hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - نسيم الخوري

أبحث عن الصوت والسوط طرداً لرعاة لبنان

الإثنين ١٠ أيار ٢٠٢١ - 00:01

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أبشّرك يا أمّي بثلاث بشائر:
1- صار لدينا دعايات على الإذاعات والتلفزيونات للسندويشات في لبنان "الميديا ستيت"، وبقلب كل سندويش نصف كيلو لحمة تقريباً كما قالوا، وبطاطا وخردل وخضرة "بس" بـ ١٨ ألف ليرة، يا بلاش! يعني صرنا شعب عم نأكل بعضنا البعض... ونشبع وقاعدين ناطرين الثورة والشحاذة. ما في أحلى من هيك".
2- كان اليوم بزيارتنا وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، ترك اليوم راجع على باريس. تذكرتِ باريس مربط خيلنا؟ اجتمع في قصر الصنوبر بممثلي الثورة في لبنان وخرجوا معظمهم بعد اللقاء بمواكب سيارات ضخمة سوداء معتّمة ولامعة، ما قدرنا نعرف الفرنساوي من اللبناني. قربت الثورة المضادة يا أمّي وقرايبنا والبشر تعبوا وهم يعدوّن أعداد الثوار بالسين وبالثاء. كل يوم في سورة.
3- وعلى سيرة العتمة، طلع وزير الكهرباء البارحة وهو من بيت الغجر أو الغجري ما لحّقت أكتب إسمو، وطمأننا أننا عائدون إلى العتمة الشاملة، نعم عائدون نركّب بطّاريات بكل غرفة ونشحنها وبتصير اللمبات البيضاء معلّقة فوق كل باب. كان سعيداً هذا الغجري ويضحك عندما بشّرنا. بتتذكّري العتمة قبل ما تطلع روحك ع السماء. لبنان صار قاعد بعتمة القبر لا جسد له ولا روح.
نعم يا أمي. اللسان يدور مثل الدواليب في بلادنا، وهو أقوى من الأرض والشرف والتغيير والثورة. ألسنة ترغي في حقول اللغات في العالم، لكنّها بحاجةٍ لمن يبريها لتتّخذ شكل اليراع، أعني شكل القلم أو السبابة أو السيف أو البندقية، كي يفهم الناس ويهبّون في وجوه الهولاكيين. الحبر مجارٍ لمياه الحريّة في الحضارة، لكن الكتابة صارت تافهة في ولادات النصوص وتواريخها ونظافتها وثوراتها، وابتعادها عن القشور والمستنقعات الفاسدة قولاً وكتابةً وممارسة لتحقيق السلطات ونسف المتسلّطين كما ننتظر. منذ ما قبل الميلاد، في تاريخنا اللبناني المتعب. نحن نتمتم ونهدل مثل ذكور الحمام الجائع في الطرقات، وكأنّنا أيتام وأقرب إلى حضارة الصوت غير المفهوم. ندوخ ونتقيأ فنهلوس فور صعودنا إلى منبر.
في البدء كانت الكلمة، قال المسيح (السلام على إسمو دعيه يقرأ).
هو يذرف دموعه اليوم وكلّ يوم على لبنان واللبنانيين وسياسييهم. بلا القراءة إذن. ماذا تقولين؟ فاضت دموع المسيح بنهر الأردن الذي غُطّس وتعمّد فيه حزناً على بؤس أنسبائه وممثّليه وأبنائه والسلاطين باسمه.
كان يُودّ القول: في البدء كان الإنسان المُعدم الفقير الهائم فوق وجه لبنان، لكنه رأى الكلمة تتجرجر فوق ألسنتهم خلفه في أرض النبوءات والمعجزات، خائبةً مذلولةً فوق بيادر الأبد. فكان لا بدّ له من تهديم الهياكل فوق رؤوسهم بالسوط والصوت. انتهى الإيمان بلبنان.
لقد فلتت كلمته، وطارت حرّة، وهي تُباع في الزوايا والكنائس ثياباً مزركشة، وقبباً مذهبة، وسُلطات منهكّة، وماذا بوسع المسيح أن يفعل إذا ما التهمنا هولاكو وأولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده، والناس يرعون مثل قطعان لبنان الأخضر الجميل ليبقَ لبنان المتعفّن منذ الدهور.
وتأتيني المواعظ من أمّي في قبرها السماوي: "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك"، أو "المرء بأصغرية قلبه ولسانه".
تفلت المواعظ ويبقى اللسان حاملاً بدايات الخلق ونهاياتها.
لكِ الحق ليتني / ليتنا نلحق بكِ أفضل من أن أنقل ألوف المشاهد الإنحطاطية التي تتكدّس أمامي في لبنان. كم غاب بشر بسبب ألسنتهم وقد اختلّت موازينها؟ وكم انزلق رجالٌ ونساءٌ فوق ريق ألسنتهم نحو حبال المشانق؟ وما زال هولاكو مذ غادرت هو الحاكم بأمر السماء ومعه أولاده الكثر.

  • شارك الخبر