ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد الركن المتقاعد جورج جاسر
نصف خسارة مقابل نصف انتصار
الأربعاء ١٤ آب ٢٠٢٤ - 00:20
بعد الانتهاء من حرب تموز عام ٢٠٠٦ وإعلان حزب الله فائزا بها بسبب عجز الاسرائيليين عن تحقيق أهدافهم، بدأ العد العكسي لانتقام اسرائيل من حزب الله في حرب مقبلة.
حزب الله اللبناني الذي اهدى انتصاره للشعب اللبناني في هذه المعركة وهو الذي يعرف إسرائيل عن كثب، ويعلم أنها لن تتركه ليهنأ طويلاً بهذا الانتصار، فأخذ يعد العدة في حينه وعلى مدى سبعة عشر عاما لجولة جديدة من الحرب، وقام بامتلاك عشرات الآلاف من الصواريخ العادية والدقيقة والمسيرات التي شاهدنا بعضاً منها بعد يوم واحد من عملية طوفان الأقصى، حيث قام حزب الله بشن العمليات العسكرية على الكيان الاسرائيلي تحت عنوان "حرب إسناد غزة"، تمهيدا لحرب وحدة الساحات والتي لا تزال مفاعيلها وإرهاصاتها حتى الساعة.
اعلن حزب الله هذه الحرب وحيدا بمنأى عن وحدة الساحات التي اراد منها، ان تكون هي الأخرى، سندا لغزة التي اعلنت عن عملية "طوفان الأقصى" دون إخطار حلفائها مسبقا على حد قول الأمين العام، لكنها تدحرجت لتصبح توطئة لحرب جامعة شاركت فيها اليمن من خلال أنصار الله، اما باقي الساحات لم تشارك بشكل مباشر كسورية والعراق وايران، لحسابات تعود لكل منها، وبالمختصر لم تكن حسابات الحقل لهذه الحرب تطابق حسابات البيدر ولاسباب عدة…
بعد عشرة اشهر على حرب إسناد غزة والفصول التي مرت بها هذه الحرب واستشهاد عدد كبير من القياديين والمجاهدين اللبنانيين والإيرانيين، بالإضافة إلى القياديين الفلسطينيين، وردود الفعل التي اتخذت بعد تلك الاغتيالات، منها ما تم الرد عليه ومنها ما يزمع بأن الرد المقبل سيكون قاسيا ورادعا، وهنا ينبغي الإشارة إلى الأمور التالية:
١- بعد عشرة اشهر على تبادل القصف ما بين اسرائيل وحزب الله والتزاما بقواعد الاشتباك من قبل حزب الله إلى حد بعيد، تسعى اسرائيل عن قصد إلى جر الحزب لتوسيع الحرب بسبب إخفاقها في تحقيق الهدف منه، وبالتالي فرض شروط جديدة وقواعد اشتباك جديدة على حزب الله.
٢- قيل ان إسرائيل لن تتحمل حربا طويلة او استنزافية، وانها اوهن من بيت العنكبوت، وها هي تدخل شهرها الحادي عشر ولم تسقط….
طبعا تشوهت صورتها وكشفت ممارساتها، كسرت هيبة جيشها، وسقط لها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد والممتلكات، ولكنها بقيت تحصل على المساعدات المالية والدعم السياسي والديبلوماسي والعسكري دعما من الدول الكبرى، ويظهر جليا انهم لن يسمحوا بانهيارها لأن ذلك يعني خسارتهم جميعا.
ناهيك عن أن دول الممانعة لم تستطع اصدار قرار من مجلس الامن يدين ممارسات إسرائيل او إلزامها بوقف اطلاق النار.
