب المعاصر مسنوداً الى إستراتيجيات الإعلام المفتوح، جعل العالم مشرّعاً بدوره على مشهديّات الأعمال الإرهابية الوحشيّة التي تتجاوز بظواهرها نضج العقل البشري إلى حدود إنهيارات المؤسسات، وإرباك الدول، وتشتيت المجتمعات المتنوّعة، بما يتجاوز أو يتناقض مع طبيعة الحضارات ومظاهرها المترفة أوالفقيرة، التي يعيشها أبناء القرن الحادي والعشرين في أرجاء العالم.

عندما تطفو السياسة على سطح الدين يفقد الكثير من جوهره، ويبين الوجه المظلم للأديان، لا في نصوصها الأولى، بل كما يفهمها أو يحاول البشر فهمها، وليس أي نوعٍ من البشر، وخصوصاً الذين يتسلّحون بتكفير الآخرين سواء أكانوا من دينهم وملهم أم من خارجها، وينغرزون جهالةً في الأساليب الإرهابيّة، بما يشوّه الدين والتبشير بالقيم وإستقطاب الناس والرأي العام.

هكذا تحوّل الإستقطاب الإعلامي محصوراً وملهوفاً في التنافس على إظهار الصور البشعة الممعنة في القتل والتخريب والتفجير والإجرام، الذي يملأ الأزمنة والأمكنة عبر إعلام الشاشات المتنوعة الوظائف والأبعاد. صحيح أنّ ما أكتبه الآن، يأتي في ظلال ما حصل ويحصل في فرنسا والنمسا أخيراً، وأيضاً في الولايات الأميركية التي ترتجف فيها كلمة المتّحدة بسبب التهويل ومظاهر العنف، لكنّ المواقف الرسميّة المشدودة جعلتني أعزف عن كلّ ما يحصل في العالم، لأستغرق في أقاصي تاريخ إعتماد الدين وتشويهه لحجّة التغيير المدهشة منذ الأشوريين، الذين ردّدوا خمسة آلاف سنة قبل الحروب، ملاحم الكهنة السومريين القدماء الذين كانوا ينافسون الملوك على تأمين ولاء الشعب لهم.

كان الدين هو الكتف الممتدّ عبر التاريخ الذي تتكيء عليه الحروب، وتبرّر الكثير من الأفعال الدموية والوحشية والإرهابية التي تفرضها الحروب والنزاعات، وتجد في نتائجها الكارثية تفسيرات تدعم الأمل في النصر. هذا ما نجده في الحروب اليونانية أيضاً، أو الحروب بين الفرس والإغريق. لكن، كي لا يقع النص بالتبرير للمقاصد الدينية التوحيدية المحضة، يمكن أيضاً اعتبار اليهود أساساً الجماعة المؤمنة الأبرز في التاريخ، التي وصمت بالإرهاب واعتمدته بما يساوي الإيديولوجيا في الشكل والمضمون والممارسة والطقوس. وقد استمدّت شرعيته من النصوص القديمة الأولى التي وشّت التوراة، وخصوصاً عبر التجليات والحروب العنفية، التي تجاوزت الحدود الدينية مع أتباع الديانات السماوية الأخرى.

تعتبر الجماعة المعروفة باسم "السيكارين" أول وأشرس منظمة إرهابية في تاريخ الإرهاب اليهودي، والسيكاريون تسمية كانت تطلق على الخناجر الرومانية التي تسمّى "السيكا"، وقد اشتهرت في المذابح التاريخية السرية التي امتهنها اليهود في وجه الرومان. أخذ السيكاريون على عاتقهم تطهير أورشليم من علمانية الرومان، مستخدمين العنف الهائل الذي لا يمكن إعادة كتابته عرضاً، ليس ضد الرومان وحسب، بل ضد المعتدلين هناك أيضاً. وللقاريء ألاّ يقفز أيضاً فوق تاريخ الإرهاب في العصور المسيحية الأولى، وصولاً الى القرن الحادي عشر الذي انهمك فيه الغرب بالإعداد للحملات الصليبية، الى مظاهر عنف ديني وفوضى إرهابية عرفتها المجتمعات الأوروبية. كما لا يمكنه القفز فوق مسألة إرتباط الإرهاب أيضاً ببعض الجماعات الإسلامية، حيث يجد الباحث تاريخ المغول والتتار والعثمانيين والكثيرين ممن حلّلوا سفك الدماء في ما يناهض النصوص أوفي غير ما حلّله الله.

صحيح أنّ للإرهاب جذوراً ومظاهرَ ذات طابع فكري وفلسفي وسياسي يرتبط بمفاهيم السلطة. لطالما اعتبر سجّادة الحكم الحمراء، والأمر ليس بالصدفة أن تكون السجّادات التي يعبر عليها الحكام باللون الأحمر، حيث يسحبنا الأحمر لتذكيرنا بالأرواح التي أزهقت وتزهق، أي أن العنف يتحوّل إلى وسيلة مثلى من وسائل الحكم تجلّت نظرياً مع شروحات نيقولا ميكيافيللي في كتابه "الأمير". ونجده في فرنسا مع مجلّدات وأحداث الثورة الفرنسية الكبرى في العام 1789، الى الحدّ الذي نادت به باريس آنذاك المشرّعين بوضع الإرهاب على جدول الأعمال. ونجده أيضاً في إلمانيا وروسيا القيصرية والولايات المتحدة الأميركية منذ الفتك بالهنود الحمر إلى اليوم. واميركا بالذات ترتجف من بعث العنصرية والحروب الأهلية بين ديموقراطيي جو بايدن وجمهوريي دونالد ترامب، وصولاً الى الإرهاب المعاصر الذي نعاينه ونعاني منه في العراق وفلسطين ولبنان ومصر وسورية ومجمل البلدان. ما يعنيني أنّ مجمل تلك الجذور والنظريات الفكرية والمدارس الفلسفية والأفكار والديانات لم تجعل من الإرهاب إيديولوجيا كما هو حاصل اليوم فوق الخريطة الكونية.

ما يؤرّقنا جميعاً، هو بناء استراتيجيات تصحّح إنقلابات صور الإرهاب بين العرب والعالم، وتحديداً المسلمين، من دون أي معايير أو تفرقة أو تمييز، يقدّم فيها الإسلام عنواناً دينيّاً فريداً للإرهاب 20/20، وكأنّ الكلام المتدفّق صار دمغة الألسنة عن "الإرهاب الإسلامي" أو "الإرهاب المسلم" أو "المسلمين الإرهابيين"، لا فرق فيه في عقل الغرب بين عربي وعربي أو بين مسلمٍ وآخر... كلّهم أبناء إرهاب. الإرهاب طبعاً غير مبرّر لا دينياً ولا أخلاقياً ولا قانونياً. ينطوي على صراع بين نقيضين أو نقائض وقد يصبح ظاهرة صراعية متشابكة العناصر وتتمدد في التاريخ، ولها أدواتها الكثيرة لكنها تتمحور حول محور الخوف من الآخر وتخويفه وصولاً الى حدّ الفتك غير المنظّم الذي يتجاوز بعنفه قوانين الغرائز الحيوانية عند ممارسة أساليب الفتك الجماعي والتكفير والإلغاء. لكن ما لا يمكن تبريره هذا الإنقلاب الضخم في الصورة بين العرب والمسلمين وغيرهم من شعوب الأرض.

  • شارك الخبر