hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - الحدث الحدث - جورج عبيد

موقع محافظ بيروت سياسيّ وميثاقيّ

الثلاثاء ١٢ أيار ٢٠٢٠ - 06:15

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليس موقع محافظ بيروت وظيفيًّا بل هو ميثاقيّ. لم يدرك من تعاطوا مع هذا الملفّ قيمة الموقع بوظيفته ومعانيه وما يمثّله للعاصمة بيروت كرأس للسلطة التنفيذيّة فيها، وللأرثوذكس كموقع ميثاقيّ، يتجسّد فيه الدور الأرثوذكسيّ كمكوّن تاريخيّ وروحيّ شريكًا في التكوين الوطنيّ والميثاقيّ.
في مقالين سابقين، أظهرنا أهميّة الوجود الأرثوذكسيّ في المدى المشرقيّ بعامّة والخصوصيّة اللبنانيّة بعامّة، على أنّه تاريخيّ، وعمره من عمر انبثاث المسيحيّة الأولى. كان محافظ بيروت الصديق الحبيب زياد شبيب يقول عمري 1500 سنة، وحين سأله أحد ضيوفه من غير المسيحيين ماذا تقصد بهذا القول، أجاب عمر الأرثوذكسيّة في بيروت 1500 سنة. زياد على حقّ في إظهار هذا المعطى وتدوينه، وحين قرّر إعادة تسمية القديس جاورجيوس العظيم في الشهداء واللابس الظفر إلى خليجه كان منسجمًا بالكليّة مع عراقة التاريخ وصلابة الوجود والحقيقة المضيئة بعمقها، مواجهًا بتلك التسمية التزوير المتعمّد الذي مورس على مدينة بيروت ولا سيّما على خليجها بتسميته بخليج الزيتونة. ولعلّ إعادة خليج إلى شفاعة هذا القديس العظيم، وهو عاش فيها برهة، أحد الأسباب الجوهريّة في حملة المغرضين عليه، والذين استخدموا معظم الأسلحة الرخيصة زورًا وبهتانًا من دون إثباتات كاملة، ولو كانت تلك الإثباتات دامغة لتوجهوا إلى القضاء وأبرزوها بقوّة.
من الناحية التاريخيّة، قد سهى أو يسهى عن بال كثيرين وفكرهم، بأنّ موقع المحافظ أعطي للأرثوذكس كتعويض عليهم، من بعد سلبهم رئاسة الجمهوريّة أيام الانتداب الفرنسيّ. ذلك أنّ أوّل رئيسين للجمهوريّة اللبنانيّة تبوّاهما أرثوذكسيان هما شارل دباس وبترو طراد. ثمّ قدّم الموقع للموارنة من بعد إصرار منهم على اعتبار أنهم بين المسيحيين هم الأكثرية، مع خرق بسيط تمّ حين عيّن أيوب تابت الإنجيليّ وهو من بلدة بحمدون رئيسًا للجمهوريّة. ثمّ تمّ إعطاء رئاسة المجلس النيابيّ للشيعة ورئاسة الحكومة للسنة من ضمن صيغة عرفيّة كرّست طائفيّة المراكز الثلاثة، وأعطي للأرثوذكس موقعيّ نيابة رئاسة المجلس النيابيّ ورئاسة الحكومة، وهما موقعان غير تنفيذيّان، إلى أن أعطوا موقع محافظ العاصمة اللبنانيّة بيروت مع صلاحيات تنفيذيّة تتيح للمحافظ بأن يكون المسؤول الأوّل عن العاصمة محافظة وبلديّة.
يسوغ لنا ومن هذه الزاوية القول والاعتبار بأنّ موقع محافظ بيروت ليس تقنيًّا أو إداريًّا بحتًا بل هو موقع يكتسب الخصوصيّة الميثاقيّة على غرار موقع رئاسة الجمهوريّة ورئاسة المجلس النيابيّ ورئاسة الحكومة. أهميتّه تكمن هنا. وتكمن أيضًا في أنّه انتمى إلى حالة وفاقيّة تجسّدت بصورة جذريّة بين القيادات الأرثوذكسيّة وعلى رأسها مطرنية بيروت خلال رعاية المثلّث الرحمات المتروبوليت إيليّا الصليبي لها، والقيادات السنيّة منذ أيّام أبو علي سلام، ثمّ ورثها المغفور لهم صائب سلام ورشيد كرامي ورياض الصلح...
خلال وجود الرئيس رفيق الحريري على رأس السلطة التنفيذيّة شعر أرثوذكس بيروت بالغبن اللاحق بهم على مستوى الإداء في محافظة بيروت ودورهم وحضورهم في بلديّة بيروت على وجه التحديد. قبل ذلك، كان المحافظ السابق الدكتور نايف المعلوف، يملك تقديرًا كبيرًا لموقعه، كرجل حصيف ومثقّف ومحترم، وفي الوقت عينه، كان يقدّر ماذا يعني أن يكون الواحد أرثوذكسيًّا بالعمق، وهو المطلّ من عمق التاريخ البيروتيّ. استقال نايف المعلوف من منصبه وكان الرئيس الحريري يشدّد ضغوطاته حتى يستقيل، لأنّ نايف كان يقف سدًّا منيعًا بوجه مشاريع رفيق الحريري. ثمّ كان نقولا سابا الذي جاهد باستقامة لتحافظ بيروت على وجهها الميثاقيّ، وسكب عليها انتماءه الصادق لكنيسة المسيح. غير أنّ ثقل الضغوطات آنذاك، أفرغ بيروت سواء في البلديّة أو في المحافظة من هالتها الميثاقيّة الجوهريّة الرابطة بين الأرثوذكس والسنّة، إلى أن دخل الوزير السابق فؤاد بطرس على الخطّ، وعمل جاهدًا وبقوّة بينه وبين المطران الياس عودة والرئيس رفيق الحريري، لإعادة الوجه الميثاقيّ إلى بلديّة بيروت ومن ثمّ للمحافظة، فاستعادت بيروت بهذا المعنى إرثها، وأدّى الاتفاق إلى أن تتجسّد المناصفة في التمثيل البلديّ بين المسيحيين على مختلف مذاهبهم والمسلمين على مختلف مذاهبهم.
