hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - ديساكو ايكيدا

حول الأزمة الأوكرانية وضرورة التعهد بـ"عدم الاستخدام الأول" للأسلحة النووية

الثلاثاء ٢٤ كانون الثاني ٢٠٢٣ - 00:20

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما زالت الأزمة الأوكرانية التي اندلعت في فبراير العام الماضي مستمرّة من دون اي احتمال أن تتوقّف؛ فقد تسبّبت الأعمال العدائية المكثّفة في تدمير الاماكن السكنية ومرافق البنية التحتية، وأجبرت أعدادًا كبيرة من المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، على العيش في حالة من الخطر الدائم.
أكثر من 7.9 مليون شخص هاجروا قسرا الى العديد من البلدان الاوروبية بحثا عن ملاذ لهم، بينما نزح حوالي 5.9 مليون مواطن الى أماكن آمنة داخل البلاد.
كان ينبغي على تاريخ القرن العشرين، الذي شهد المجازر والفظائع التي سببتها الحربان العالميتان الكبريان، أن يلقّن العالم الدرس القائل بأنه ليس هناك ما هو أكثر قسوة أو بؤسًا من الحرب.
كنت في سن المراهقة عندما تعرضَّت العاصمة اليابانية طوكيو، خلال الحرب العالمية الثانية، للقصف بالقنابل المحرقة؛ وما زلت أتذكرُ بوضوح، عندما ارغمت على الفرار يائسا، والانفصال عن باقي أفراد الأسرة عبر بحر من النيران، ولم أعلم ما إذا كان افراد اسرتي بخير حتى اليوم التالي. كما ولا تمحى من ذاكرتي صورة أمي، التي أجهشت بالبكاء عندما علمت أن أخي الأكبر – الذي تم تجنيده قد قُتل في احدى المعارك.
كم كبير عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم، أو الذين اجبروا على تغيير أساليب حياتهم بشكل مفاجئ ونهائي!
ولأول مرة منذ أربعين عامًا، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد جلسة استثنائية طارئة بموجب قرار الاتحاد من أجل السلام. وبعد ذلك، عاد الأمين العام أنطونيو غوتيريش ليشارك مرارًا وتكرارًا مع القادة الوطنيين لروسيا وأوكرانيا ودول أخرى في محاولة للوساطة.
ومع ذلك، استمرّت الأزمة، وتفاقمت التوترات في جميع أنحاء أوروبا؛ الأمر الذي أدى الى نقص في الإمدادات الغذائية، وارتفاع أسعار الطاقة وتعطيل الأسواق المالية. وانتشرت حالات اليأس عند أعداد كبيرة من الناس، والذين كانوا يعانون ايضا، من مشاكل وأمراض أخرى ناتجة عن تغير المناخ، ناهيك عن المعاناة والموت الناجم عن تفشّي جائحة كوڤيد 19.
من الأهمية بمكان أن نجد انفراجا من أجل منع المزيد من التدهور في الظروف التي يعيشها الناس في جميع أنحاء العالم، ولا ننسى الشعب الأوكراني الذي بات مضطرا للعيش مع إمدادات غير كافية من الكهرباء، وسط شتاء أشد قسوة وصراع عسكري أكثر تفاقما.
لذلك أدعو إلى عقد اجتماع عاجل، تحت رعاية الأمم المتحدة، بين وزراء خارجية روسيا وأوكرانيا ودول رئيسية أخرى من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن وقف الأعمال العدائية. كما أحثُّ على إجراء مناقشات جادّة نحو قمة تجمع رؤساء جميع الدول المعنيّة من أجل إيجاد طريق لاستعادة السلام.
يصادف هذا العام مرور خمسة وثمانين عامًا على اعتماد الجمعية العامة في الأمم المتحدة القرار بشأن حماية المدنيين من القصف الجوي. كما أنه يصادف الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لاعتماد الأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هذا الإعلان الذي عبّر عن تعهّده القاطع بإحداث حقبة جديدة لن تُسحق فيها الكرامة الإنسانية أو تُنتهك مرة أخرى. وتذكيرًا بالالتزام بحماية الحياة والكرامة الذي يرتكز عليه القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، أحثُّ جميع الأطراف على التوصّل في أقرب وقت ممكن إلى نهاية للصراع الحالي.
