إستمع للخبر

مع التراجع الدراماتيكي في الحراك السياسي الداخلي نتيجة تسليم الأفرقاء المحليين بعدم قدرتهم على انتخاب الرئيس بلا مؤازرة خارجية أو ضوء أخضر ما من العواصم المعنية، انتقل الاهتمام الداخلي الى الجلسة التشريعية المخصصة لمناقشة وإقرار مشروع موازنة سنة ٢٠٢٤. وبات واضحا أن أيا من أفرقاء الداخل ليس مستعدا لمغامرة سياسية غير محسوبة رئاسيا، نتيجة قناعة متأتية من أمرين:

١-غياب الإرادة الحقيقية لدى بعض الأفرقاء المقررين للخروج من الأزمة الرئاسية. يعود هذا السبب إما لعجز أو لتكاسل أو لرغبة فريق بإبقاء المقعد الرئاسي شاغرا الى حين توافّر ظروف أفضل له تمكّنه من الانخراط جديا في هذا الملف، وترجيح كفته على حساب الخصوم. في ظنّ هذا الفريق أن تغيّر الظروف سيؤدي حكما الى تبدّل في ميزان القوى، من دون أن يعني ذلك غلبة فريق على آخر. تاليا، لا بدّ أن ينعكس انتصار أي فريق على موازين القوى، واستطرادا على ازدياد ظروف مرشحين غير مرئيين راهنا.

٢-انشغال حزب الله تماما بالتطورات العسكرية وبما ستحمله الأيام من مفاجآت وتطورات سياسية لم تكن في الحسبان قبل السابع من تشرين الأول ٢٠٢٣. والحزب واضح في تأكيده أن لا كلام فبل انتهاء الحرب في غزة، مما قد يجعل التسوية الداخلية في عنق الزجاجة. وليس خافيا أن لا مصلحة لأحد من الفرقاء المؤثرين في أن تحسم الأمور رئاسي طالما أن الخرائط الجديدة لم تتضح معالمها بعد، وطالما أن الارتباط قائم بين لبنان والأزمات المحيطة به من البحر الأبيض المتوسط.

يؤمل والحال هذه أن تفعّل عواصم قرار تدخلها لبنانيا، وأن تضع في الاعتبار محدودية القدرة على التأثير المباشر في عدد من تلك الملفات المطروحة. ولم يعد خافيا أن دول المجموعة الخمس تستعد للتدخل انطلاقا من ضرورة ملء الفراغ الرئاسي لمنح لبنان القدرة على مواكبة ما يرسم خارجيا وعلى مقاومته متى ثبت أن الملف ليس عابرا.

وتتوقَّع إعادة تشغيل محركات الملف الرئاسي بما يتيح البحث جديا في تأمين الغطاء الخارجي اللازم لانتخاب الرئيس العنيد. لكن اعادة التشغيل هذا مؤجلة في المبدأ الى ما بعد جلسات التشريع المخصصة لاقرار الموازنة.