hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - بروفسور نسيم الخوري

إثنان فقط حكما لبنان: جمال باشا وغازي كنعان

الإثنين ٤ كانون الثاني ٢٠٢١ - 00:45

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

رؤساء الحكومة السابقون يجمعهم نادٍ، يجعلك عاجزاً عن الفصل بين "العبسة" والإبتسامة. يتجدّد الغبن العتيق مرّة في تطبيق الدستور ومرّة تغمره البشاشة والغبطة، في حنينٍ إلى عهدِ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي لم يُرْضِ طائفته وحسب، بل الطوائف اللبنانية المتنوّعة المتشابكة اليوم مع بعبدا طلوعاً ونزولاً "وهبّة ساخنة ثمّ هبّة باردة"، من دون حلّ المعضلة التاريخية التي لم يشهد التاريخ البشري مثيلاً لها أعني تأليف "الحكومة العالمية"، عفواً أقصد حكومة مهمة تناول اللبنانيين الغارقين في المستنقعات المستوردة قشّة خلاص.

يُختَصَرُ النادي في تثبيت الطائف وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة، لكنّ الكارثة هي عدم تخلّيص لبنان من التركة العثمانية الراسخة في النفوس والمتحكّمة بالسلوك السياسي البائد، الذي لم ولن "يُجَلّسهُ" دستور جديد أو إنتخابات جديدة أو رئيس جديد أو حتّى طائفة جديدة تضاف إلى طوائف لبنان ال18.

يمكن الكتابة بالصوت العالي: لن تُبدّل الإنتخابات البرلمانية المبكّرة خيطاً رفيعاً في أسمال لبنان السياسي، لأنّ لبنان عالقٌ بين شحمة الحنين الماروني النرجسي إلى سلطات ما قبل الطائف وبين زحمة الرفض السني لهذا الحنين، وبين نعمة الشيعي المشارك بمقاليد السلطة.

تقوى الحيرة وملامح الضياع بين أفرقاء يَدّعي كلّ فريق منهم بأنّه الحاكم والمحكوم، متطلّعاً إلى رضوخ الفريق الآخر الصوري لحكمه بانتظار الخارج كلّ خارج. لذا يظهر التأبّط بعذريّة دستور الطائف حتّى التبتّل، مع أنّه لم يطبّق كما الدساتير في العالم، ولم يُحتَرم ولم يعرف اللبنانيون آليةً واضحة لتطبيقه.

أستعيد توصيفاً سياسيّاً للّواء غازي كنعان الذي كان مُمسكاً بملفّ لبنان، وكأنّه الحاكم المطلق للبنان. وللمفكّر منح الصلح رحمه الله قول مأثور: "إثنان فقط حكما لبنان هما جمال باشا وغازي كنعان"، مع أنّ كنعان قال مرّةً لصديق لدى ملاقاته الرئيس إلياس الهراوي في عنجر في إحدى زياراته الى دمشق عند الحدود السورية اللبنانية: هل تعرف كيف "يكربج" محرّك السيارة فتتجمّد في منتصف الطريق؟ هذا هو وضع اللبنانيين يكرّرون أناشيد السيادة والحريّة والديموقراطية واستقلالية السلطات وتعاونها وتوازنها في لبنان، وكأنّها بلا مضامين.

كانت السلطات دوّارة فوق عجلات "الترويكا" الممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، وأي عطلٍ في عجلة تتهالك السلطات في لبنان. كانت لسوريا كنعان القدرة المباشرة على إصلاح ذات البين، وقد استمرّ هذا الوضع من العام 1989 إلى العام 2005 عام إستشهاد الرئيس الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان.

كانت السلطة الأولى قبل ذلك عبرستة قرون وكالة حصريّة بالموارنة، وبمركزية مُحْكَمة للسلطات كلّها، تدور تحت لحظ رئيس الجمهورية وفي رأسها تنفيذيّاُ رئيس الحكومة. وكي لا نستطرد كثيراً لوصف روحيّة لا آلية ولا قوانين توزيع السلطات طائفيّاً، نذكر هذه السالفة عن أحد رؤساء الحكومات الذي كان لا يمكن وصوله إلى جنّة السلطة من دون حظوة رئيس الجمهورية ورضاه. ففي إحدى الولائم الرسمية، سأل رئيس الجمهورية الماروني إذ داهمه النعاس رئيس حكومته ( إنتبه إلى حكومته) قائلاً: كم الساعة الآن دولة الرئيس؟ أجاب: "قد ما بتريد يا فخامة الرئيس".

ضحك الحاضرون بشفاهٍ مغلّفة لدى البعض بالخجل والجمر المقيم تحت الرماد. هو الشعور بالغبن المزمن من قبل السنّة، والشعور المزمن بالحرمان من قبل الشيعة والطوائف الأخرى، مقابل الشعور المزمن بنشوة السلطة وزهوها لدى الموارنة. هكذا سجلّ لبنان الحروب؟

ماذا يحصل الآن؟

يحصل ما كان يحصل ويستمرّ بالحصول، عادت وتعود كما الهواء المسموم الذي نتنشّقه، مسألة توزيع السلطات وآليات تنفيذها بين زعماء الطوائف مثنى وثلاثاً ورباعاً وسداساً فقط، إلى أزمنة التجاذب والتقاتل و"الروكبة" الثقيلة. الكلام كدمات دامية متقابلة في دستور الطائف نصاً جمع المحاور الثلاثة: المارونية والسنية والشيعية ونقطة على السطر. صارالحكم مثلثاً متساوي الأضلاع والزوايا، والكل محشور في زواياه نظرياً لكنه في الواقع مشوّه ودوّار عند التطبيق المستحيل في المنحدرات اللامنتهية. استحالته قائمة في تحاصص وتخاصص القوى الثلاثن إذ بات وبكلّ موضوعية ظهور النواب والوزراء والمديرون والمسؤولون جوائز ترضية ورهائن تابعة لسبابات رؤوساء الأحزاب ووشوشاتهم. وبدت نصوص الدستور مكتوبة مع وقف التنفيذ.

ماذا يبقى؟ اللعب بكرة الوطن في معبرٍ متشعّبٍ محفوف بمخاطر كبرى لن تنتهي، أوّلها شيوع الفراغ والسرقات والجوع وشرائع الغاب، ثمّ الجهر بالتقسيم المستحيل والفيدراليات المستحيلة والحياد المستحيل والتفاهمات المستحيلة، التي قد تفضي إلى البحث عن دستورٍ جديد يُطبَخ فوق موائد التفجير الذي سيعيدنا مجدّداً إلى الوطن المستحيل، لننشد مجدّداً لا سمح الله: "كلّنا على الوطن بدلاً من كلّنا للوطن"

  • شارك الخبر