إلى جانب الدعوة إلى إيجاد حل سريع للأزمة الأوكرانية، أودّ أن أشدّد على الأهمية البالغة لتنفيذ التدابير اللازمة لمنع استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها، سواء في الأزمة الحالية أو في جميع النزاعات المستقبلية.
مع استمرار الصراع وتصاعد الخطاب النووي، فإن خطر استخدام هذه الأسلحة يصل اليوم الى أعلى مستوياته منذ نهاية الحرب الباردة. وحتى لو لم يكن هناك أي طرف يسعى إلى حرب نووية، فالحقيقة هي أن مجرّد وجود الترسانات النووية في حالة تأهب مستمرة، ينذر بخطر امكانيّة استخدام الأسلحة النووية، ولو بطريقة غير مقصودة، نتيجة لخطأ في البيانات أو حادث غير متوقع أو ارتباك قد يستدعيه هجوم إلكتروني.
بالعودة الى الوراء، فقد صادف شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي الذكرى السنوية الستين لأزمة الصواريخ الكوبية، التي دفعت العالم إلى شفا حرب نووية. كان أيضًا الشهر الذي أجرت فيه كل من روسيا وحلف الناتو سلسلة من التدريبات لفرق القيادة النووية. في مواجهة هذه التوترات المتصاعدة، حذر الأمين العام غوتيريش من "أن الأسلحة النووية لا توفر الأمن – بل فقط المذابح والفوضى". يجب أن يكون الوعي بهذا الواقع هو نقطة الأساس للعيش في القرن الحادي والعشرين.
وقد أكدتُ منذ فترة طويلة، أنه إذا نظرنا إلى الأسلحة النووية من منظور الأمن القومي فقط، فإننا نجازف بالتغاضي عن قضايا بالغة الأهمية. وفي مقترحات السلام الأربعين السنوية التي قدمتُها منذ عام 1983، جادلت بأن الطبيعة اللاإنسانية للأسلحة النووية هي التي يجب أن نركّز عليها ونجعل منها المحور الأساسي في شتى المداولات. كما شددتُ على أنه لا بد من مواجهة لاعقلانية الأسلحة النووية وقدرتها على تدمير تفاصيل حياتنا ومجتمعاتنا وحضاراتنا.
هناك نقطة أخرى أودّ التأكيد عليها وهي ما يمكن تسميته بضرورة سحب الجاذبية السلبية المتأصّلة في الأسلحة النووية. وأعني بهذا، ان فكرة الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية قد تحبس الناس في قبضة تشبه قوة الجاذبية، تجرّدهم من قدرتهم على وقف المزيد من تصعيد الصراع. ‏‎
أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، كتب الأمين العام السوفياتي نيكيتا خروتشوف (1894-1971) إلى الرئيس الأمريكي جون ف كينيدي (1917-1963): "قد تأتي لحظة يتم فيها ربط العقدة بشدة لدرجة أنه حتى من ربطها لن يعود لديه القوة لفكّها، فسيكون من الضروري عندها قطع تلك العقدة". من جانبه، تم تسجيل كينيدي على أنه يقول: "إن العالم سيبقى مستحيلا إدارته طالما أن هناك أسلحة نووية". ‏‎تشير هذه التصريحات بشكل صريح وواضح أن قادة الدول المسلحة نوويًا، عاشوا في تلك الفترة ظروفا خارجة عن سيطرتهم.
فإذا ركّزنا فقط على فكرة الاسباب التي استدعت إطلاق الصواريخ المسلحة نوويًا، فلن يكون هناك وقت ولا قدرة لمشاركة آراء مواطني أطراف النزاع – ناهيك عن آراء شعوب العالم – حول الطرق الضرورية لتفادي الأهوال الكارثية للأسلحة النووية.
