hit counter script

ليبانون فايلز - أخبار محليّة أخبار محليّة

ما هي المشكلة في العلاقات بين المملكة ولبنان.. وبين المملكة وميقاتي؟

الثلاثاء ٥ تشرين الأول ٢٠٢١ - 06:21

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ تشكيل الحكومة اللبنانية، لا يكاد يمرّ يومٌ إلاّ ويصرّح رئيسها نجيب ميقاتي أن لا ملجأ للبنان إلاّ العرب، وأنّه يسعى إلى أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية. ولا نعرف إذا كان الرئيس ميقاتي قد حاول بالفعل التواصل مباشرةً مع المملكة أو طلب ذلك. وهناك التواصل مع مصر والأردن من أجل إمداد لبنان بالغاز والكهرباء، وهما الأمران اللذان عرضتهما الدولتان العربيّتان على لبنان قبل شهرين، أي قبل تشكيل ميقاتي حكومتَه. وقد زار رئيس وزراء الأردن لبنان قبل ثلاثة أيام للغرض نفسه. كما أُشيع أنّ رئيس الحكومة ربّما يزور الأردن ومصر.. والكويت.

لقد بدا أنّ هناك "استعصاء" فيما يتّصل بالعلاقات بين المملكة وميقاتي على الرغم من تصريحاته المتكاثرة. فتشكيل الحكومة قوبل بصمتٍ مطبقٍ من الجهة السعوديّة، والسفير السعودي في لبنان غادر إلى المملكة من دون أن يتواصل مع رئيس الحكومة الجديد. وبدلاً من أن يستدير ميقاتي باتجاه مصر أو الأردنّ لوصله بالمملكة، زار فرنسا والرئيس ماكرون أوّلاً للشكر على الإسهام الفرنسيّ في تشكيل الحكومة، والتفكير معه في كيفيّة الانطلاق لمواجهة الأزمات المتراكمة، والإصلاحات، والذهاب إلى صندوق النقد الدولي. ووصل إلى لبنان بيار دوكان مبعوثاً من ماكرون للبحث في إمكانيّات وفرص المساعدة الفرنسية.

إنّما الأهمّ بين نتائج زيارة رئيس الحكومة فرنسا توسيطه لماكرون للحديث مع المملكة (!). فقد تحدّث الرئيس الفرنسي هاتفيّاً إلى وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عدّة أمورٍ، من بينها إمكان زيارة ميقاتي المملكة من أجل طلب المساعدة. ولأنّ المحادثة ما كانت مثمرةً، فيما يبدو، فقد أعلنت فرنسا أنّ وزير الخارجية الفرنسي لودريان (بعد جوزيب بوريل مفوّض العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي) سيزور المملكة في الأيام القليلة القادمة.

ما هي المشكلة في العلاقات بين المملكة ولبنان، وبين المملكة وميقاتي؟

الأزمة في العلاقات مع لبنان بدأت في الحقيقة منذ مجيء ميشال عون إلى الرئاسة عام 2016. فصحيح أنّ عوناً زار المملكة، وجرى التفاوض على اثنين وعشرين مشروع اتّفاق للمساعدة، إلا أنّ رئيس الجمهورية وصهره انضويا تماماً في المحور الإيراني. وفيما كان زعيم حزب الله يقود الحرب الحوثيّة ضدّ المملكة من الضاحية الجنوبية لبيروت، بإعلاناتٍ تتكرّر أسبوعيّاً، كان الرئيس عون يصرّح في لبنان، وفي مؤتمر القمّة العربيّة بالأردن، ومن الأُمم المتحدة، أنّ لبنان محتاج إلى سلاح ميليشيا الحزب لأنّ الجيش ضعيف، وسيظلّ هذا السلاح مشهوراً حتى نهاية أزمة الشرق الأوسط. وقد قوبلت تصريحات زعيم الحزب، وتصريحات وتصرّفات رئيس الجمهورية وصهره بصمتٍ تامٍّ من سائر أطراف النظام السياسي. وهكذا تأزّمت العلاقات إلى ذروةٍ غير مسبوقةٍ، وتجلّت في معاتبةٍ قاسيةٍ لرئيس حكومة عون الأولى سعد الحريري، في تشرين الثاني من عام 2017، دفعته إلى الاستقالة من الرياض، ثمّ العودة عن الاستقالة على أثر عودته إلى لبنان، وتمتّنت علائقه بالرئيس وصهره كما من قبل وأكثر، وتحالف معهما في انتخابات عام 2018، من دون أن ينبس ببنت شفة لا عن تغوّل حزب الله ولا عن تغوّل عون وصهره على الوطن والدولة وعلاقات لبنان بالعرب. وهكذا تفاقمت قطيعةٌ بين العهد العونيّ والمملكة، لم تخفِّف من وقعها مقابلةُ وليّ العهد السعودي للرئيس الحريري بعدها مرةً أو مرّتين.
ولكي لا تطولَ القصّة، فإنّ المملكة رحّبت (وإن ليس علناً) باستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة بعد بدء الانهيار وقيام الثورة عام 2019، باعتبار أنّ هذا العهد شرٌّ ودمارٌ على لبنان والعرب، ولا يجوز الاستمرار في التعاون معه. وقد عوقِب سعد الحريري على خروجه المؤقّت من تحت عصا الحزب وصولجان عون، بالمجيء بحسّان دياب رئيساً لحكومةٍ شكّلها الحزب وجميل السيّد وجبران باسيل. وهي الحكومة التي دفشت الانهيار وفاقمته، وزَعَم رئيسها أنّ الفساد عمره ثلاثون عاماً، وأنّ العهد والحزب غير مسؤولين، ورفض دفْع فوائد دَين لبنان الخارجي دونما تفاوضٍ على إعادة الهيكلة، وأعلن، كما طلب منه زعيم الحزب، ضرورة التوجّه إلى الاقتصاد المشرقي. ولكنّه استقال بعد تفجير مرفأ بيروت، الذي قضى بعده قرابة عامٍ رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، ثمّ انتهى أمره متّهَماً بالمشاركة قصداً في تفجير المرفأ. فكانت تلك مكافأة على الرضا بالقعود تحت الكراسي، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله!

