hit counter script

ليبانون فايلز - أخبار محليّة أخبار محليّة - العرب اللندنية

المخدرات في لبنان... من الترفيه الى "العلاج الذاتي"!

الأحد ٥ شباط ٢٠٢٣ - 07:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إستمع للخبر


تأثر كل اللبنانيين من الأزمة الاقتصادية واشتعال أسعار السلع والمنتجات والمحروقات، لكن التأثير مضاعف على من يعيشون في مرحلة ضياع أودت بهم إلى الإدمان، وتهدد حتى المتعافين من الإدمان بالعودة إليه.

وتعتبر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة المتعاطين، وغالبيتهم من الشباب الذين تسيطر عليهم حالات الاكتئاب وفقدان الأمل بالمستقبل فيلجأون إلى المخدرات، للهروب من الواقع الذي يعيشونه والضغوط اليومية. وتسببت الأزمة المالية، مع تأثير جائحة كوفيد – 19، تضاف إليها الصدمة التي خلفها انفجار مرفأ بيروت الفتاك، في تفاقم المشكلة؛ مما جعل الأشخاص يجدون الملاذ في تعاطي المخدرات.

غياب الإحصاءات
لا توجد بيانات رسمية لعدد متعاطي المخدرات في لبنان، وآخر إحصاء تمّ في عام 2000 مع منظمات أهلية، ولا أرقام دقيقة لأن أرقام شعبة المعلومات تتكرر وفي بعض الأحيان لا تخزّن بشكل يمكّن من دراستها، لكن منظمات مثل منظمة “سكون”، سجلت زيادة كبيرة في أعداد المرضى الذين يطلبون المساعدة منذ بداية الأزمة الاقتصادية الشاملة في 2019.

وقالت تاتيانا سليمان المديرة التنفيذية في مركز “سكون”، إنهم في المركز شهدوا زيادة هائلة في أعداد المشاركين في برنامج الإدمان الخاص بهم.

وأوضحت أنهم في الماضي كان لديهم عدد قليل للغاية من الأشخاص على قائمة الانتظار. وأضافت “بينما في الوقت الحالي لدينا شهريا ما بين 25 و30 شخصا يجب عليهم الانتظار لشهر أو شهرين للسماح لهم بالانضمام إلى البرنامج”.

وذكرت الدراسة الاستقصائية الأوروبية على شبكة الإنترنت حول المخدرات، التي ينظمها المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان (EMCDDA)، والتي ضمت 274 مستجيبا أفادوا بأنهم تعاطوا ما لا يقل عن مخدر واحد غير مشروع في الـ12 شهرا السابقة للدراسة.

ووجدت أن تعاطي المخدرات في لبنان انتقل من كونه في الأساس نشاطا ترفيهيا، إلى تعاطيه بوصفه علاجا ذاتيا لمشكلات مثل الإجهاد والاكتئاب والأرق.

مشكلات عقلية
في دراسة أعدها مركز سكون، اكتُشف أن اللبنانيين البالغين الذين شُخصت حالتهم بتعاطي المخدرات وعُولجوا منها في المركز، تطور لديهم في أغلب الحالات نوعٌ من المشكلات الصحية العقلية، مثل الاكتئاب ما بين الخفيف والمعتدل 55.1 في المئة منهم، والقلق ما بين الخفيف والمعتدل 50.7 في المئة منهم، واضطراب ما بعد الصدمة 61.8 في المئة منهم.

وأظهرت الدراسة أن نسبة المتعلمين هم الأكثر استخداما وتبلغ نسبتهم 49.7 في المئة. وتتراوح الأعمار الأكثر استخداما للمخدرات ما بين 20 و30 سنة، وتبين أن النساء أكثر استخداما للمخدرات من الرجال، إذ بلغت نسبتهنّ 52.5 في المئة، بينما سجل الرجال 47 في المئة. وهي نسب مختلفة عما يصدر عن مراكز العلاج.

وحدد مركز سكون الضائقة الاقتصادية وتغيرات الحالة الوظيفية وانخفاض ساعات العمل من بين العوامل الأخرى التي أدت لزيادة تعاطي المخدرات غير المشروعة والكحوليات.

وتزايدت نسب الإدمان على المواد المخدرة في السنوات الأخيرة بشكل كبير عالميا، كذلك تغيّرت بيئة تعاطي المخدرات، وأفاد ما لا يقل عن 83 شخصا من المستجيبين للدراسة الاستقصائية الأوروبية بأنهم يتعاطونها في المنزل.