ان سياسة الردع المعتمدة على الأسلحة النووية هي الطريقة التي تحاول بها الدول ممارسة سيطرتها وتأكيد استقلاليتها. ولكن، على الدول ان تعلم انها بذلك ستسقط في الهاوية، وسيصبح شعبها في حالة من التقييد والحرمان. هذه هي حقيقة الأسلحة النووية التي لم تتغير منذ بداية الحرب الباردة، والتي يتعيّن على الدول الحائزة عليها وتلك المعتمدة عليها أن تواجه هذه الحقيقة بكل ما فيها من قسوة.
في سبتمبر 1957، عندما وجه مرشدي و الرئيس الثاني لـ "سوكا غاكاي"، "جوزيه تودا" دعوته لحظر الأسلحة النووية، كان سباق التسلح النووي يزداد بطريقة متسارعة، وكانت هناك تجارب إطلاق للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ما يعني أن كل مكان على سطح الأرض كان هدفا محتملا لهجوم نووي.
يؤمن تودا أن الحل الأساسي لإنهاء تجارب الأسلحة النووية يتطلب استئصال طرق التفكير التي من شأنها أن تبرر استخدامها. وهذا ما أعرب عنه في عبارته: قلع المخالب المخبأة في أعماق هذه الأسلحة"، معبّرا عن غضبه الشديد من منطق التفكير في إمكانية تعريض شعوب العالم لمثل هذه الأهوال الكارثية. ركّز تودا في إعلانه على ضرورة ضبط النفس من جانب أولئك الذين يشغلون مناصب في السلطة السياسية، والذين يمسكون بأيديهم حياة أو موت أعداد كبيرة من الناس. كما ركّز على ضرورة مواجهة الشعور بالاستسلام الشعبي في مواجهة الأسلحة النووية، والخضوع لفكرة أن أفعال المرء لا يمكن أن تغير العالم. فبرأيه، طريق السلام يبدأ بتغيير داخل حياة او تفكير الفرد، وليس بالضرورة من خلال الإصلاحات المجتمعية أو الهيكلية وحدها. بهذه الطريقة، سعى تودا إلى فتح طريق للمواطنين العاديين ليكونوا أبطالًا في الجهود المبذولة لحظر الأسلحة النووية.
وصف تودا هذا الإعلان بأنه التوجيه الأول الذي تركه لتلاميذه، والذي فهمتُه على أنه النقطة التي لا غنى عنها لصنع مستقبل البشرية. ولجعلها حقيقة واقعة، واصلت التأكيد على ذلك في لقاءاتي مع القادة السياسيين والفكريين من مختلف البلدان، لحل القضية النووية.

في الوقت نفسه، وبهدف إنهاء عصر الأسلحة النووية، أقامت سوكا غاكاي العالمية سلسلة من المعارض وشاركت في جهود تثقيفية للتوعية في بلدان حول العالم. ففي عام 2007، الذكرى الخمسين لإعلان تودا، أطلقت سوكا غاكاي العالمية عقدا مع الشعب من أجل القضاء على الأسلحة النووية وفي الوقت عينه، كانت تتعاون مع الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية وعملت على تحقيق صك ملزم لحظر الأسلحة النووية.
انطلقت رغبة وتصميم المجتمع المدني من ضحايا قصف هيروشيما وناغازاكي وانصبت اهدافهم على ان لا تتكرر أبدا مأساة استخدام الأسلحة النووية، وان لا يشهدها بعد ذلك شعب أي بلد في العالم.
وقد تم التوصل في عام 2017 إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية ودخلت حيّز التنفيذ في عام 2021. ويمثل هذا بالنسبة لنا تقدمًا نحو تحقيق الأمر القضائي الذي تركه جوزيه تودا. وتؤكد معاهدة حظر الأسلحة النووية بشكل شامل جميع جوانب الأسلحة النووية، ولا يقتصر ذلك على استخدامها أو التهديد باستخدامها، بل على تطويرها وحيازتها. وفي حين أن الدول التي تمتلك أسلحة نووية قد تجد صعوبة في تبني المعاهدة، يجب على الأقل أن يكون هناك اعتراف مشترك بأهمية منع العواقب الكارثية لاستخدام الأسلحة النووية. كذلك، يجب أن تشرع الدول الحائزة للأسلحة النووية الى اتخاذ إجراءات للحد من التفكير بها واللجوء اليها، كوسيلة لضمان عدم ظهور المواقف – سواء الآن أو في المستقبل – التي قد تحتم ضرورة استخدام الأسلحة النووية.
