hit counter script

ليبانون فايلز - أخبار اقتصادية ومالية أخبار اقتصادية ومالية

في ظلّ الغضب الشعبي من المصارف... هذه أولى خطوات الاصلاح

الأربعاء ٢٩ نيسان ٢٠٢٠ - 10:40

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لبنان في عين العاصفة وعلى شفير كارثة اقتصادية واجتماعية وأمنية كبيرة. انفجار عبوة قرب مصرف في صيدا، تحطيم واجهة مصرف آخر في الميناء، صرخات ألم ووجع، اللبنانيون مجددا في الشارع على الرغم من خطر فيروس كورونا. مع تأرجح سعر صرف الدولار وقلق المواطن من أن يصبح سعر حليب الأطفال أكثر من مليون ليرة لبنانية كما حصل في فنزويلا وتخوفهم من تبخر ودائعهم في المصارف، استعرت موجة الغضب الشعبية على المصارف اللبنانية إذ باتت اليوم ساحة احتجاج.

في ظل انتظار خطة الحكومة الشاملة والرسمية تكاثر الحديث عن إعادة هيكلة المصارف ورسملتها في الآونة الأخيرة والذي يمكنه أن يشكل بارقة أمل للبنانين لحل أزمتهم المالية. فما هي أسباب هذه الأزمة؟ وعلى ماذا يجب أن يرتكز "الإصلاح المصرفي"؟ وهل سيتم المحافظة فعليا على حقوق المودعين لإعادة الثقة من جديد وبالتالي النهوض بهذا القطاع الحيوي؟

في حديث خاص الى "الوكالة الوطنية للإعلام"، أشار مدير البحوث والتحاليل الاقتصادية في بنك "بيبلوس" الدكتور نسيب غبريل الى أن مفهوم "الاصلاح المصرفي هو مقاربة خاطئة تريد السلطة السياسية التهرب من مسؤوليتها ووضع اللوم مباشرة على القطاع المصرفي. وهذا الأمر مضر للاقتصاد لأن القطاع كان ولا يزال يتبع المعايير الدولية منذ سنوات عدة"، معتبرا أن "المشكلة اليوم في القطاع العام وهو ما يحتاج الى إصلاح جذري مبني على الشفافية والحوكمة والادارة الرشيدة من خلال البدء بإلغاء آلاف الوظائف الوهمية والعشوائية. ثانيا، تحسين نوعية الخدمات في القطاع العام المحتكرة من قبل الدولة كمؤسسة الكهرباء والاتصالات والمياه والنقل العام. ثالثا، مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية وضبط الحدود والمعابر الشرعية وغير الشرعية. بالإضافة الى إعادة هيكلة القطاع العام وخفض النفقات العامة التي ارتفعت الى 150% بين عامي 2005 و2019 ووصلت الى 32 % من الناتج المحلي وهي من أعلى النسب مقارنة بالبلدان العربية".

من جهة أخرى، اعتبر غبريل أن "إعلان الحكومة تعليق دفع سندات اليوروبوندز أدى الى تفاقم الأزمة المالية بشكل سريع مما أثر سلبا على القطاع المصرفي ككل". ويقول: "كان للحكومة خيارات أفضل وأقل كلفة على الاقتصاد والمالية العامة. وقد أخطأت الحكومة عندما أعلنت عن تعثرها قبل 48 ساعة من الاستحقاق، إذ كان لا بد من وجود المستشار المالي والقانوني قبل ستة أشهر للتشاور مع حاملي السندات وأن يتم تحضير مشروع إصلاحي مع صندوق النقد الدولي لأن الأرقام تشير الى أن 87% من البلدان التي أعلنت تعثرها كانت قد توصلت الى اتفاق حول برنامج إصلاحي وتمويلي مع صندوق النقد. أما اليوم، فلبنان على هامش النظام المالي والمصرفي العالمي والتخبط داخل السلطة التنفيذية يؤدي الى إطالة الأزمة وتعقيدها بظل غياب اجراءات جذرية".

في المقلب الآخر، يرى الوزير السابق عادل أفيوني أن الجميع مسؤولون "بدءا من الدولة التي أساءت إدارة المالية العامة على مدى عقود وأفرطت في الإنفاق وراكمت عجزا وديونا بلا رادع وحتى الانهيار. أما المسؤول الثاني فهي سياسة دعم الليرة التي أدارها مصرف لبنان ودعمتها المكونات الاقتصادية والسياسية كافة"، لافتا الى "أننا بلغنا في السنوات الاخيرة وضعا ماليا صار من المستحيل فيه المحافظة على سعر الصرف إلا عبر استنفاد احتياطي البنك المركزي وبكلفة عالية بحيث كان يجب إعادة النظر بهذه السياسة حينها وبالتحديد عندما بدأت سياسات الهندسة المالية الباهظة".