٣- من جانب آخر يعيش الشعب اللبناني والدولة اللبنانية نوعا من انفصام الشخصية بالتعاطي مع هذه الحرب كما ينبغي، فالدمار والخسائر وسقوط الضحايا على مدار الساعة.. والدولة دون رئيس للجمهورية وممثلة بحكومة بتراء، عاجزة عن تجهيز خطط اقتصادية او امنية لاستدراك الأسوأ في حال توسيع الحرب، بالإضافة إلى مجتمع مشتت يعيش حالة انقسام هستيرية بظل انهيار اخلاقي ونفسي خطير لا هم عنده سوى الترفيه والسهر وحضور حفلات الطرب.. بدلاً من ان يفرز هذا المجتمع نُخَباً لاجتراح الحلول واقتراح ما يؤثر على الرأي العام الداخلي والخارجي، لإنقاذ ما تبقّى من أشلاء الوطن.
٤- من المحتمل ان يبقى هذا الوضع على حاله لفترة غير قصيرة في ظل التهديدات الاسرائيلية بتوسيع الحرب داخل الكيان اللبناني وخارجه، فعمليات الاغتيال التي نفذتها مؤخرا باستشهاد القيادي في حزب الله فؤاد شكر في عقر داره، والرئيس السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية اثناء زيارته لطهران، وحتمية الرد عليها من محور الممانعة افراديا او جماعيا.
فمن المحتمل أن لا يكون هذا الرد أكبر أو أقسى من الردود السابقة، بسبب الضغوط التي مورست وتمارس من قبل دول القرار الحاضنة لهذه الحرب، والتفاهمات التي تحصل في السر بين هذه الدول، والتي أرجئ من خلالها الرد على عمليتي الاغتيال حتى الساعة بغية ترتيب صفقة معينة، قد تنتهي برد مدروس وغير موجع ولا يستوجب بالمحصلة ردا من إسرائيل، وربما هذا الرد سيكون نتيجته انهاء الحرب وإرساء هدنة تسمح بتبادل الأسرى من الجانبين، ويكون الطرفان فيها قد حققا نصف خسارة لاسرائيل ونصف ربح لمحور الممانعة.
٥- في حال صحة التفاوض السري وامكانية تبني هذه النتيجة من قبل الطرفين، تدخل بعد ذلك الديبلوماسية الاميركية لترتيب الوضع في الجنوب اللبناني على قاعدة اشتباك جديد وترسيم حدود برية، وبعدها يبحث سلاح حزب الله داخليا ضمن استراتيجية دفاعية ملزمة له لانطلاق وبناء سلطة جديدة في لبنان للسيطرة على الاهتراء الذي وصلت اليه المؤسسات، بدءا بانتخاب رئيس للجمهورية، واعادة الانتظام في عمل المؤسسات الإدارية والدستورية.
٦- ان هذا السيناريو المرتقب في الايام المقبلة قد يكون لبنان بحاجة اليه أكثر من اي وقت مضى نظرا لافتقار المقاومة إلى الإجماع الوطني حول شرعيتها وتفردها في هذه الحرب، وتململ المكونات الأخرى لامتلاك المقاومة قراري الحرب والسلم، وعدم تحمل المجتمع اللبناني نتائج تردّي الأوضاع الاقتصادية وانهيار المؤسسات الإدارية وتعطل عمل بعض المؤسسات الدستورية وشلل بعضها الآخر وشغور الوظائف الكبرى في الدولة وعدم القدرة على تعيين بديل لها.
٧- هذا ما يجب ان نعمل له جميعا بوقف هذه الحرب مع كل المخلصين والمحبين والمؤمنين بلبنان الواحد، الجامع، وتخفيفا لعناء هذا الشعب الذي لم يكتب له ان يهنأ بعيشه منذ ما يقارب نصف قرن من الزمن، بدءا من الحرب الاهلية وحتى الآن، فالبلد لا يفتقر إلى الكفاءات أو الرجال، ولا تنقصه الأدمغة المبدعة، وقد آن الأوان ليعرف الجميع مصلحة لبنان العليا، والسعي إلى اطلاق دوره الريادي لينهض من جديد كطائر الفينيق في المنطقة والعالم.