hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - أخبار محليّة أخبار محليّة

العبسي: شهوة المال والسلطة تفسد الانسان...

الأحد ١٠ كانون الثاني ٢٠٢١ - 12:22

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ترأس بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي القداس السنوي بمناسبة السنة الجديدة وعيد الغطاس في كنيسة القديسة حنة البطريركية في الربوة .عاونه لفيف من الكهنة والاكليريكيين . مع الالتزام باقصى درجات التباعد وبكامل التعليمات والتوجيهات المرافقة للحد من انتشار جائحة كورونا .
وبعد الانجيل المقدس تلا العبسي رسالته السنوية وجاء فيها
في هذا الأحد الذي يلي ظهورَ ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوعَ المسيح واعتمادَه في نهر الأردنّ تتلو الكنيسة إنجيل متّى الذي يتكلّم عن بداية رسالة يسوع العلنيّة التبشيريّة . وكما سمعنا: "منذئذ ابتدأ يسوع يكرز ويقول ’توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات‘". وبين ظهور يسوع وبدء رسالته يورد الإنجيليّ متّى وكذلك مرقس ولوقا حدثًا إنجيليًّا هامًّا هو تجربة يسوع في البرّيّة.
من هذه المقدّمة يُلاحَظ أمران: الأمرُ الأوّل هو أنّ يسوع مرّ بامتحان (تجربة)، أي إنّه تهيّأَ، ليبتدئ رسالته تحت قيادة الروح القدس، وقد كان من قبل، "ينمو في الحكمة وفي القامة وفي الحظوة عند الله وعند الناس". والأمرُ الثاني هو أنّ موضوع تبشيرِ يسوع كان ملكوتَ السماوات.
وإذا ما تعمّقنا في حادثة التجربة نرى أنّ الامتحان الذي خَضع له يسوع فيه ما يتعلّق بأشياء أساسيّة في حياتنا نحن البشر: المال والسلطة. يسوع امتُحن، جُرّب في المال: "هذا كلّه أعطيه لك إن خررت ساجدًا لي"، ويسوع امتُحن، جُرّب في السلطة: "مُرْ أن تصير هذه الحجارة خبزًا". ولاعجب، فإنّ السيّد المسيح الذي تهيّأ مدّة ثلاثين عامًا ليقود شعبه إلى الخلاص، ليصنع له السلام والفرح والأمان والحريّة، ليجعل منه إنسانًا كاملاً، كان عليه أن يكون القدوة في ما يدعو إليه. كان عليه أن يكون متجرّدًا عن المال والسلطة. هو الذي قال "لا تعبدوا ربّين الله والمال"
شهوة المال والسلطة هي التي تفسد الإنسان وتُفقِده إنسانيّته وتدفعه إلى استغلال أخيه الإنسان واستعباده. فكيف إذا كانت الشهوة في من هو في موقع القيادة والمسؤوليّة؟ لذلك على كلّ من هو في هذا الموقع أن يكون قد مرّ بالامتحان، قد تهيّأ بحيث لا يُفسده مال ولا سلطة، قد تهيّأ بحيث لا يجعل من السلطة تسلّطًا ولا من المال مِلكًا. وعليه قبلاً أن يكون قد نال حظوة عند الله وشعبه على مثال الربّ يسوع. القيادة والمسؤوليّة لا تُرتجل بل تأتي حصيلةً لحياة مختبَرة فاضلة ناجحة. وما نراه اليوم من فقر هو نتيجة لشهوة المال وما نعيشه من قلاقل نتيجة لشهوة السلطة.
أمّا التبشير بالملكوت فقد كان محور رسالة يسوع على الأرض: "لا بدّ لي أن أبشّر المدن الأخرى أيضًا بملكوت الله، لأنّي لهذا قد أُرسلت. وكان يطوف مبشّرًا في مجامع اليهوديّة". تكلّم يسوع عن الملكوت أكثر ما تكلّم في الأمثال التي كان يضربها بحيث يسعنا أن نقول إنّ موضوع الملكوت هو الخلفيّة التي رَسم عليها أمثاله، مبيّنًا أنّ الملكوت الذي يبشِّر به كنز ثمين يستحقّ أن نسهر وأن نسعى وأن نفتّش من أجل الحصول عليه.
ما أحوجنا اليوم إلى ثلاث. الاستقامةُ وأن نزرع السلام والفرح. علّمنا السيّد المسيح أن نكون أبرارًا وأعطانا فرحه وسلامه. ماذا نعطي نحن لأولادنا وماذا نعلّمهم في البيت، في المدرسة، في السلطة، في القيادة، في الرئاسة؟ ألسنا نخلّف لهم الحزن والألم والخوف والقلق واليأس والفقر ونعرّصهم للقتل والنهب والانفلات؟ ألسنا نقودهم بأيدينا إلى هجر ذواتهم والوطن؟ ألسنا ندفعهم إلى الطرق الملتوية لتأمين لقمة عيشهم وقد ضاعفت جائحة الكورونا حاجتهم؟