سياسة تثبيت سعر صرف الليرة بدأت في التسعينات أي بعد انتهاء الحرب، بحيث كانت الثقة معدومة ونسبة التضخم مرتفعة جدا وكان لبنان بحاجة إلى عامل ثقة يعزز الدولة ومؤسساتها ويعيد ضخ رؤوس الأموال من خلال إعادة إعمار الاقتصاد والدولة وإعادة تأهيل البنى التحتية. كما أن السياسة هذه كانت خطوة أولى لرؤية طويلة الأمد تتخللها إصلاحات مالية واقتصادية، إلا أن لبنان خسر الفرص المقدمة له من مؤتمر "باريس 2" و"باريس 3" و"بروكسيل"، فبقت سياسة النقد وتثبيت سعر الصرف هي العامل الوحيد للثقة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي دان قزي أن "لبنان دفع ثمن تثبيت سعر صرف الليرة لأن هذه الفترة حجبت المشاكل الجذرية الكامنة في ميزان المدفوعات والميزان التجاري. كما أنه إذا أردنا اليوم أن نوقف الانهيار علينا التأكد من أن كميات الدولار الأميركي التي تدخل لبنان تساوي الكميات التي تذهب الى الخارج. وذلك يتم عبر خفض الواردات وفي المقابل زيادة الصادرات عبر التحويلات المالية".

أما بالنسبة للمصارف، فهي أيضا تتحمل جزءا من المسؤولية، ويؤكد أفيوني أن "المصارف مولت العجز المالي والعجز التجاري وسخرت له 70% من أصولها واستفادت من الفوائد العالية ووزعت الأرباح على المساهمين من هذه الفوائد الدفترية بما ينافي مبادئ بديهية من العمل المصرفي وإدارة المخاطر مع علمها بالمخاطر الجسيمة وحتى الإفلاس".

من جهته، اعتبر قزي أن المودعين أيضا يتحملون جزءا من المسؤولية إذ استفادوا من 17% من الفائدة وخاطروا بجزء مبالغ فيه"، مؤكدا "ضرورة أن يعي المودع حقوقه وأن علاقته مع المصرف وليست مع الدولة"، لافتا الى أن "غياب الحوكمة الرشيدة والشفافية أدى الى تراكم الأرباح لأنه في حين كان الاقتصاد اللبناني ينازع كانت المصارف تجني العديد من الأرباح بشكل سنوي وذلك جراء الهندسات المالية بحيث لا يمكن تحميل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وحده المسؤولية فقط بل أيضا الحكومات المتتالية التي باركت للسياسة النقدية ومن ثم المصرف المركزي الذي قدم الدعم لهذه الهندسات وسياسة تثبيت سعر الصرف".

مع هذه الأزمة المالية التي تعصف بلبنان حد الاختناق، ينتظر اللبنانيون خطة الحكومية المالية علها تحقق الأمل والرجاء. أما بالنسبة لمسودة الحكومة المسربة منذ بضعة أسابيع، فقد أثارت ردود فعل واسعة ولاسيما في ما يتعلق باحتمال اقتطاع جزء من الودائع الكبيرة في المصارف أي ما يعرف بـ"الهيركات".

وفي هذا الإطار، قال أفيوني: "كان من المفروض من قانون الكابيتال كونترول أن يحمي المودع من هذه الاستنسابية والضبابية ويضع إطار قانوني شفاف يؤمن لكل مواطن او مؤسسة الوصول الى ودائعها لتلبية حاجاتهم الأساسية ويطبق القيود على التحويلات الكبرى غير الضرورية لا العكس. هذا من مصلحة المودع اولا والمواطن وانتظام الاقتصاد والمصارف وهذا ما حصل في كل البلاد التي مرت بأزمة سيولة مصرفية وممكن أن يكون قانون موقت لكنه يضمن حقوق المودعين".