ماذا فعل سياسيّو السُنّة بعد درْس الحريري وحسّان دياب معاً؟

من دون أن يستشير الرئيس الحريري أحداً مضى إلى التلفزيون، وأعلن أنّه "مرشّح طبيعي" لرئاسة الحكومة. وما كان السعوديّون يؤيّدون هذه الخطوة، ويرون أنّها عبثٌ عابثٌ، وأنّها ستُقابَلُ من عون وصهره... ومن الحزب، بالتنكّر والنكران والاستهداف. ثمّ إنّهم بعد أربعة أشهر أو خمسة من الذهاب والإياب إلى قصر فخامة الرئيس، نصحوا سعداً بعرضٍ أخيرٍ فالاعتذار. لكنّه استمرّ في نفس الدوّامة أربعة أشهُرٍ أُخرى، وعندما اعتذر أخيراً بدا اعتذاره هزيمةً مدوّيةً له وللسياسيّين المسلمين (ومنهم ميقاتي) الذين دأبوا خلال فترة المراوحة الطويلة على إصدار الإدانات لرئيس الجمهورية لمخالفته للدستور، ولأنّه لا يأبه لجوع الشعب ومصائبه.

لقد سمعتُ من مصدريْن، قبل شهرٍ ونيّف من اعتذار الحريري، أنّ الرئيس ميقاتي يطمح إلى تولّي رئاسة الحكومة، وأنّه سيبلغ ما لم يبلُغْهُ سعد في القدرة على التشكيل. والسعوديّون (الذين لم يستشِرهم أحد) كانوا يكرّرون أنّ ترشّح سعد ما كان خطأً بل خطيئة، وأنّه لا يجوز ترشّح أحدٍ من بعده إلى نهاية عهد عون، وأنّه لا بدّ من الاجتماع بدار الفتوى وإعلان مقاطعة الرئيس والمطالبة باستقالته أو إقالته.

لقد ظننتُ أنّ الأمر سائرٌ بهذا الاتّجاه، وبخاصّةٍ أنّ الحريري عندما اعتذر قال إنّه لن يرشِّح أحداً، ثمّ اجتمع الأربعة من رؤساء الحكومة السابقين في بيت سعد الحريري، بعد أيّام، وأعلنوا في بيانٍ عرمرميٍّ تضمّن خمسة عشر بنداً، تفوق معلّقة عمرو بن كلثوم، عن ترشيح نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، وهو الذي "نجح" في التشكيل بعد ثلاثة عشر شهراً على خُلُوّ المنصب.

أصرّ سعد الحريري على المبادرة الفرنسية التي تتضمّن وزراء اختصاصيّين غير حزبيّين، وبرنامجاً إصلاحيّاً شاسعاً وجذريّاً. وما استطاع التشكيل على هذين الأساسيْن. فماذا فعل ميقاتي (الذي رشّحه الفرنسيون أيضاً وأرْضَوا الحريري بالقول: تعود بعد الانتخابات)؟ تجاهل بالطبع الركن الأوّل، فجاء بوزراء تابعين، معظمهم ليسوا من أهل الاختصاص، وليسوا ذوي خبرة أو سمعة حسنة، باستثناء اثنين أو ثلاثة. وهكذا ما كان نجاح ميقاتي بسبب توافق الفرنسيّين والإيرانيّين عليه فقط، بل ولأنّه أرضى الرئيس وصهره بالمجيء بتابعين لهما. هؤلاء إذن موظّفون وليسوا صانعي سياساتٍ أومستقلّين في هذه الظروف الصعبة جدّاً: فهل يستطيعون المضيّ في الركن الثاني: الركن الإصلاحيّ؟! إذن فالاعتماد على ميقاتي وحده، وعليه أن يكونَ وزير كلّ الوزارات التي يكون عليها أن تنفّذ سياسات إصلاحية، بعضها نوعيّ. فهل يستطيع ذلك تحت عيون الفرنسيّين والأميركيّين وحزب الله والرئيس وصهره، وهي جهاتٌ متناقضةٌ ومتصارعة؟ ثم إنّ الخطوات الأولى للحكومة ما كانت ناجحة. سفن الحزب الإيراني ومازوته يدخل لبنان من دون إذنٍ ولا دستورٍ، والسُلَف للكهرباء عادت في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء. والإصلاحات التي ينبغي أن تحصل للمُضيّ إلى صندوق النقد الدولي لا يمكن إنفاذها لأنّ عوناً والحزب ضدّها، أو هكذا كانوا أيّام حكومة حسان دياب، التي شكّلوها بأنفسهم، ومن ضمن التشكيل العبقريّ اكتشاف حسّان دياب نفسه.

