تفاوتت انطلاقة المسلسلات الرمضانية بين المشوّقة التي يُبنى عليها لاستمرار المتابعة، وبين العادية التي يعتمد صنّاعها على الإيقاع التصاعدي للأحداث، إلا أنّ اللافت أنّ معظم الأعمال الدرامية الرمضانية غرقت في السوداوية وقصص المافيا والمطاردات والمشادّات التي لا تترك مجالاً لالتقاط الأنفاس.

بعض المسلسلات انطلق عرضها قبل انطلاق شهر رمضان لتضمن مشاهدة مسبقة في حمى المنافسة، وبعضها عرض حلقتين في اليوم الأوّل من الشهر، إذ إنّ عرض الأعمال حصرياً على المنصّات يسمح بحريّة التحكّم في بث الحلقات وتوقيتها بعيداً عن مواعيد التلفزيون الصارمة.

خمسة مسلسلات تابعناها، الحكم عليها لا يزال مبكراً، إلا أنّ ثمّة ما يُبنى على الحلقات الأولى:

الزند (ذئب العاصي)

كانت ولادة المسلسل متعسّرة، أقلّه هذا ما أوحى به سحب إعلاناته عن منصّة "شاهد" قبل أيام، وامتناع المنصّة وشركة "الصباح" منتجة العمل عن إيضاح حقيقة ما حصل، ما ترك المجال للشائعات التي تحدّثت عن سحب العمل لإعادة منتجته بما لا يغضب السلطات التركية... معلومات لم تؤكّدها المنصّة العارضة ولا الشركة المنتجة ليعود المسلسل ويبصر النّور، ما ترك انطباعاً بأنّ ما جرى كان جزءاً من حملة إعلانية.

حلقتان من العمل تتركان انطباعاً بأنّنا سنكون أمام مسلسل عربي يؤرّخ الأحداث التاريخية بصورة مغايرة تلمّع صورة العسكر العثماني، الذي هرع إليه عاصي (تيم حسن) يستنجد بأحد جنرالاته لينقذه من ظلم الباشا ابن البلد، رغم تحذيرات المحيطين من أنّ سلطة هذا الأخير تفوق سلطة العسكر العثماني.

تدور أحداث المسلسل في حمص في أواخر القرن التاسع عشر، حيث الظلم يسود بعد أن تسنّ السلطات العثمانية قانوناً جديداً لتملّك الأراضي، يستغلّه النافذون ليستولوا على أراضي الفلاحين، بعضهم يرفض الخضوع، منهم والد عاصي الذي يُقتل أمام ناظريه، فيغادر عاصي الصبيّ اليافع بلدته ليعود إليها بعد 17 عاماً خاض خلالها حروباً في صفوف الجيش العثماني، بنيّة استرجاع أرض والده.

المسلسل يلقي الضوء على ظلم كان يعيشه سكان المدينة التي كانت تتعرّض لغزوات تنهب محاصيل أبنائها الذين تحوّلوا من أصحاب أملاك إلى عمّال في أراضيهم بعد أن استولى عليها الباشا. وحده عاصي يشهر أسلحته أمام الباشا والمعركة لا تزال في بدايتها.

تيم الخارج من عباءة جبل الشيخ جبل لم يحلّق بعيداً، فشخصية عاصي مشاكسة، عنيدة، لا تهادن حتى رجال السلطة، تقود ولا تُقاد، فيها من ملامح جبل لكن أجواء العملين مختلفة تماماً.

العمل تاريخي، ستمرّ حلقات قبل أن نقيّم ما إن كان أميناً للتاريخ أم يقدّم عملاً درامياً فحسب.

يُحسب للعمل الإنتاج السخيّ، والتفاصيل التي تراعي الحقبة الزمنيّة التي تدور فيها الأحداث، مع ملاحظة أن اللهجة المستخدمة في العمل ثقيلة وغير مفهومة أقله بالنسبة إلى المشاهد في دول الخليج والمغرب العربي.

المسلسل إخراج سامر البرقاوي. بطولة تيم حسن، دانة مارديني، أنس طيارة، فايز قزق، ريهام القصار، باسل حيدر، وغيرهم.

"للموت 3"

رغم أنّ الموسم الثاني من مسلسل "للموت" انتهى بموت بطلتيه سحر (ماغي بو غصن) وريم (دانييلا رحمة) كشف الإعلان سريعاً عن موسم ثالث أنّ البطلتين ستعودان من الموت، على طريقة الأعمال التي يندم صنّاعها بعد أن يكتشفوا أنّهم قتلوا عنصر قوّة قد لا يجدونه في مغامرة فنيّة جديدة، فيجتهدون ليعيدوه من الموت بمبررات درامية غالباً ما تبدو غير مقنعة.

عادت سحر وريم اللتان سقطتا بسيارتهما من أعلى الجرف إلى قعر المحيط، ثم جرفهما التيار إلى جزيرة معزولة، والتقتا بشخص مزوّر أمّن لهما جوازي سفر مزوّرين وزوّر شهادة الحمض النووي ووصيتين تضمن فيهما الشابتان توزيع ثروة جنتاها بطرق ملتوية إلى المقرّبين منهما لتبدآ حياة جديدة في تونس.

هناك اختبأتا من الضوء تحت الضوء، في ملهى ليلي تعملان فيه ساقيتين، وفي المساء تقدّمان وصلة رقص على العمود أمام كاميرات الموبايل في عصر السوشال ميديا... كان يكفي أن ينتشر فيديو لهما من الملهى المكتظ ليصبح هروبها دون جدوى. لماذا اختبأتا في أكثر الأماكن اكتظاظاً؟ ربما تجيب الحلقات المقبلة على هذه النقطة.