ومن هذا المنطلق، فقد أصدرتُ في يوليو من العام الماضي بيانًا أمام مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، حثثت فيه الدول الخمسة الحائزة للأسلحة النووية على تقديم تعهدات فورية، لا لبس فيها، بأنها لن تكون أبدًا الأولى لشن ضربة نووية – وهذا هو مبدأ عدم الاستخدام الأول.

وللأسف، لم يتمكن المؤتمر الاستعراضي لمعاهدة عدم الانتشار في آب / أغسطس من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن وثيقة ختامية. لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن التزامات نزع السلاح النووي المنصوص عليها في المادة السادسة من المعاهدة لم تعد ذات صلة. كما تشير المسودات المختلفة للوثيقة النهائية، كان هناك دعم واسع النطاق لتدابير الحد من المخاطر النووية مثل اعتماد سياسات عدم الاستخدام الأول وتوسيع ضمانات الأمن، والتي تتعهد بموجبها الدول الحائزة للأسلحة النووية بعدم استخدام الأسلحة النووية أبدًا ضد الدول التي لا تملكها.
بناءً على هذه المداولات، من الضروري للغاية ليس فقط الحفاظ على حالة عدم الاستخدام النووي، والتي تم الحفاظ عليها على مدار السبعة والسبعين عامًا الماضية، بل المضي قدمًا والتحول من فكرة نزع السلاح النووي نحو هدف الإلغاء. ‎
هناك بالفعل أساس يمكن البدء منه: إنّه البيان المشترك الصادر في كانون الثاني (يناير) الماضي عن قادة الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين، والذين أكدوا فيه أن الحرب النووية لا يمكن كسبها وبالتالي لا يجب اعتمادها. وخلال مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، دعت حكومات الدول الخمس الحائزة للأسلحة النووية إلى الالتزام ببيان كانون الثاني / يناير والحفاظ على موقف ضبط النفس.
وباستخدام مثال الدائرة لوصف مسؤولية الدول الحائزة للأسلحة النووية في الحفاظ على ضبط النفس فيما يتعلق باستخدام الأسلحة النووية، فإن الالتزام المعبر عنه في البيان المشترك لمنع الحرب النووية سيكون قوسًا يضم نصف الدائرة، ولن يكون في هذه الحالة وحده كافٍ للقضاء التام على خطر استخدام الأسلحة النووية. أعتقد أن مفتاح حل هذا التحدي هو التزام الدول بعدم الاستخدام الأول.
خلال مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، عملت سوكا غاكاي العالمية مع أطراف أخرى ومنظمات غير حكومية لعقد حدث جانبي في الأمم المتحدة يركز على الحاجة الملحة لاعتماد مبدأ عدم الاستخدام الأول.
إني على يقين من أنه إذا كان من الممكن ربط تعهدات عدم الاستخدام الأول بالبيان المشترك لشهر يناير الذي يؤكد على مبدأ ضرورة ضبط النفس، عندها سيتشكل هذا القوس الذي يكمل الدائرة، والذي سيقضي على فكرة التهديد النووي الذي ظلّ معلقًا، وبهذه الطريقة سيتم إحراز التقدم المهم في موضوع نزع السلاح النووي.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عقدت في نيبال ورشة عمل لتعزيز هذا النوع من التحول النموذجي من قبل معهد تودا للسلام، الذي أسستُه. واتفق المشاركون على ضرورة انضمام باكستان إلى الصين والهند في إعلان الالتزام بعدم الاستخدام الأول، وبالتالي ترسيخ المبدأ بالكامل داخل منطقة جنوب آسيا. كما تبادل الجميع وجهات النظر حول أهمية تحفيز النقاش الدولي بعدم الاستخدام الأول لتمكين جميع الدول المسلحة نوويًا من اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الاتجاه.