استماتة ميقاتي سعوديّاً
هذه قصّة طويلة، فلنعُد إلى استماتة الرئيس ميقاتي في التواصل مع المملكة. نصيحة المملكة، منذ سنةٍ وأكثر، هي عدم التعاون مع عون والحزب لأنّ في ذلك مزيداً من الخراب للبنان، ولعلاقاته مع العرب. هم كانوا ضدّ ترشيح مصطفى أديب، ثمّ ضدّ ترشيح سعد الحريري، وبالطبع ضدّ حسان دياب، واليوم وغداً ضدّ ترشيح ميقاتي وتشكيله حكومة، وكلّ ذلك ليس لحزازات شخصيّة، بل من أجل المصلحة الوطنية اللبنانية.

هو خرابٌ مشرّع الأبواب، فلماذا تتحمّلون مسؤوليّاته مع صانعيه أيّها الأفذاذ؟ لماذا لا تُحدِثون بإبائكم صدمةً تدفع باتّجاه إنقاذ النظام وليس الاستسلام لاستمرار الانهيار بزعم ضرورة حضوركم بأيّ شكل؟!

استماتة ميقاتي سببها أنّه حيثما يتحرّك يجد نفسه بحاجةٍ إلى المال الخليجيّ، وإلى النفوذ الخليجيّ، حتى في المؤسّسات الدولية. فالفرنسيّون عندهم مشروعات بحسب مؤتمر "سيدر" وما بعده، ويريدون عقوداً من حكومة بلادٍ مفلسة. وعندهم خطط للحلول محلّ الولايات المتحدة في لبنان والعراق، وربّما سورية، ولو كلّفهم ذلك شراكات مع الإيرانيين ومع الروس. والسعوديّون والعرب الآخرون يريدون أن تكون لدى ميقاتي القدرة على التمايُز عن الحزب المسلَّح ومحوره، وعلى التمايُز عن عون وصهره وعدوانيّتهما وفسادهما. وها هي الأزمة قد بدأت مع الحزب، كما ذكرنا (في المازوت الآتي من إيران، وفي تحقيقات تفجير المرفأ)، ومع عون وصهره (في الهيئة الناظمة لإدارة الكهرباء بالقانون الذي لم يُنفّذ منذ عام 2002، والضروريّ جدّاً لإصلاح الكهرباء). إنّ هذا الفشل والإنكار لا يتحدّث عنهما العرب والدوليّون وحدهم، بل يتحدّث عنهما أيضاً البطريرك بشارة الراعي في عظاته، وآخرها يوم الأحد في 3/10/2021.

ليس من آمالٍ عراضٍ بإمكانيّات نجاح الحكومة. والسعوديّون (بل والأميركيّون والعرب الآخرون) لا يريدون وما عادوا يقبلون بصبّ الماء في المناخل والقِرَب المفخوتة. وهذه مصر، ومن ورائها الأردن، وقد ساعدوا (أعني المصريين) منذ بداية الأزمة الساحقة، قد بدأوا يتذمَّرون وتساورُهم الشكوك بسبب التنمّر والعبثيّة.

إنّما هل يترك العرب لبنان لمصيره؟ أم هم ينتظرون نهاية عهد عون، وتعقُّل الحزب المستشرس منذ احتلال بيروت عام 2008؟

إن كانوا قد فكّروا في ذلك فهُمْ لن يقولوه لوزير الخارجية الفرنسي ولا لبوريل. هم يعرفون أنّ الأوروبيين شُطّار في المساعدات الإنسانية، وفي تدريب الشبّان على الثورة أو التغيير بالانتخابات. لكنّهم لا يضعون أيديهم في جيوبهم أعمق.

ربّما يقول العرب ويعنون ذلك بالفعل: دعونا ننتظر فترة المئة يوم التي تُعطى لكلّ الحكومات الجديدة في العالم. فإن لم نَرَ شواهد على توجُّهاتٍ جديدة ومثمرة للشعب اللبناني وللدولة اللبنانية، فلا أقلّ من أن نَدَعَ الحكومةَ وشأنها، وننصرف لمساعدة اللبنانيين في الاستشفاء والتعليم والحاجات الأساسية الأُخرى، التي ضيّعها العهد الميمون وحزبه المسلَّح:

وطنٌ تفرّق أهله فتقسّما

ورجاله يتشاجرون على السما

والهرّ في أوطانهم يستأسدُ

رضوان السيد - اساس ميديا

  • شارك الخبر