لم يكن حزب الله الذي يواجه حصاراً سياسياً واقتصادياً وعقوبات أميركية، يتوقع أن تكون الموجة المعادية ضده بهذا الارتفاع، فهو كان جاهزاً لجلسة النطق بقرار المحكمة الدولية في ٧ آب ، قبل ان يأتي انفجار مرفأ بيروت ليزيد الطين بلة، ويكشف المستور في مشاكل الحزب مع المجتمع الدولي وفي الداخل اللبناني، خصوصا ان فرضية تخزين ذخائر في العنبر رقم 12 من منطلق السيطرة الأمنية له على المرفأ طُرحت الى جانب نظريات الاستهتار وعملية التخريب.

من هنا فإن شهر آب يشكل مرحلة تحوّل بالغة الدقة في وضع الحزب وعلاقته بالقوى السياسية، التي بدأت تهتز على وقع الانفجار ومع اقتراب صدور الحكم، فيما كانت مضبوطة في السابق بفعل التفاهمات والتسويات، فهو من جهة الطرف المشار اليه عن بعد في مجالس سياسية بالاحتفاظ بالقوة الخارقة في المرفأ، وانه قادر على ادخال واخراج ما يريد عن طريق بوابات خاصة له في حرمه، كما انه سيكون في الثامن عشر من شهر آب امام قرار المحكمة الدولية بعد ان تأجل الموعد بفعل الانفجار الذي استهدف المرفأ.

اشتداد الحملة ضد حزب الله لن تدفعه الى تسليم اوراقه والاستسلام للهجوم، اذ يؤكد حلفاؤه انه في مرحلة استيعاب الصدمة والرصد السياسي، وبإنتظار ان تهدأ النفوس المشحونة من جراء الانفجار المدمر لبيروت، مع احتمال ان يكون هناك ترابط في التواريخ بين انفجار 4 آب وموعد صدور قرار المحكمة الدولية.

يعتبر حزب الله ان المحكمة الدولية مسيّسة وانه غير معني بقراراتها، وبالتالي فإن ادانة كل من سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا، الذين تعتبرهم المحكمة منفذين لعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، اضافة الى من يطلق عليه "المستر x"، وان هذه الادانة ليس لها أي "قيمة " او اعتبار لدى حزب الله وجمهوره، وسبق واكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ان "المحكمة خارج اهتمامنا ونقاشنا".

يتعاطى حزب الله مع المحكمة من البداية على أساس انها غير موجودة، هذا لا يمنع ان يكون لحكم المحكمة تأثيرات معنوية وترددات، فهو الحزب الأقوى ويمسك بمفاصل في السلطة السياسية. ووفق مصادر سياسية فإن الحزب مأزوم سياسياً، فهو محاصر بالحملات السياسية ويواجه حصار الخارج، فيما حليفه المسيحي الأساسي غير قادر على نصرته في الأزمة، اذ يتعرض التيار الوطني الحر والعهد منذ ١٧ تشرين الأول لأسوأ عبارات الإتهام بالتبعية لحزب الله.

هذا كله يجعل المشهد السياسي معقدّاً ومُربِكاً، ومن دون شك فإن فتح مسلسل الاستقالات النيابية والحكومية يوحي بمرحلة سياسية مختلفة، قد لا تكون لحزب الله أدوار رئيسية فيها. انه شهر آب الذي اتى بزلزال مدمر من صنع الطبقة السياسية وفسادها، والشهر المشؤوم على حزب الله مهما كابر. فالحصار الدولي صار أشد والحكومة تنهار، والعهد في أسوأ وضع سياسي، وحكم المحكمة الدولية في الثامن عشر من الشهر، وان لم يؤثر على حزب الله مباشرة، لكن تردداته ستكون قوية على الساحتين المحلية والخارجية.