بدوره، يؤكد غبريل أن "الكابيتال كونترول جاء كخطة موقتة في تشرين الثاني لحين استلام السلطة التنفيذية زمام الأمور وتطلق مبادرات تعزز الثقة ليعود بذلك العمل المصرفي الى طبيعته. ولكن التأخر في اقرار الاصلاحات الجذرية أدى الى تفاقم الأزمة المالية في المصارف". في حين أنه بعد تسريب الحكومة خطتها المالية بالتعاون مع المستشار المالي "لازار"، اتضح أن الدولة تريد تحميل القطاع المصرفي كلفة الأزمة بالكامل من خلال تطبيق "الهيركات" على المودعين"، معتبرا أن "هذه الخطوة هي سطو غير مسلح على المصارف".

وعما إذا كان هناك أي مسعى للخروج من هذه المحنة، يؤكد أفيوني "أهمية الاسراع بالخطوات الجذرية والشاملة للحصول على الدعم المادي من الخارج والسيولة بالعملات الأجنبية من خلال اللجوء الفوري الى صندوق النقد الدولي لتأمين حاجات الدولة واستيراد السلع الأساسية، إنشاء شبكة حماية اجتماعية للطبقات الفقيرة، إعادة بناء احتياطي المصرف المركزي، تحفيز الاقتصاد ومشاريع البنى التحتية وإصلاح القطاع المصرفي".

ويعتبر أن "أي خطة للإصلاح المصرفي يجب أن تكون مبنية على أهداف ومبادئ رئيسية: أولا، حماية صغار المودعين عبر مؤسسة ضمان الودائع التي يجب رسملتها لحماية اول 100 الف دولار من أي وديعة على الأقل. ثانيا، احترام حقوق كبار المودعين والمحافظة على ودائعهم وخصوصا أن أغلبية أموالهم شرعية وكانوا خير داعمين للبنان، وذلك من خلال مصارحتهم بأن الخسائر في المصارف واقع لا مفر منه وحتى اذا كان سببها عجز الدولة عن تسديد ديونها إلا أنها خسائر حصلت وتعويضها معقد وطويل لكن من الممكن الحد من هذه الخسائر وهذا الهدف الرئيسي لخطة الإصلاح. ثالثا، الاعتراف بأن القطاع المصرفي ارتكب أخطاء عدة لكن لا اقتصاد ولا نمو بدون قطاع مصرفي سليم يعمل على تمويل الاقتصاد وعلى دعم القطاعات الانتاجية. رابعا، حماية أصول الدولة وعدم المساس بها واسترداد الأملاك المنهوبة لأنها حق لجميع اللبنانيين".

ومن هذا المنطلق يقترح أفيوني فصل النشاط التجاري عن المحفظة السيادية ومعالجة كل جزء على حدة خصوصا "بعد أن تحول لبنان عبر السنين الى نشاط تمويل تجاري صغير (30% من أصوله) والى محفظة ضخمة من السندات السيادية الدائنة لمصرف لبنان ولوزارة المالية". ويشرح أن "النشاط التجاري يشكل نواة القطاع المصرفي للمستقبل ودوره حيوي لإعادة بناء الاقتصاد إذ يمكن إنقاذه من خلال إعادة رسملته من أموال خارجية فحجمه يتناسب مع حجم الاقتصاد وبذلك نحافظ على ديمومته وعلى الوظائف في القطاع وهذا ما نسميه بـ"القطاع الجيد".

أما محفظة المصارف في الدين السيادي من مصرف لبنان الى الدولة، فيرى أنه "يجب فصلها الى صندوق خاص يسمى "صندوق استعادة الودائع" ويصبح هذا الصندوق الدائن الأكبر للدولة ويتفاوض مع الدولة على تسديد ديونها له بعد إعادة هيكلتها وحسب نتائج خطة الإصلاح لمالية الدولة"، مؤكدا "أهمية عملية الفصل هذه فهي تحرر النشاط التجاري من عبء خسائر الديون السيادية ومعالجتها وتتيح له إعادة رسملته واستعادة دوره في تمويل الاقتصاد".

وأوضح أن "هذا الإجراء يترافق مع فصل أول 100 الف دولار من أي وديعة لتنضم الى القطاع الجيد ومن ثم الى مؤسسة ضمان الودائع، وبذلك نعالج مصير الغالبية العظمى من ودائع المواطنين. أما ما تبقى من ودائع، فتستبدل بحصة مباشرة في صندوق استعادة الودائع وبذلك نكون قد نقلنا ملكية محفظة المصارف في الديون السيادية مباشرة الى كبار المودعين ليصبحوا الدائنين المباشرين للدولة ولهم حق استعادة ودائعهم منها من دون المرور بالمصارف وهذا ما يجعل وضعهم أفضل وفرص الحد من الخسائر أعلى".

