hit counter script

ليبانون فايلز - فن وإعلام فن وإعلام

كارلا حداد وبناء الذاكرة الفنية

الثلاثاء ٢١ آذار ٢٠٢٣ - 08:06

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نادراً ما تأسرني شاشة التلفزيون، الا في مناسبات او حالات استثنائية. وما زاد في ابتعادي عنها، هو اعتمادها على المسلسلات المستوردة والمدبلجة، وإكثارها من برامج «التوك شو» التي تتوسل الاثارة، ورفع السقوف السياسية للمشاركين فيها، مع ما يترتّب على ذلك من اشتعال جبهات المواقف والمواقف المضادة، التي يمكن ان تهدد في لحظة ما الاستقرار، وتخلق التوتر. وقديماً قيل «أول الحرب كلام».

الانتاج المحلي يكاد يكون غائباً عن الشاشات المحلية نظراً لكلفته العالية، علماً انّ قانون الإعلام المرئي والمسموع يلزم التلفزيونات بنسبة معينة منه. لكن القانون ظل حبراً على ورق.

ثمة أمر آخر، هو غياب البرامج الثقافية والفنية عن الشاشات الا في ما ندر، عندما يكون هناك عرض عالمي ومحلي نوعي ضمن مهرجانات «بعلبك»، «بيت الدين»، «جبيل»، «البستان - بيت مري». علينا البحث بالمجهر عن برامج ثابتة تتناول آخر ما يحفل به عالم الثقافة والفن.

وفي الفترة الأخيرة لفتني برنامج تعده كارلا حداد وتبثّه «المؤسسة اللبنانية للارسال» مساء كل يوم جمعة، وهو يحيي ذكرى عمالقة الغناء والتلحين والتأليف الذين غابوا مخلفين الاثار الخالدة، وآلاف الاعمال التي تتميز بالابداع والابتكار.

إنّ فكرة البرنامج موفقة، لا بل رائعة، لأنها تضيء على وجوه بارزة، وقامات عالية، وهامات شامخة، غير معروفة بما يكفي من أبناء الجيل الجديد. وعرفت هؤلاء بصباح، وديع الصافي، ملحم بركات، زكي ناصيف، الياس الرحباني، نصري شمس الدين، فريال كريم، وعازار حبيب، والحبل على الجرار.

كانت كارلا متألقة في تقديمها هؤلاء المبدعين، وعرفت كيف تختار ضيوفها الذين ربطتهم صلات قربى ونسب وعلائق صداقة وعمل مع هؤلاء. كما اجادت في انتقاء الفنانين الناشئين والمخضرمين الذي أدوا باقات من أجمل ما غنّى هؤلاء.

إن هذا البرنامج يوقظ في ذاكرة اللبنانيين الحنين إلى حقبة المبدعين الذين بنوا تراث وطنهم الفني، وفي الاجيال الشابة الشعور بالانتماء إلى وطن غني برجالات اعطوا واعطوا بسخاء ليصوغوا هويته الحضارية والثقافية. وان الاغاني والالحان التي قدمها من سبقت الإشارة اليهم، ذات نوعية عالية، فيها الكثير من لمسات السحر، والابداع، وهي أعمال لم يعف عليها تقادم الايام، ولم تسقط بمرور الزمن، كحال الاعمال الهابطة التي نشهدها حالاً.

كارلا حداد مطالبة بمتابعة هذا الخط الذي يليق بالجانب المضيء من تاريخ لبنان، لأنه يصوّب الذائقة الفنية للشباب اللبناني، ويصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تكونت لديه بفعل ما يجري على ارض وطنه، باعتبار لبنان هو بلد الفساد والمفسدين، والجهلة، والمرتشين، واشباه الاميين، و»حارة كل من ايدو إلو»، وفريسة مصرفه المركزي ومنظومة سائر المصارف.

إن لبنان هو موطن الخير والجمال والفن والادب والشعر، والخلق في جميع المجالات. ربما هذا ما أرادت أن تقوله كارلا في برنامجها الأكثر من ناجح. واقترح عليها أن تجمع كل الحلقات في «ألبوم» وأن تعمل على تسويقه في الداخل، وبلدان الانتشار، ليتسنى لأكبر شريحة من اللبنانيين مشاهدته.

إنّ من حق كارلا حداد وبعد الفراغ من هذا البرنامج، أن تعتبر انها حققت إنجازا نوعيا يتسِم بالفرادة، وأن تفاخر به. وسيسجل لها انها خطت خطوات واثقة نحو الاحتراف الحقيقي الذي وضعها في الصفوف المتقدمة بين كبار معدي البرامج ومقدميها. وعليها، وبعد النتيجة التي حققتها، أن تواصل البحث عن فنانين لبنانيين قدماء كان لهم حضورهم الكبير في عالم الطرب والغناء، وهناك اسماء كثيرة غمرها النسيان، على الرغم من أن الاذاعات وبعض المطربين يبثون ويؤدون اغانيهم الجميلة. كما اقترح عليها ان تعد برنامجا مشابها عن فنانين تشكيليين رحلوا وبقيت لوحاتهم واعمالهم شاهدة على عظمة مواهبهم، وخالدة في المتاحف على امتداد العالم. وهذا ما ينسحب على عالم النحت وسواه من الفنون.

وحبذا لو تشرّع التلفزيونات في لبنان شاشاتها لبرامج تعرّف مشاهديها بكبار الشعراء والادباء، لتكتمل بذلك حلقة التوثيق الممنهج للتراث اللبناني الثقافي والحضاري.

إن ما قامت به كارلا حداد ولا تزال، قدّم إضافة للشاشة التي إحتضنت برنامجها، وأحلّها في مرتبة متقدمة بين الاعلاميات اللواتي يبحثن عن الجدة والجدية في الاعمال اللواتي ينوين تقديمها. وجمعت الجمال، الاناقة، الرشاقة، إلى الحضور، الذكاء، سرعة البديهة، الإحاطة الواثقة بالموضوع. وهي قاعدة النجاح والاستمرارية.

هذا البرنامج نفض الغبار عن ذاكرتنا، ويؤسس ذاكرة جديدة لجيل الشباب، لتوعيته على جذوره، لأنه لا تنبت جذور من عدم.

نقيب محرري الصحافة جوزف القصيفي  - الجمهورية

  • شارك الخبر