hit counter script

ليبانون فايلز - فن وإعلام فن وإعلام

عمر راجح: الجهل يسيطر على بيروت... لكن الأفكار لا تموت

الأربعاء ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢١ - 06:36

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يجرؤ الكوريغراف والراقص اللبناني عمر راجح، على اتخاذ قرار مغادرة بيروت قبل سنوات، لشعوره بالالتزام حيال المدينة ومشهدها الثقافي. كان يعلم أن الرحيل سيمنحه فرصاً ينتظرها، وظل يؤجل حتى حان الوقت. غادر وزوجته ميا حبيس، وهما المديران الفنيان لفرقة «مقامات» الرائدة للرقص المعاصر، لبنان، للإقامة في ليون الفرنسية قبل نحو السنتين، ومنها يقدمان فناً رصيناً يحوم حول الذات والوجود. «لم نرد أن نشعر بالغربة. أردنا مكاناً يحتضننا كأننا في بيروت»، يقول في حوار هاتفي مع «الشرق الأوسط» من موسكو، حيث قدم عرضاً يحاكي الكون الفسيح والداخل الإنساني العميق.

شكل قرار الدولة إقفال «سيترن بيروت» ضربة على رأس مؤسسه عمر راجح، فتساءل: «لِمَ أضيع مزيداً من الوقت؟». وضب الحقائب وغادر. فسحة ثقافية في منطقة الكارنتينا، أقيمت على مسارحها العروض وجمعت الباحثين عن حيز للتعبير. جفن الدولة لم يرف، وبأعصاب باردة أنهت كل شيء.

يتحدث عمر راجح عن الواقعية في مقاربته الأمور: «مشروع ثقافي ضخم، شُطب من دون إحساس بالذنب. أصبحتُ أمام واقع يحتم التحرك لمواجهته. أسستُ على الفور منصة أونلاين تحمل اسم (سيترن دوت لايف) للإبقاء على بث العروض. أمكن أن تكون بيروت واحدة من أهم العواصم الثقافية. اليوم، يسيطر الجهل».

عشرون سنة، وهو يعبر عن وجوده بالرقص الخلاق القائم على الأسئلة. خبرة مُصقلة بالتجارب، يحملها إلى مسارح عالمية، آخرها في روسيا. بشغف المتطايرة روحه بين الذرات الهائلة، فلا يعود يشعر بأي ثقل، يتحدث عن عرض «يونيون» (اتحاد): «هو امتداد لعرض قدمناه في موسكو قبل سنتين. طلب مركز (كالوغا) الثقافي من (مقامات) استمرار التعاون. أرادوا عرضاً مستلهماً من عالم الصواريخ والفضاء، يربط مصير الكائن بمصير الكون. تفاعُل الناس كان مدهشاً».

تغمر الراقص المجتهد السعادة والجمهور يصفق على وَقْع خفقان قلبه، في عرضَي مدينتَي كالوغا وموسكو. كإحساسه بالتأثر وهو يتسلم وسام الفنون والآداب برتبة فارس من وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشيلوت ناركين. وقبل أن نهم بطرح السؤال الحزين، شعر بوخز المقارنات الأليمة، فأكمل بنفسه: «الدولة اللبنانية وبعض مدعي الثقافة (يلبطون فينا). هناك مَن يقدر الفنون والعروض الإبداعية، لكنها ليست الدولة ولا وزارة الثقافة. في فرنسا، يعاملون الفنان باحترام. يدعمونه ويساندونه في أحلامه ومشاريعه. يكفي الاهتمام لنشعر بالحماسة لتقديم المزيد. يراقبون جيداً المشهد الثقافي، ويبادلون المبدعين بالتقدير والتكريم. الوسام تحية لمشاريعنا التي لم يشلها (الكوفيد)، وتصميمنا على العروض الرقمية والخروج بأفكار مختلفة تتيح التقدم الإنساني».

يعمل في ليون كأنه لا يزال في بيروت، بالزخم والشغف والحب الذي لا يتغير، وإن تبدلت الأماكن. الوطن بالنسبة إليه مسألة عاطفية، فهو الطفولة والتربية والذاكرة، لكن الحياة تصبح فجأة في مكان آخر: «لا شأن لذلك بما يُحكى عن وطن بديل. لم نتخذ قرار المغادرة بسهولة. رحلنا بعد إدراكنا بأن الأمور لن تتحسن قريباً. تركنا بيروت لنُكمل ما بدأناه من أجلها».

يقرأ الصحف اللبنانية يومياً ولا يريد انقطاع الصلة. بينما يُكرم بأحد الأوسمة الوزارية الأربعة الرئيسية للجمهورية الفرنسية، وتلمح فيه وزيرة الثقافة رؤية فنية تتيح التفكير والإبداع وتطوير الرقص بأساليب مستدامة؛ وبينما يشارك الروسَ في عروضهم الضخمة، بعد أن كانت «مقامات» الفرقة العربية الأولى التي تعرض في «مسرح البولشوي»، ينظر بأسى إلى لبنان ويقول: «فجروا حتى الأمل».

يهون على نفسه: «من فرنسا يمكنني العمل لبيروت. يحق لعائلتي حياة أفضل من المأساة. تكفي الحروب التي عشناها، فلِم نورثها لأولادنا؟». يتساءل عن جدوى المعاناة في الوطن الذي غادره، ولا تزال عاصمته تعني له كثيراً: «لبنان محكوم بمشاريع عنجهية وانتصارات وهمية. التراشق الكلامي الحاقد في أعلى مستوياته، لكن الإنسان الفقير عاجز عن شراء ربطة خبز. أكثر ما يؤلم أن العدالة مفقودة. يبقى السؤال: لماذا على اللبناني انتظار الاتفاق الأميركي الإيراني ليقرر شكل مستقبله؟».

الأهم، وفق عمر راجح، هي الرؤية والنظرة إلى الأشياء. الإقفال القسري لـ«سيترن بيروت»، لم يقتل فكرة الرقص. التحول إلى عالم «الديجيتال» وعروض «الأونلاين»، والإبقاء على صفوف الرقص المجانية، وإقامة «مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر» كل عام، كلها خلاصة التمسك بعظمة الأفكار وقوتها. «هكذا نراكم ونبني ونستمر»، يقول، مقتنعاً دائماً بجدوى المخارج.

في إمكان عرض مسرحي واحد (أو فيلم أو رواية) تغيير النظرة إلى الحياة. عمر راجح ممن يحتضنون هذا الصنف من الفن: التغييري المختلف. يشبه الأمر بكاتب يبحث في مؤلفه عن معلومة جديدة أو أسئلة لم تُطرح: «إنها الطريقة التي أتعامل بها مع الرقص.

أندفع في اتجاه الزوايا المجهولة وأبحث عما لا تتيح عجلة الأيام السريعة التفكير به. قد يكون ما ألاحقه شيئاً هائماً في الهواء. لكنني أصر على الحلم مثل شاعر يلاحق قصيدة مختلفة خارج اليوميات الجامدة». فرنسا لمحت الإصرار ومنحت صاحبه ما يستحق.

فاطمة عبد الله - الشرق الاوسط

  • شارك الخبر