تنظيم القطاع المصرفي ليس بجديد والعمود الفقري له هو "قانون النقد والتسليف" الذي ينظم عمل المصرف المركزي والمصارف التجارية، كما أنه يعتبر مصرف لبنان الهيئة الناظمة للمصارف. وكانت قد صدرت قوانين عدة بعد الحرب أبرزها "قانون اصلاح الوضع المصرفي" الذي عالج ملف المصارف المتعثرة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

أما في ما يتعلق بـ"إصلاح القطاع المصرفي" فيشدد الوزير السابق زياد بارود على أهمية قانون رقم 91 المتعلق بمعالجة المصارف المتعثرة ومن بعده القانون رقم 192 لعام 1993 الرامي الى تسهيل دمج المصارف. ويوضح أن "هذين القانونين ساعدا على معالجة بعض المصارف المتعثرة شرط التأكد من أن إدارة هذه المصارف سليمة للمحافظة على حقوق المودعين والعاملين في المصارف ومنع حصول خضات كبيرة في القطاع والسوق كما أنهما ساهما في إعادة هيكلة القطاع المصرفي".

وعن تحديد نوع الأزمة المالية التي يمر بها لبنان، شرح بارود: "أكاد أقول إن كل المصارف تعاني أزمة سيولة. ولا بد من التمييز بين أزمة السيولة وأزمة الملاءة. فالأولى ناتجة عن فقدان العملة الأجنبية في السوق لأسباب عدة منها: توقف ورود الأموال من الخارج، سحب المودعين مدخراتهم ووضعها في بيوتهم، جمود في الحركة الاقتصادية…ولكننا لم نصل بعد الى أزمة الملاءة. أما الأخيرة فتعني الاتجاه نحو التوقف عن الدفع وهو مفهوم قانوني يؤدي عمليا الى إفلاس المصارف ولسنا حتى اللحظة في هذا الوضع"، موضحا أنه "إذا أراد أحد العملاء إقفال حسابه واسترداد أمواله كلها لن يعطيه المصرف المال بالعملة الأجنبية نقدا ولكنه يستطيع أن يحرر له شيكا مصرفيا مسحوبا على مصرف لبنان وبالتالي لا يكون في وضع المتوقف عن الدفع ولكن في وضع من لديه أزمة سيولة".

ولفت الى أن "موضوع الإصلاح يتطلب ورشة جذرية وسريعة بالتشريع بالدرجة الأولى أي أن هذه مسؤولية مجلس النواب وليس فقط الهيئة الناظمة التي تصدر عبر حاكمها التعاميم والقرارات الموقتة"، مؤكدا "أهمية البحث عن مفردات تتعلق بالمودعين كـ"حماية حقوق المودعين في المصارف" أولا ومن ثم "اصلاح القطاع المصرفي" وخصوصا أن هذا القطاع على مدى سنوات كان يستفيد من تنظيمات وتعاميم وحوافز تصدر عن مصرف لبنان وبالتالي حقق أرباحا كبيرة".

أما بالنسبة إلى الخطة المالية المسربة، فسأل بارود: "كيف ستكون الخطة جاهزة في الوقت الذي طلب مجلس الوزراء التدقيق في حسابات مصرف لبنان ولم ينتهي منها بعد؟ بل كيف يتم تحديد الخسائر المتراكمة بقيمة 83 مليار دولار أميركي ولا زلنا لا نعرف حسابات مصرف لبنان النهائية؟"، مؤكدا "أهمية تسريع الوتيرة للوصول الى حلول جذرية لأن الأزمة بدأت تدق أبواب الناس بالمجاعة والفقر على الرغم من تكاثر الحديث عن خلية أزمة وخطة الطوارئ"، محذرا من "انفجار اجتماعي وأمني بدأت ترتسم ملامحه في الشارع اللبناني".

الصورة لا تزال ضبابية حتى الساعة، لعل الأيام المقبلة تحمل معها بصيص أمل يهدىء من روعة اللبنانيين ويعيد لهم ثقتهم بدولتهم من خلال إعلان خطة إنقاذية وإصلاحية فعالة وإلا فسيكون لبنان متروكا لقدره.

  • شارك الخبر