وكشفت الدراسة أنّ المواد المخدرة الأكثر استخداما في لبنان هي التبغ ومشتقاته، تليها الكحول، ومن ثم الحشيش وبعدها الأفيون. ويحتل الحشيش المرتبة الأولى بنسبة 92 في المئة، يليه الكوكايين بنسبة 22 في المئة، فالسيلفيا بنسبة 20 في المئة.

ومع انهيار العملة المحلية والتضخم المستمر في البلاد، تغيّرت أيضا أنواع المخدرات التي يتعاطاها المدمنون في طبيعتها. إذ أن المخدرات الأرخص والمتاحة بصورة أكثر، مثل القنب والسيلفيا والكحول، وأحدثها الميثامفيتامين، صارت أكثر شيوعا؛ بسبب سهولة الوصول إليها والحصول عليها.

وعلى النقيض، فإن الكوكايين والإكستاسي أغلى ثمنا، لذلك يتاح فقط لمن يملكون المال الكافي لتحمل ثمنه. ودشنت منظمة أطباء العالم الفرنسية للتنمية ومركز سكون ومركز الرحمة للرعاية الصحية الأولية في سبتمبر الماضي مركزا مجتمعيا للصحة النفسية واستخدام المواد المخدرة في طرابلس.

ولكن المنظمات المهتمة بهذا النوع من الخدمات المجتمعية، تعاني من قلة العاملين في مجال الصحة القادرين على رعاية المرضى، ما يعني أن العديد من الأشخاص لن يتمكنوا من الاستفادة من أي رعاية. وذكر تقرير لمنظمة اليونيسيف أن نصف العائلات اللبنانية لا تستطيع الحصول على الأدوية التي تحتاج إليها، بجانب أن حوالي 40 في المئة من الأطباء غادروا البلاد منذ بداية الأزمة.

نسب الإدمان على المواد المخدرة تزايدت في السنوات الأخيرة بشكل كبير عالميا، كذلك تغيّرت بيئة تعاطي المخدرات

ودون العلاج، سيكون الكثير من المرضى عُرضة للعودة إلى تعاطي المخدرات، مما يصعّب التعافي من الإدمان.

وتسبب انهيار نظام الرعاية الصحية في تزايد وتيرة الانتكاسات بين المتعافين من الإدمان، وجعل التعافي منه أصعب. وبعد سنوات من إعلان العديد من المنظمات الحرب على الإدمان، استطاعت تحقيق نتائج جيدة عن طريق أدوية “البدائل الأفيونية”.

والبدائل الأفيونية هي أدوية معتمدة في لبنان منذ عام 2011، يتم وصفها للمرضى الذين يتعالجون من الإدمان على مادة أفيونية، فمثل مختلف المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى أدوية كالضغط والسكر وغيرهما، يحتاج بعض مدمني المخدرات إلى دواء لفترات طويلة من حياتهم كي يقلعوا عن استخدام المخدرات.

وفي لبنان نوعان من الأدوية يندرجان في قائمة البدائل الأفيونية هما بحسب سليمان “السيبوكسون والبوبرينورفين”، يعدان مسكنين قويين حيث يخففان من الآلام الحادة الناتجة عن أعراض انسحاب المخدرات لاسيما المواد الأفيونية، وهما مسجلان في وزارة الصحة، ويدخلان ضمن إطار أدوية الأمراض المزمنة التي رفع الدعم عنها بنسبة 20 في المئة، كما أنه مرخص لشركة أدوية وحيدة استيرادهما.

لكن في شهر نوفمبر 2021، دُق ناقوس خطر انقطاع “البدائل الأفيونية”، فتأهبت المراكز الصحية والجمعيات التي تعتمد عليها في علاج مرضاها لتدارك الكارثة، لاسيما وأن ما يقارب 1200 شخص مسجلون في وزارة الصحة على قائمة الاستفادة منها.

وأصدرت الحكومة اللبنانية قرارا برفع الدعم الجزئي والكلي عن معظم الأدوية، وذلك بعد التصريحات المتكررة لحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بعدم توفر الدولارات اللازمة لاستمرار الدعم. ودفع قرار الحكومة اللبنانية منظمة العفو الدولية إلى اعتبار أن “السلطات اللبنانية تتقاعس عن حماية الحق في الصحة والحياة للمواطنين في خضم أزمة مستمرة جعلت المرضى غير قادرين على تحمل تكاليف الأدوية الأساسية، أو الحصول عليها”.

تظهر أرقام مكتب مكافحة المخدرات المركزي أن هناك بين ألفي وثلاثة آلاف شخص يلقى القبض عليهم سنويا ويخلى سبيلهم وبين ألفين وثلاثة آلاف يوقفون بقرار قضائي، وتتراوح أعمار أغلب الموقوفين بين 20 و30 سنة.

