ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد المتقاعد دانيال الحداد
تصحيح التعميمين ١٥١ و١٥٨ بيد حاكم مصرف لبنان بالإنابة
الثلاثاء ٣ تشرين الأول ٢٠٢٣ - 00:00
إستمع للخبر
كلام حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري خلال لقائه بكلّ من المجلس الاقتصادي والاجتماعي ونقابة المحررين، فيه الكثير من الواقعية لجهة مسؤولية الحكومة والمجلس النيابي في عملية الانقاذ المالي والاقتصادي، لا سيّما إقرار مشاريع قوانين الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف والتعافي الاقتصادي، بالإضافة إلى وقف مصرف لبنان نهائياً إقراض الدولة بالليرة أو بالدولار، وهو ما يرسّخ الدور الأساسي للمصرف المركزي في الحفاظ على سلامة النقد، وليس تمويل عجز الموازنة من ودائع المواطنين، كما جرى طوال عهد الحاكم السابق رياض سلامة.
واضح من كلام الحاكم بالإنابة أنّ المصرف المركزي لا يمكن أن يحلّ مكان الدولة، فلديه دور محدد في قانون النقد والتسليف وسيتمسك به حتى النهاية، وهذا أمر جيد، تلقفه المودعون بالقبول والرضى، كونه يكفل الحفاظ على ما تبقى من أموالهم، والتي كان من الممكن أن تتبخّر مع استمرار سياسة الدعم في غضون سنة ونصف أو سنتين على الأكثر.
إلاّ أنّ ما لم يفهمه المودعون هو عدم مبادرة الحاكم بالإنابة إلى تصحيح الإجحاف بحقهم من جراء التعميمين ١٥١ و١٥٨، اللذين صدرا في عهد الحاكم السابق، وهذا التصحيح هو بيد الحاكم بالإنابة، ولا يحتاج إلى انتظار إقرار مشاريع القوانين المذكورة والمستبعد جداً في ظلّ التخبّط السياسي الذي تعيشه البلاد.
فما الذي يجب أن يفعله الحاكم في هذا الشأن بالتحديد؟
بالنسبة إلى التعميم ١٥١، الحاكم بالإنابة يقول إنه فور إقرار موازنة العام ٢٠٢٤، سيتمّ رفع قيمة الدولار المصرفي إلى سعر صيرفة، لكن في انتظار ذلك الحين ولا نعرف قرار المجلس النيابي النهائي حول هذا الشأن، هل من المقبول استمرار الهيركات على السحوبات بما يقارب الـ٨٠٪؟ ولماذا مثلاً لا يتمّ تعديل التعميم برفع قيمة الدولار المصرفي إلى ٣٠ أو ٤٠ ألفاً بدلاً من ١٥ ألفاً، بما يخفّف قليلاً من الأعباء المعيشية الثقيلة التي يعانيها المودعون؟
أمّا بالنسبة إلى التعميم ١٥٨، فيصحّ القول إنه عشوائي وارتجالي ويضرب مبادئ العدالة والمساواة بين المودعين في الصميم، ويمكن اختصار أوجه الظلم اللاحقة بقسم من المودعين بالآتي:
- الحسابات المشتركة: حُددت قيمة السحب الشهري بـ٤٠٠ أو ٣٠٠ دولار لكلّ صاحب حساب في مصرف ما وفق تاريخ الاشتراك فيه، بمعزل عن طبيعة هذا الحساب إذا كان مشتركاً أو لا، وهذا ما يلحق الغبن بأصحاب الحسابات المشتركة التي غالباً ما يهدف إنشاؤها في الأساس إلى تسهيل أمور أفراد العائلة الواحدة أو الشركات، وضمّها لا يعني أنّ الأموال واحدة فلكلّ فرد نصيبه الأساسي منها، وبالتالي تقتضي العدالة أن ينال كلّ فرد قيمة السحب المذكورة أعلاه، وإلاّ فلتسمح المصارف لأصحاب الحسابات المشتركة بفصل أموالهم من خلال فتح حسابات جديدة لكلّ فرد على حدة، كي يتسنى لهم الاستفادة من التعميم بالمساواة مع غيرهم، وهذا ما تمتنع المصارف عن فعله لغاية الآن من دون أي مبرّر قانوني، مع الإشارة إلى أن بعض المصارف يسمح لكل شخص من أصحاب الحسابات المشتركة بسحب ٣٠٠ أو ٤٠٠ دولار فيما بعضها الآخر يمتنع عن ذلك، وهذا دليل واضح على الغموض الذي يلفّ التعميم واستنسابية المصارف تجاه هذه النقطة بالتحديد.
- عدم اعتماد قاعدة النسبية في السحوبات: نصّ التعميم على تحديد قيمة السحب الشهري بـ ٤٠٠ أو ٣٠٠ دولار شهرياً من الحساب وفق تاريخ الاشتراك في التعميم كما أسلفت، بصرف النظر عن قيمة الحساب، وهذا يعني على سبيل المثال أن قيمة السحب ممن لديه ٢٠ مليون دولار في حساب ما هي نفسها قيمة السحب لمن لديه ٥٠ ألف دولار، فأي منطق وعدالة في هذا الإجراء؟!
بالإضافة إلى ذلك، فإن تطبيق قاعدة النسبية على الجميع يعالج مسألة تعدد الحسابات من جذورها، وهي مسألة مشبوهة، يهدف أصحابها النافذون أو المحظيون إلى تحصيل الأموال من أكثر من مصدر على حساب غيرهم.
- الاستفادة من التعميمين ١٥ و١٥٨ معاً: نصّت التعديلات اللاحقة بالتعميم ١٥٨ على حق كلّ صاحب حساب يستفيد من التعميم ١٥٨ في مصرف ما الاستفادة أيضاً من التعميم ١٥١ في مصرف آخر، أمّا من لديه حساب في مصرف معين ينطبق عليه التعميم ١٥٨ ولديه حساب آخر في المصرف نفسه ينطبق عليه التعميم ١٥١، فلا يستطيع الاستفادة من الحسابين معاً بل من أحدهما، وهذا غير منطقي وعادل أيضاً، لأن الأزمة المصرفية أزمة شاملة ولا ترتبط بهذا المصرف أو ذاك، بسبب ذهاب معظم أموال المصارف مجتمعة ديوناً للدولة والمصرف المركزي.
في الخلاصة، إذا كان المصرف المركزي عاجز عن إيجاد حلّ للازمة الاقتصادية والمالية بمفرده، وهو أمر بديهي، فمن غير المقبول منه مواصلة تنفيذ تعاميم مجحفة، وفي يده وحده القرار بتصحيحها، وهذا أضعف الإيمان.