السيّد المسيح حين بدأ يبشّر بالملكوت ، دعا إلى التوبة: ولكي نستطيع أن نعيش بالبرّ والسلام والفرح، علينا أن نقرّ أوّلاً بخطايانا. علينا اليوم أن نعترف بأنّنا كلّنا قد أخطأنا بعضنا بحقّ بعض وكلَّنا بحقّ بلدنا. الحلّ يبتدئ من التوبة. التوبة مفتاح الحلّ. إن لم نفعل فمن العبث أن نجد حلاًّ لخلافاتنا حتّى في تأليف حكومتنا العتيدة. إذا ذهبنا إلى طاولة ولم نعترف بتقصيىرنا لن نخطو إلى الأمام. ما من حلّ من خارج أم من حكومة جديدة أم من غيب ما لم نمرَّ في مرحلة تنقية داخليّة للأذهان والقلوب. في جوّ الاحتقان واليأس الأولويّةُ للحفاظ على الدولة وتقويمِها بالابتعاد عن الأنانية والمصالح الشخصيّة والعودةِ إلى ثقافة الإنسانيّة حيث نتساوى كلّنا أمام الله خالق الجميع.
من بين التجارب التي خضع لها يسوع وانتصر عليها قبل خروجه إلى العلن وبدء بشارته تجربة الثقة، الثقة بالله: لم يفقدِ السيّدُ المسيح ثقته بالله أبيه حتّى في أحلك أوقاته، في وقت آلامه. ثقة يسوع بأبيه أوصلته إلى القيامة. إذا أردنا نحن أن نبلغ إلى القيامة ونحصل على النجاح، إذا أردنا أن يكون لبنان كذلك علينا أن نثق بأنفسنا، أن نثق بعضنا ببعض. الله يثق بنا فكيف بنا نحن لا نثق بأنفسنا ولا نثق بعضنا ببعض؟ الخليقة التي خرجت من يدي الله لا يمكن أن ينتصر فيها الشرّ على الخير والظلمة على النور. هذه ثقتنا وهذا رجاؤنا. فلنتمسّك بهما ولنتطلّع إلى الأمام ولنسِر إلى الأمام. ولنَشبك أياديَنا ولننهض ونبنِ بلدنا. إذا هَدم انفجار مرفأنا فلنفجّر بالمقابل قدراتنا ومواهبنا وإراداتنا وقلوبنا لنبني مرافئ وموانئ لا يدمّرها انفجار.
يجدر بنا أن نذكر في هذا المقام من دلائل الثقة والرجاء ما حصل على أثر انفجار مرفأ بيروت الكارثيّ إذ تقاطرتِ المساعدات من أبنائنا وأبرشيّاتنا ومؤسّساتنا من أكثرَ من بلد ووصلت إلى مستحقّيها وصُرفت في مواضعها. يسرّنا أن نرى في ذلك تجسيدًا لهوَيّة كنيستنا، بل لهويّة الكنيسة كلّها، كنيسةٍ جامعة ليس لها حدود من أيّ نوع كانت، تبني الجسور وتهدم الأسوار، تمتدح الانفتاح وتنبذ العصبيّة والتقوقع، تجمع وتوحّد، هذه المبادرة من شأنها أن تؤجّج فينا الثقة وتبعث الرجاء الذي أتى مع ميلاد الربّ يسوع وظهوره في الأردنّ وبدء رسالته.
الرجاء، به نقرأ واقعنا اليوميّ الذي تحوّل إلى واقع مرير يُذَلّ المرءُ فيه للحصول على حقوقه وجَنى يديه. الرجاء، به نتعاضد ونتكافل ونمدّ يد المساعدة لكلّ محتاج حتّى ننهض معًا. الرجاء، به ننظر إلى الجذور الاجتماعيّة للمشاكل الاقتصاديّة من أجل أن نبنيَ مجتمعًا تسود فيه العدالة الاجتماعيّة والعدالة القانونيّة الشاملة.
وماذا نقول عن الرجاء في زمن الكورونا التي نَشرت الرعب ورسمت أمام كلّ واحد تساؤلاتٍ مصيريّةً لم يسبق لها مثيل؟ نحن في حاجة إلى الرجاء لنجعل ما نمرّ به من جرّاها فرصةً للتأمّل ومراجعة الذات من أجل أن نعيد تصويب حياتنا نحو الله الذي كدنا نقصيه عنها. لقد علّمنا تاريخنا أنّ الإيمان القويّ يخرج من رحم الألم والمعاناة. فلنتمسّك برجائنا فهو حصننا وتعزيتنا.
يجدر بنا أن نذكر أيضًا رسالة الخبر الأعظم البابا فرنسيس الأخيرة، حيث يشجب قداسته كلّ أشكال الظلم والاستغلال والتهميش والاستهتار الحاصلةِ من الذين بيدهم المال والسلطة أكانوا أفرادًا أم دولاً أم جماعات أم مؤسّسات، ويدعو إلى أخوّة إنسانيّة شاملة تُحترم فيها الكرامة الإنسانيّة التي هي قيمة مطلقة، أخوّةِ يحصل فيها كلُ إنسان على ما يحقّق له هذه الكرامةَ بغضّ النظر عن انتمائه العرقيّ أو الثقافيّ أو التاريخيّ أو الجغرافيّ أو غيره. ويطالب قداسته من أجل ذلك بالقضاء على ما يعتبره من أهمّ الأسباب المهينة للكرامة الإنسانيّة وهو التعصّب ورفض الغير بكلّ أشكالهما.
لنصلِّ ونفكّر نحن أيضًا بلبنانَ آخر ولْنَتق إلى لبنانَ آخر، لبنانَ والعالمِ كلّه، تكون للجميع فيه كرامة ومطرح وسقف وعمل. عندئذ يكون على أرضنا سلام وفينا مسرّة. عندئذ نكون منذ الآن في الملكوت الذي يدعونا السيّد المسيح إليه: "توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات".

  • شارك الخبر