hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

أُشرّع أقلامي وسبّاباتي في عيونكم

الإثنين ١٩ نيسان ٢٠٢١ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نحن من ذريّة هولاكو إذن، وعشواء هي السيّدة الأولى في الخرائب اللبنانية كما كتبنا في فصل التّسمية.
هولاكو أعرفه. كلّكم تعرفون عنه.
هولاكو كان أوّل المشيّعين وآخرهم لجثّة لبنان. اعتاد تشييعنا بلذّةٍ ونشوى كلّ 10 سنوات.
منذ سقوط لحظه على بغداد واليوم على بيروت، كان الحبر العربي القديم قد امتزج بمياه البصرة ساقطاً دامعاً إلى أعماق الخليج.
أيّ خليجٍ؟ سَأَلَتْ عشواء.
أُقرُّ يا سيّدتي، أنّني أعرف في الجغرافية كما عرفت سميرة توفيق في علم النفس، أو داليدا في علوم الكومبيوتر. والتاريخ لا أراه سوى مكبٍّ للقمامة في لبنان. تقضي دجاجات الدار وعصافير الدوري نهارها بل حياتها فوقه، بحثاً عن الحبوب الساقطة من مؤخّرات المواشي والحيوانات الأليفة. "مراح" واسع وطريّ تجد فيه أغراضها وغذاءها ومبتغاها، وكلّما غاصت أرجلها ومناقيرها في طراوة "السماد" وعفونته، وجدت ما تشتهيه لبناء الوطن المثال.
تاريخنا رحم يندلق بالمتناقضات المتشابهة المتقاتلة والمتلاقية كما الأفاعي في أعشاشها في نهاية المطاف. كلّ يجد في تاريخنا ما يشتهيه لأنّه لا يتغيّر ولا يتصفّى أو يتشمّس. تاريخنا مثل وطننا مرعى مفتوح غني بالرعاة من كافة الملل والأجناس والألوان والأشكال ومنه تفوح كلّ الروائح والخيارات والجنسيّات. ساحة ممدودة بلا سياج لرعاة الدنيا بأعشابها وزهورها وأشجارها وحطبها، وحتّى شعبها المفتّت المرمي مثل رغيفٍ يابس وسخ.
لا تسألينني عشواء، أي خليجٍ أقصد. سمّهِ ما شئتِ. أنسبيه على هواكِ عربيّاً أو فارسيّاً. إشربيه بملحه وأسماكه وحيتانه ومعاركه، فإنّي لست مستعدّاً لأن أصير ذبابةً تحت حذاء عابرٍ يفهم في التاريخ أو في الجغرافية.
ما يمكنني قوله اليوم، وبصراحة مطلقة، أنّني مواطن قاطن في تجويفة مظلمة إسمها الوطن، أرقص فيها من شدّة القهر، لربّما هي تجويفة ضرسٍ من أضراس هولاكو زوجك. كلّما شهق أو زفر، أو حمل قشّةً بين أسنانه منقّباً فضلات الجثث المهروسة، أو حرّك عضلةً من عضلات وجهه أو حكّ جسده، أو سعل، ترتعد فرائصي، وأتصوّر الموت سحلاً وسحقاً من تعانق الأضراس.
أنا أبحث عن ميتةٍ هادئة. وليملأ الحبر الساحات والشوارع والأفواه المفتوحة على الذباب والجوع.
أرجوكِ يا عشواء. بإِسم القضايا القوميّة العربيّة الكبرى، وبإِسم النضال العربي والعالمي، وبإِسم الثورة والكفاح المسلّح "واللي بلا سلاح"، وفلسطين التي تمّ تعميمها على أوطان العرب العابرين في تاريخ الشعوب، وإعلاناً للحقيقة ولو في ضوء شمعة فوق أنف لبنان المظلم، دعيني أتابع ولو بقيت قابعاً في تجويفة ضرس هولاكو، قبل إعلانه سحلي.
أليس الخوف من الموت اليومي أصعب من الموت؟
وسال الحبر دامعاً كما الطوفان الثاني نحو أعماق الخليج.
والأوراق التي تطايرت من كلّ الأمصار العربيّة نحو عاصمة الموت والجوع تبحث عن مجدها، إمّا سقطت في منتصف الطريق، وإمّا تراجعت خائفة مشلولةً لما آلت إليه بيروت. النزر اليسير من العرب بقي مختبئاً في غبار الصحاري توقاً لحبّة لوزٍ من ربيع لبنان. الغبار أجمل سريرٍ للتاريخ، ما ظهر التماعه إلّا مع تفتح أوراق المطابع وفوران رائحة الحبر فوق جسد هذا الطفل الصغير. لبنان مطبعة الدنيا ومشفاها وصحافتها وجامعاتها... يا للسخف!
لم تستطع ورقة عربيّة ملطّخة أن تذرف دمعةً على رحمها الأوّل القابع تحت حبّة أرزٍّ في الصين. يبدو أنّ صديقتي لا تستطيع النوم إن لم تتنشّق سماءً من الحبر، أو تعرك عذارى الورق في منتداي الذي لا يشبع من التثاؤب.
"فنّاص" لبنانكم قالها بحياءٍ واضح.
وشرّعت أقلامي وسبّاباتي في عينيه، لكنه لم يعرف أنّ "الفنّاص" نائم قائم منذ ولادته تحت ظفر سبّابة هولاكو، وخُتِمَتْ الأبواب بالنتانة والجِيَفْ.
ربّما، لا يعرف، أنّ هولاكو بعفشه وحاشيته ورجاله وزعمائه وطوائفه قاعد فينا، في حبرنا وداخل أسرّتنا، وفي جيوبنا وقصورنا الرئاسيّة المنثورة فوق التلال، وفي شاشاتنا وصحفنا ومطابعنا...ووووو الخ...

  • شارك الخبر