في هذا المعنى، إنّ الانكباب على تزخيم موقع محافظ بيروت بتلك الصفة الميثاقيّة، هدف استراتيجيّ لدى الأرثوذكس، علمًا بأنّ الهدف الأسمى والأسنى عندهم أن تتحقّق وبقوّة دولة مدنيّة ضامنة لحقوق المواطن وليس لحقوق الطوائف. لم يكن الأرثوذكس طوال تاريخهم طائفيين، وفي قراءاتهم ظهروا كونيين، ولم يتخلوا يومًا عن أرومتهم المشرقيّة بالمعنى الحضاريّ وجذوريتهم الإنطاكيّة بالمعنى الروحيّ، ولم ينسلخوا عن فلسطين أمّ القضايا وقبلة الحقّ التاريخيّ في حقوق الشعوب في التكوّن والانوجاد. لا يقاس عمر الأرثوذكسيّ في بيروت أو الكورة أو جبل لبنان أو وادي النصارى أو عكار أو حمص أو حوران أو دمشق... بلحظة ولادته، القديسون عندنا نعيّد لهم لحظة اشتشهادهم، لكن عمرنا في المدى اللبنانيّ-السوريّ المشرقيّ، من عمر المسيحيّة. الأرثوذكس ليست مذهبًا إنها الرؤيا الكاملة المسنودة إلى الكتاب العزيز. لم يكونوا يومًا من الأيام طائفيين بل وطنيين وعروبيين، بطريركيتهم في التاريخ مع غريغوريوس الرابع كانت ملجأ للجائعين مسيحيين ومسلمين بلا تمييز، وكان المسيح يعطى لهم مع كلّ وجبة طعام ورغيف خبز، موقف البطريرك الياس الرابع في مؤتمر لاهور الإسلاميّ وكان على رأس وفد مسيحيّ قوامه المطران جورج خضر، المونسنيور إغناطيوس مارون، غسان تويني، وشاكر أبو سليمان، (أطال الله بعمر المطران جورج ورحم البقيّة)، كان ذروة في تبنيّ القضيّة الفلسطينيّة واللبنانيّة بقوّة، وقد أظهر الموقف المسيحيّ ولم يحصره بالنظرة الأرثوذكسيّة. والبطريرك إغناطيوس الرابع ذكّر سنة 1993 بأنّ القدس وبيروت معراجنا إلى السماء... ليس هكذا يكافأ الأرثوذكس اللبنانيون والميثاقيون والمشرقيون، بأن يزدرى بهم من الشركاء، وأن يُتعاطى معهم من زاوية أنهم درجة رابعة وما دون في نظام طائفيّ تلاقت فيه الطوائف اللبنانيّة على تكوين لبنان وخدمته ورفعته ضمن عقد ميثاقيّ متكامل الأجزاء، آخذين بعين الاعتبار، وكما قال نائب رئيس المجلس النيابيّ إيلي الفرزليّ "موقع المحافظ كموقع سياسيّ وإداريّ، وبتعبير آخر ميثاقيّ".
على هذا يرفض الأرثوذكس أيّ ازدراء بهم من الآخرين أو استيلاد لهم في كنفهم. هم جاهدوا حتى لا يستولد المسيحيون جميعهم في كنف الآخرين، وحرّكوا هذا النبض منذ سنة 2007 تخطيطًا ورؤية وقراءة واندراجًا واستدراجًا، حتى ولدت مقولة تلاقي الوجدانات الطائفيّة كلّها في مسرى التكوين وشراكتها الكاملة في السلطة والدولة. إنّ دور الروم الأرثوذكس في لبنان، وبناء لما تقدّم يفترض أن يستند إلى ما قدّموه "هم" (بتخصيص) من أجل سواهم، وقد كانوا تاريخيًّا يسمّون ممثليهم في السلطة والوظائف، من خلال المثلّث الرحمات المطران إيليا الصليبي، من دون تأثير من أحد وكان السنّة يتلقّفون ذلك. والمطران الياس عودة وريث هذا التاريخ عينًا. والأهمّ في معنى الاصطفاف أن تتجلّى نوعيّة المكوِّن واندراجها بالتكوين، إذ هي تفرض نوعيّة التمثيل، فتستعاد الحقوق المهدورة مستندة على النزاهة والكفاءة كما قال بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنّا العاشر.
الأرثوذكسية طائفة اللاطائفيين حين نتحرّر كليًّا من الطائفيّة، والأرثوذكس في البنية اللبنانيّة شركاء وليسوا بأجراء، ومن حقّهم أن يبلغوا الدرجات العلى كما كتب المستشار الرئاسيّ السابق عماد جوديّة في هذا الموقع، وعلى هذا المقتضى يفترض إجراء التعيينات المنتظرة. ورئيس لبنان المشرقيّ العماد ميشال عون هو الأشدّ حرصًا ليظلّ الدور الأرثوذكسيّ راسخًا ومضيئًا من أجل لبنان مشرق واعد.

  • شارك الخبر