شخصيات جديدة أدخلت في العمل فأخرجته من سياقه، ووضعت سحر وريم أمام مطاردات جديدة ومشاكل لا تُعدّ ولا تحصى.

المطاردات في السوق المكتظ بدت نافرة، والتنقّل بسلاح في الطريق العام لم يكن مقنعاً.

أجواء الغموض تعطي دافعاً لانتظار الحلقات الجديدة، خصوصاً أن سحر وريم افترقتا عنوةً، في بلد غريب يصبح بعده اللقاء صعباً. وربما لا فمن أحيا الموتى يستطيع أن يجمع الصديقتين اللتين شكّلتا رافعة العمل بتنافرهما وتآلفهما، كنا نتمنى أن نراهما في عمل جديد بشخصيتين جديدتين، ننتظر ما يقنعنا بأنّ جزءاً ثالثاً لا يزال لديه ما يقدّمه.

"وأخيراً"
كان من المقرّر أن يكون العمل من 30 حلقة، إلا أنّه تقلّص إلى 15 حلقة، قد تصبح تقليداً يخرج الأعمال الرمضانية من فخ التطويل.

15 حلقة توحي بأنّ العمل سيكون محشوّاً بأحداث متسارعة تخطف الأنفاس، لكنّ "وأخيراً" يسير بسلاسة وإيقاع تصاعدي.

يلتقي قصي خولي ونادين نجيم للمرّة الثالثة بعد مسلسلي "خمسة ونص" و"عشرين عشرين" الذي كان من المقرّر أن ينطلق بموسمٍ ثانٍ، إلا أنّ الفكرة لم تتبلور بما يضمن نجاح المسلسل، فكان القرار مسلسلاً جديداً ليس بعيداً عن "عشرين عشرين" بأجواء الحب الذي تعكّر صفوه مشاكل لا تنتهي.

نادين بدور خيال فتاة مكتومة القيد، مجهولة النسب، ربّتها سيدة فاضلة (وفاء طربيه) فنشأت بينهما علاقة روحية، مشاهدهما معاً هي الأجمل.

وياقوت (قصي خولي) الشاب المشاكس، يسهل استفزازه، يتشاجر باستمرار مع أحد أبناء الحيّ بعد أن فاز بقلب خيال التي تخفي عنه سراً، قبل أن تصبح مطاردة، محاطة بالنيران.
ثنائية نادين وقصي قادرة دوماً على التجدّد، ومنى واصف بدور أم ياقوت أم تلبس قناع الصلابة وعند نظرات ابنها ترمي أسلحتها وتستسلم وهو يجيد تجريدها من أسلحتها بدهاء.
المسلسل في بدايته يسير بإيقاع تصاعدي ولا يكشف كل ما لديه دفعةً واحدة.

"النار بالنار"

مسلسل سوداوي قاتم، يدور في أزقة ينتشر فيها البؤس، لا شيء سوى البؤس ومرابٍ (عابد فهد) يتحكّم بمصير أولاد الحيّ، يستغلّ حاجتهم، يساومهم على ممتلكاتهم، لا يرحم.

يصل به الأمر حدّ قطع النور عن الحيّ، ليرغم أهله على زيادة اشتراك الكهرباء، وأهل الحيّ خاضعون، خانعون، لا يملكون حتى القدرة على الاعتراض، يتلقّون الضربات ويكفّون حتّى عن عدّها.

حيّ عبارة عن صورة مصغّرة عن لبنان، الذي يفقد شعبه مقوّمات العيش والاعتراض. لكن النقطة التي تثير الاهتمام، هل تمّ اختيار ممثل سوري ليؤدّي دور الجلاد في الحيّ البيروتي الفقير عن عبث كما يحصل في المسلسلات المشتركة، حتى لو لم يكن حضوره مقنعاً، أم أنّ الأمر مقصود؟ تساؤلات تجيب عنها الحلقات المقبلة.

المسلسل يحمل الكثير من العبر والألم، يمرّ على قضيّة المفقودين، الذي يئس أهاليهم من العثور عليهم بعد عقود على اختفائهم، ولم ييأسوا من حمل صورهم وإنارة الشموع، تطلب مراسلة من أحد المعتصمين (جورج خباز) أن يوجّه كلمة للمعنيين، فيجيبها بأنّ ليس لديه ما يقوله. فقمّة اليأس أن تكفّ حتى عن الاعتراض.

"كامل العدد"

انطلق عرضه قبل يومين من شهر رمضان، ومع عرض 4 حلقات منه نستطيع أن نقول إنه فاكهة الماراثون الرمضاني.

المسلسل كوميدي رومانسي اجتماعي، يتميّز بحوارات ذكيّة جداً، وبأحداث متسارعة، وإيقاع لا يخفت.

تلتقي ليلى (دينا الشربيني) بالدكتور أحمد (شريف سلامة) في رحلة سياحية إلى أسوان، هناك تبدأ بينهما قصّة حب جميلة، قبل أن يصطدما بواقع أن ليلى مطلقة وأم لأربعة أولاد وأحمد أرمل وأب لثلاثة.

الكثير من المواقف يتعرّض لها الحبيبان، مع أولادهما، وأسرتهما، والمميز في الأحداث سلاستها وعفوية الممثلين وإيقاع الحلقات السريع والحسّ الفكاهي الذي لا يخفت.

ظهور مميز للممثلة القديرة إسعاد يونس التي تقدّم دور والدة الدكتور أحمد، شخصية تجمع كل التناقضات، مشاهدها في العمل هي الأقوى.

مسلسل يستحق المشاهدة.

ايمان ابراهيم- النهار