hit counter script

ليبانون فايلز - الحدث الحدث - هيلدا المعدراني

داني عصبيّ ومنعزل وليلى محبطة ويائسة...

الأربعاء ٩ شباط ٢٠٢٢ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يعيش داني (اسم مستعار) تحت وطأة صراع نفسي عميق وتتناتشه الافكار وليس بمقدوره اتخاذ قرار حاسم، بين الهجرة او البقاء والاستمرار في بلد الازمات المتلاحقة، هو وحيد أمه تخرّج من الجامعة منذ سنتين يعمل محاسباً في شركة قلّصت من راتبه وصرفت معظم رفاقه، فأنصرف الى العمل ليلاً في جلي الصحون بمطعم ليتمكن من الصمود، ويؤكد داني ان الأرق والتوتر يرافقانه فأضحى شخصاً منعزلاً وعصبياً لا يملك الوقت للتنزّه او صحبة اصدقائه للترفيه، بل تلاحقه الفواتير وهموم الحياة والتفكير في المستقبل.
أما ليلى المهندسة الزراعية المعروفة بذكائها وطموحها، تعيش اليوم مع جدتها وتعاني من الاحباط واليأس بعد أن كانت تضجّ بالحيوية حتى وقت قريب الى ان فقدت والدتها التي لم تتناول ادوية القلب والضغط المفقودة والتي تنقطع من وقت لآخر في السوق، كما أقفلت الصيدلية الزراعية حيث تعمل، فتحولت ليلى الى أخذ المهدئات علّها تنسيها للحظات صورة والدتها التي امسكت بيدها مودّعة اياها في سيارة الاسعاف وعيونها معلقة الى السماء.
داني وليلى هما نموذجان مصغرّان عن حال الشباب اليوم ومثلهما الآلاف، فبعد تصنيف الازمة اللبنانية من أسوأ وأشد ثلاث أزمات مالية عالمية منذ القرن 19، وارتفاع أرقام الفقر والبطالة وتدني مستوى المعيشة التي تعكسها الاحصاءات والتقارير الرسمية، وتأثيرها على نوعية الحياة اليومية للبنانيين ومعاناتهم في تأمين الحاجات الاساسية، مع فقدان الخدمات والذلّ الجماعي الذي أفرزه الوقوف في الطوابير، كلّ ذلك لا بدّ وان يترك آثاراً عميقة، فحتى لو انكفأ الناس عن التعبير أحياناً في هذه المرحلة فذلك لا يعني انهم تقبلوا الواقع.
من الصعوبة ادارة ازمة الصحة النفسية في بلد منهار على كل المستويات، فمعظم اللبنانيين يعانون اليوم من التوتر والاكتئاب والقلق حول المستقبل في ظل الشعور بالعجز وعدم الامان والتوقعات السلبية تحت ضغط عدم التحكم بظروف الحياة، اذ تبدو تفاصيل يومهم خارجة عن سيطرتهم، وبعد الصدمات المتلاحقة هم ينتظرون الاسوأ دائماً، حتى ان الحصول على العلاج النفسي أصبح نوعاً من الرفاهية.
الباحث في الشؤون الاجتماعية والسياسية الدكتور طلال عتريسي أكد في حديث لـ "ليبانون فايلز" ان "هناك اتفاقاً بين اوساط المحللين والباحثين الاجتماعيين حول وجود ازمة على مختلف المستويات في لبنان، وتأثير الازمة انها حصلت بشكل مفاجئ، حيث انتقل اللبنانيون من حياة ميسّرة ومرفّهة الى حد كبير الى وضع صعب يطال معظم شرائح المجتمع، وبطبيعة الحال فإن استيعاب هذه الصدمة او هذا الوضع الذي طرأ يحتاج الى وقت".
وأضاف: "صعوبة تأمين الخدمات وتدني القدرة الشرائية وانسداد الافق الاصلاحي، يدفع الناس الى الشعور بأنهم في نفق لا ضوء في آخره، ولا بد ان ينعكس ذلك على طريقة تفكيرهم، وطبعاً يؤدي الى انعدام الثقة لدى جيل من الشباب في البقاء في البلد الذي يفكر بالسفر بشكل دائم للتعلم او البحث عن فرص عمل، كما ان المغترب لا يفكر بالعودة وهو ما يشكل ظاهرة خطرة وخسارة لا يمكن تعويضها".
على المستوى الاجتماعي، يؤكد عتريسي ان "التردي المعيشي أنتج حال من التفكك والتراجع في العلاقات الاجتماعية التي تفرض بعض التكاليف لناحية الواجبات والتنقل، ما أدّى الى حال من العزلة وانقطاع الناس عن بعضها، وايضا من انعكاسات هذا الوضع هو عدول الشباب عن الزواج وتشكيل اسرة نتيجة النفقات الباهظة لا قدرة لهم على تحملها".
واشار عتريسي ان "كل ما تقدّم اضافة الى عوامل كثيرة سوف تؤدي بطبيعة الحال الى حركة تغيير في المجتمع ونمط الحياة، ولكن في حال الاستمرار على هذا الانهيار والتردي ربما سنشهد أثاراً كارثية أكثر".
من جهة أخرى، نوّه عتريسي بالمساعدات الاجتماعية بين الاهل والاقارب والاصحاب وتقديمات المغتربين، وحالة التعاضد والتكافل الانساني التي نشهدها في بعض الاحيان والتي هي موجودة في ثقافة مجتمعاتنا، كما اعتبر ان جرائم العنف والسرقات والابتزاز بقيت محدودة نسبياً، لافتاً الى انه بالرغم من غياب احصاءات رسمية توثّق الارقام الحقيقة لتلك الظواهر الشاذة، إلا انها بقيت ضمن سياقها ونمطها المعهود في السابق، وذلك لسيطرة الوازع الاخلاقي والديني المتأصل في مجتمعاتنا.
ودعا الدكتور طلال عتريسي الى تفعيل اجهزة الدولة والرقابة لتعزيز الثقة لدى المواطنين والتخفيف من بعض جرائم السرقة والتعديات الفردية.

  • شارك الخبر