أما التقرير الوطني الأول عن وضع المخدرات، الذي أعده المرصد الوطني للمخدرات ونشر عام 2017، فيشير إلى أنه ما بين عامي 2013 و2016 أوقف 11 ألفا و152 لاستخدامهم المخدرات، وسجل عام 2016 وحده ارتفاعا خطيرا في أعداد الموقوفين بقضايا متعلقة بالمخدرات، بلغت نسبته 233 في المئة تحت سن الـ18 عاما، أما عن أنواع المخدرات الأكثر شيوعا، فهي “الكبتاغون والكوكايين والقنّب والإكستاسي”.

وبحسب دراسة مركز سكون، رأى 39 في المئة من المستجوبين أنّ استخدام المخدرات يجب أن يكون “جرما”، فيما اعتبر 44 في المئة منهم أن على الدولة وقف معاقبة مستخدمي المخدرات.

وأفاد جوزيف حوّاط رئيس جمعية “جاد – شبيبة ضد المخدرات”، التي تعنى بالمدمنين وبإعادة تأهيلهم، أن نسبة المدمنين الوافدين إلى مركزهم لتلقي العلاج ارتفعت أربعة أضعاف في 2022 عن العام الذي سبقه، وهذا الرقم المرتفع جدًّا لعام واحد، ينذر بكارثة اجتماعية شبابية تهدد بدمار الشباب اللبناني اليائس.

وقال حواط فإن المواد الأكثر تعاطيا في لبنان، في المرتبة الأولى “حشيشة الكيف”، وهي بطبيعة الحال الأكثر تعاطيا بسبب وجودها بوفرة وزراعتها في لبنان وسهولة الحصول عليها. ثانيا “حبوب الكبتاغون”، التي تعتبر المادة “الجديدة القديمة” للتعاطي في لبنان، وثالثا مادة الـ“فريبايز”، أو “حجر الكوكايين”، التي تعد أكثر خطورة من الكوكايين.

ونوه إلى أن المواد المتعاطاة في لبنان تكثر أكثر فأكثر مع مرور الوقت. فقد لوحظ دخول مادة جديدة على سوق الاتجار وقد حلّت محل “السيلفيا”، وهي “الكريستال ميث”، وحدد حواط أن غالبية متعاطي هذه المادة هم من “مجتمع الميم” دون توضيح السبب.

ويخضع سوق الاتجار بالمخ درات للعرض والطلب، فكلّما توفرت المادة بكثرة، ارتفعت نسبة المدمنين في المقابل، نظرا لسهولة الحصول على المادة وانخفاض سعرها.

أنواع المخدرات التي يتعاطاها المدمنون تغيرت في طبيعتها مع انهيار العملة المحلية والتضخم المستمر في البلاد
أنواع المخدرات التي يتعاطاها المدمنون تغيرت في طبيعتها مع انهيار العملة المحلية والتضخم المستمر في البلاد
وأوضح أن نسبة ضبط تهريب المخدرات في العالم بلغت 12 في المئة فقط، وفي لبنان ترتفع هذه النسبة من الضبط إلى الـ15 في المئة تقريبا.

وشدد على أن لبنان هو المصدر الأول لمادتي الكبتاغون والحشيش لدول الخليج والدول المجاورة. وما يثبت ذلك، عمليات إحباط تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج التي تحصل في فترات متقطعة.

أما بالنسبة إلى مادة “الهيرويين”، فالمصدّر الأكبر لها هو أفغانستان بنسبة 80 في المئة، وأضاف أن زراعة الأفيون تتواجد في لبنان ولكن ليس بحجم أفغانستان وقدرتها على التصدير. أما بالنسبة للكوكايين، فدول أميركا الجنوبية هي المصدر له، وسعره مرتفع في سوق التجارة في لبنان نظرا للحصول عليه من الخارج وتأثره بسعر صرف الدولار.

وذكرت تقارير إخبارية أن هناك مصانع في لبنان لحبوب الهلوسة كالكبتاغون، والسلطات اللبنانية تعلم أماكن وجودها وأصحابها، لكنها تغض النظر عن التجار الكبار المعروفين لديها، وللأسف تلاحق المروج الصغير والمتعاطي وتغفل عن التاجر الأساسي المحمي من بعض السياسيين.

وينتقد متابعون غياب الدولة عن هذه المشكلة، إذ لا توجد مراكز تأهيل، ولا خطة شاملة مع الوزارات المعنية كوزارة الداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية، بينما تكتفي السلطات بمحاكمة هؤلاء الشبان والمروج الصغير، في وقت عليها أن تعمل أكثر مع وزارة التربية والتعليم للوقاية ومكافحة آفة الإدمان، وبالتالي الحد من أعداد الشباب المتعاطي المتزايد.

  • شارك الخبر