وهنا أستذكر آراء الدكتور جوزيف روتبلات (1908-2005) الذي شغل لسنوات عدة، منصب رئيس مؤتمرات بوغواش حول العلوم والشؤون العالمية. في حوار سابق معه، تحدث روتبلات عن الاتفاق بعدم الاستخدام الأول، مؤكدا أنه سيكون أهم خطوة نحو الإلغاء التام للأسلحة النووية، داعيا إلى معاهدة لهذا الغرض. كما ابدى روتبلات انزعاجه الشديد من المخاطر الكامنة في سياسات الردع، والتي يراها متأصلة الجذور في تربة الخوف. لم تتغير الهياكل الأساسية للردع النووي في السنوات التي تلت حوارنا منذ عام 2005، بل على العكس، فإنّها قد تكون ازدادت نتيجة الأزمة الحالية.
لذا أقول، ان التعهد بعدم الاستخدام الأول هو إجراء يمكن للدول الحائزة للأسلحة النووية أن تتخذه حتى مع الحفاظ على ترساناتها النووية الحالية في الوقت الحاضر؛ وهذا لا يعني أن خطر وجود حوالي 13000 رأس نووي الموجود في العالم اليوم سوف يتبدد بسرعة. ومع ذلك، فإن ما أود التأكيد عليه هو أنه في حالة تجذّر منطق عدم الاستخدام الأوّل بين الدول المسلحة نوويًا، فإنه سيخلق فرصة لإزالة مناخ الخوف المتبادل؛ وهذا بدوره سيمكّن العالم من تغيير المسار – والتحوّل من التعزيز النووي القائم على الردع، نحو نزع السلاح النووي وتجنّب ويلاته.
وبالنظر إلى الوراء، فقد اتّسمت الحالة العالمية خلال حقبة الحرب الباردة بسلسلة من الأزمات التي هزّت العالم، فانعدم على أثرها الأمن وسادت الفوضى، وبدت حينها الحالة وكأنّها غير قابلة للحل أو التخطي؛ ومع ذلك، تمكنت البشرية من إيجاد استراتيجيات خروج ونجحت في اجتياز هذه المرحلة. ومن الأمثلة على ذلك هو محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية التي عقدت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لكبح سباق التسلح النووي بناءً على التزامات نزع السلاح النووي بموجب المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تم التفاوض عليها ردًا على الدروس المريرة المستفادة من أزمة الصواريخ الكوبية. بالنسبة للمشاركين في هذه المحادثات، فإن فرض قيود على السياسات النووية، ليس بالأمر السهل على الإطلاق، وذلك باعتبار هذا الأمر صلاحية حصرية للدولة. ومع ذلك، فإن فرض هذا القرار لا غنى عنه للمحافظة على حياة البشرية جمعاء.
خلال أزمة الصواريخ الكوبية، اختبر الناس عن كثب رعب التأرجح على شفا حرب نووية، وبعدها، صاروا يستحضرون الذكريات التاريخية المريرة، مضيفين عليها شيئا من خيالهم وإبداعهم، للتهويل والابتعاد عن استخدامها حتى كورقة ضغط. واليوم، لقد حان الوقت مجددا لجميع البلدان والشعوب للالتقاء وإطلاق العنان مرة أخرى لتلك القوى الإبداعية، للبدء بفصل جديد في تاريخ البشرية.
إن الروح والإحساس بالهدف اللذين سادا وقت ميلاد "معاهدة عدم الانتشار" هما مكمّلان للمثل العليا التي حفّزت على صياغة واعتماد "معاهدة حظر الأسلحة النووية". ومن هنا فإنني أدعو جميع الأطراف بشدة إلى استكشاف وتوسيع سبل ربط الجهود المبذولة على أساس هاتين المعاهدتين (معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة حظر الأسلحة النووية)، واستخلاص آثارهما المتعاضدة للانتقال الى عالم خالٍ من الأسلحة النووية.

*فيلسوف ياباني، وباني سلام، ومربٍ، ومؤلف، وشاعر، والرئيس المؤسس لمنظمة "سوكا غاكاي" العالمية

*ترجمة: إيمان درنيقة الكمالي، استاذة جامعية وباحثة سياسية

  • شارك الخبر